السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٣٢ صباحاً

إيقاعات وجدانية ,,,, من وحي الثورة(14)

عباس القاضي
الأحد ، ١٨ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٨:٠١ مساءً
لم تمر سوى ساعة, على غياب علي زؤبه, هاهو قادم ولكن ليس وحيدا, قالها عبده غبش, وسعيد عجب بجانبه, يحدّ نظره وهو يتساءل, ياهل ترى, من عساه يكون؟ رغم نور القمر بأشعته الفضية لم يعرفاه وذلك لتشابه سكان الحي بسوادهم, جعل الواحد منهم كظل واقف ولكنه متحرك, هاهما وصلا , السلام عليكم, قالها علي زؤبه ومن خلفه بندر, ردا عليهما السلام, واستقبلا بندر بالأحضان , ما أسعدنا بقدومك يا بندر! قالها غبش وهو يعانقه, وأردف سعيد وهو يقبض بكفه ساعد بندر : مكانك الطبيعي بيننا, اجلسوا قال لهم علي زؤبه , بعد طول وقوف, ثم تابع علي زؤبه: صهري بندر تمنيته أن يكون معنا من أول تكبيرة إحرام, فقد كنت أحس به وهو يغني بعدي وكأنه مرغما بسبب حبه لابنتي نجوى, وكنت ألاحظه في مقيلي والسمر أنه غير مرتاح وكان أحيانا يخرج من عندي, وعندما يعود أجد ثمة تراب عالقة على جبينه, وقد أصبح وجهه أكثر صفاء, حينها, لم أدر ما الصلاة؟ ولم أعهده يأكل أو يشرب في نهار شهر رمضان, فعندما زال الران من قلبي, تَكَشَّفَ لي كل هذه التصرفات, وفي أول نوم بعد أن هداني الله, رأيت بندر في منامي يمد إلي يده وهو يقول : يا عم خذ بيدي, ولهذا ذهبت من أجله فأنتم تعرفون أن زوجتي مع زوجاتكم في بيت الحاج صلاح القتادي, وبندر مستسلم, ينصت إليه, وكأنه راهب نزل للتو من صومعته.
وهم يلتفتون إلى بندر وكأنهم يحثونه على الكلام, فهمها بندر ثم نطق قائلا: لم أجد عمي صباح يوم أمس وهو في انتظارنا كعادته, لنذهب إلى السوق, لنقوم في عملنا, هو يعزف بالمزمار وأنا أغني, ونجوى ترقص, ولما لم نجده, ذهبت نجوى إلى السوق,بينما أنا عدت لأنام, رأيت عمي في المنام وهو قائم يصلي, فانتظرته حتى سلم, فأقبلت عليه ومددت له يدي قائلا له : يا عم خذ بيدي, وهنا استوقفه عمه علي زؤبه قائلا له : متى كان هذا ؟ قال له بندر : بين الساعة التاسعة والعاشرة صباحا, وهنا صاح علي زؤبه : لااااإلاااااه إلا اللاااااه, والله إنها ساعة رؤيتي به, وأجهش بالبكاء, انتظر بندر حتى هدأ عمه,,وواصل الحكاية بصوت متحشرج تأثرا بالموقف: قمت مذهولا, غير مصدق أن يعملها عمي, وقلت في نفسي يمكن أن يعملها أي شخص في الحي إلا عمي علي زؤبه.
عادت نجوى من السوق , تغدينا ثم جلسنا للمقيل كالعادة , وأنا في حالة ذهول, وما زلت على هذا الحال حتى جاءني الليلة, وقال : جئت لآخذ بيدك, لم أسأله إلى أين ؟ فمنظره وهو قائم يصلي لم يغب عن خاطري, فقال لي : خذ ملابس نظيفة, فقلت له : هذه ملابسي صليت بها عشاء هذه الليلة, فأخذني بحضنه , وهو يتمتم بكلمات لا أفهمها سوى أنها تدل على الرضا, وقد كلمني في الطريق عنكما.
