الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٢ صباحاً

إطفاء الحريق أولا

فهمي هويدي
الخميس ، ٠٨ يونيو ٢٠١٧ الساعة ٠٢:٠٥ مساءً
كثر ما استوقفنى فى عناوين الصحف المصرية التى صدرت أمس (السادس من يونيو يوم النكسة الكبرى) عنوانان أحدهما «قطر تحت الحصار»، وقد نشر بحروف كبيرة وباللون الأحمر تعبيرا عن الحفاوة والبهجة التى بدت فى بقية العناوين ذات الصلة التى غطت كامل الصفحة الأولى للأهرام. العنوان الثانى نشرته صحيفة «المصرى اليوم» على صفحة داخلية وكان كالتالى «نتنياهو أمام قمة دول غرب إفريقيا: حققت حلمى بالمشاركة» ــ وتحت العنوان صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلى الذى وقف مبتسما ومنشرحا وسط رؤساء دول غرب إفريقيا الذين عقدوا اجتماعهم فى ليبيريا.

جيلى أو بعضه على الأقل تشكل وعيه بحيث توقع أو تمنى أن تكون إسرائيل هى التى تحت الحصار فى حين أن الرئيس المصرى الذى يمثل أكبر وأهم دولة عربية هو الذى يقف وسط القادة الأفارقة. لذلك لك أن تتصور الصدمة التى أصابتنى حين وقعت على الوضع مقلوبا. ولعلك تعذرنى إذا لم أصدق لأول وهلة ما وقعت عليه عيناى، واضطررت إلى قراءة الكلام المنشور أكثر من مرة متمنيا أن أجد خطأ ما فى مضمون العناوين. وحين تأكدت من أن العناوين لم تخطئ خطرت لى على الفور العبارات التى استخدمها ابن الأثير فى كتابه «الكامل فى التاريخ»، الذى استعظم ما فعله المغول فى بغداد (القرن الثالث عشر الميلادى) فوصفه بالحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التى عقمت الأيام والليالى عن مثلها، وصدم من هول ما جرى حتى قال: يا ليت أمى لم تلدنى ويا ليتنى مت من قبل هذا وكنت نسيا منسيا.

كنا نظن إلى عهد قريب أن منطقة الخليج هى الوحيدة المستقرة والمتماسكة فى المشرق العربى. وأن مجلس التعاون الخليجى نجح فى احتواء الخلافات والحيلولة دون انفراط عقد الدول الخليجية طوال العقود الثلاثة الماضية، إلا أننا اكتشفنا أن ذلك كان تقديرا مبالغا فيه، وانه فى لحظة الغضب المسكون بالطيش صار كل ذلك فى مهب الريح، وأن الانفعال تجاوز الحدود بحيث أصبح حصار قطر واقعا يحظى بتهليل وسائل الإعلام ومباركتها. وبدلا من أن تسارع المؤسسات القائمة إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو يتداعى العقلاء إلى حوار حول إجابة السؤال ما العمل. فإننا وجدنا أن قرع طبول الحرب وهتافات الغاضبين والمحاكمات السياسية والتراشق الإعلامى، ذلك كله طغى على ما عداه. فلا فهمنا شيئا مما جرى، ولا رأينا ضوءا يطمئننا فى النفق المظلم الذى دخلنا فيه.

يهدئ من روعنا ويخفف من الصدمة الجهد الذى بذلته القيادة الكويتية منذ انفجرت قنبلة الغضب وغاب صوت العقل. وإذا صح أن سلطنة عمان لها دورها الهادئ فى محاولات إطفاء الحريق، فإن ذلك الدور يستحق التقدير والحفاوة. وفى كل الأحوال لابد أن يذكر للسلطنة أنها نأت بنفسها عن الانخراط فى الصراع الحاصل عملا بالقول المأثور، إذا لم تكن عونا على الإصلاح فلا تكن شريكا فى الإفساد.

إن المشهد المقلوب الذى وجدنا فيه قطر تحت الحصار العربى فى حين أن إسرائيل يغازلها بعض العرب وتتمدد وتختال فى محيطنا الإفريقى هو تعبير عن الانقلاب الحاصل فى الخرائط السياسية العربية التى تشوهت وانقلبت فيها الموازين والمعايير، وهو ما أوصلنا إلى المشهد العبثى الذى أصبحنا نعانى منه، نكاد لا نصدق أحداثه وعناوينه.

ليس لدى ما أقول فيما ينبغى عمله للخروج من المأزق، لكننى أزعم بأننا يجب أن ننفق على ما لا ينبغى فعله. كما أننى لست فى موقف يسمح لى بتحديد المخطئ والمصيب، لكن ما أفهمه أنه عندما يشب أى حريق، فإن إطفاءه يصبح المهمة الأولى، وذلك واجب الوقت الذى ينبغى أن ينشغل به العقلاء على ندرتهم فى زماننا. صلوا من أجل أن تنجح الوساطة الكويتية فى تحقيق مهمة الإطفاء.

"هاف بوست"