قال غبش لبندر : خلال هذه المدة, منذ تركت المدرسة, وتزوجت بنجوى هل كنت تصلي ؟ قال بندر : منذ أن تعلق قلبي بنجوى أصبحت كالمسحور, لا أميز بين صلاة الظهر وصلاة العشاء, تركتها فترة طويلة, ثم عدت إليها ولكن بشكل مُتَقطِّع, فكنت عندما أحس بالضيق, هرعت إلى الصلاة فيذهب الضيق عني, لكن سرعان ما يعود إلي بسبب تفلت القرآن مني ووضع معيشتي.
وهنا وجد غبش وعجب الفرصة بأن يفاتحا علي زؤبه بحكاية القبر والصميل بهذا الجو الروحاني والليلة المقمرة التي تضفي جوا وجدانيا يسمع الأصم وينطق الأخرس, فقال عبده غبش موجها كلامه صوب علي زؤبه: نريد أن نصارحك, فقال علي زؤبه : عن حكاية الصميل والقبر ؟لفت كل إلى صاحبه وهما في غاية الاستغراب, وتساءل عبده غبش كيف عرفت ؟ قال علي زؤبه : كنت أشك في الأمر حتى تأكدت اليوم, فقال له كيف ؟ قال علي زؤبه : عندما لاحقت تلك الحمار التي كانت تأكل الزرع عصر اليوم, وكنت خلفك وقد التقطت الصميل من الأرض وضربتها, وهنا أستغرب عبده غبش ومعه سعيد عجب, بقولهما : ما علاقة ضرب الحمار بموضوعنا, قال علي زؤبه : هي نفس الضربة التي كانت على ظهري, حيث كان وضعها شمل ( مائل) , فقد كنت أحسها كأنها في ظهري. وهنا ضحكوا جميعا على هذا الربط والاستنتاج, ولكن علي زؤبه قال: كنت سأغضب أيما غضب على شيء من لعاع الدنيا, أما وهي سبب في الهداية فأنا ألومكم , وهنا بدأ القلق عليهما , وتساءلا بصوت واحد: ما سبب اللوم والنتيجة هي الهداية, قال : تأخرت كثيرا , وهنا تنفسا الصعداء, فقال سعيد : أنا قبلك بيوم , وعبده قبلي بيوم بمعنى أننا لم نتأخر عليك, عندها قال علي زؤبه : هناك مثلا دارجا يتداوله الناس يقولون فيه : "العصا خرجت من الجنة" عندما يجبرون أحدا لعمل ما كان يرفضه وهي لمصلحته, فوالله أن هذا ينطبق علي, كم هي حنونة علي تلك الصميل ! إنها أحن علي من أبي الذي لم يسألني يوما ما , لاذا لم أصلي ؟ كم يحتاج هذا الحي من عصي لتهتدي, فقالا : المهم سامحتنا ؟ قال : لن أقول لكم سوى جزاكم الله خيرا, وأثابكم على إيلام ظهر رجل عاصي بعَصِيّ, فأنا أكنِّ لكما الحب والتقديرُ, لأنكم آثرتموني دون غيري أن أكون ثالثكم.
قال سعيد : ننام الآن حتى نستعد لصلاة الفجر, ولكن على بندر أن يسمعنا ما تيسر له مما يحفظه من القرآن, فقرأ لهم سورة " القدر " قبل يناموا, ليستيقظوا قبل الفجر بساعة كعادتهم ويتجهوا إلى المسجد, فرآهم الشيخ أربعة, وهو يفرك عينيه, انتم ثلاثة أم أربعة ؟ فقالوا : ركز فبدأ يلمسهم واحدا , واحدا حتى تأكد أنهم أربعة, فقالوا : هذا بندر, فهرع إلى الحقيبة ليأتي بقميص ومئزر, لكنهم أوقفوه قائلين له : هذه المرة, صيدنا مشوي جاهز, بثيابه النظيفة, وهو يتقن الضوء والصلاة.