السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٢ صباحاً

الثورة أنثى .!

سهير السمان
السبت ، ٢٦ اكتوبر ٢٠١٩ الساعة ٠٢:٣٤ مساءً
عندما نقول: إن المرأة هي الأساس الأول للتغيير لا نكون
قد بالغنا وتحيزنا لجنس النساء دون الرجال، ولكن النساء هن الأرض التي ينمو عليها الزرع ، وكلما كانت الأرض صالحة وخصبة للزارعة أنبتت زرعاً بهيجاً غنياً بالفائدة ، ولا أعتقد أن أحداً ينكر هذه الحقيقة، التي تجعل مجتمعنا يعترف بالأنثى (كياناً.. وإنساناً) فاعلاً ومؤثراً في المجتمع ، و أنها ليست بعورة إن خرجت لتشارك في تغيير الواقع المؤلم الذي نعيشه، لأن المجتمع بدونها يظل معاقا وفاقد القدرة على الكمال .

لا يزال الكثيرون في مجتمعنا ينظر إلى المرأة نظرة دونية .. ناقصة حتى أولئكم الذين يدعون الثقافة والانفتاح، فهم لا يرون في انفتاحها سوى انفتاح جسدها، وتحللا من قيمها وأخلاقها، هذه القيم والأخلاق التي سيّجها المجتمع بجدران المنزل و حجب المرأة عن الأنظار. لتحظ لكرامتها!

فكم من امرأة تهان وتضرب وتسلب حقوقها وهي حبيسة جدرانها، و كم من امرأة لا تستطيع مواجهة الظلم الواقع عليها لأنها لا تملك من أمرها شيئاً، والكثير منهن لا يدركن ذلك ويتقبلن أدنى درجات العيش !

مفاهيم و تصورات ومسلمات خاطئة نشأ عليها المجتمع في, للتحول المرأة لكيان غريب عن الحياة، الحياة التي تدعو الإنسان بالفطرة إلى الحرية والتقدم والتطور، لتصبح الحياة للمرأة قوقعة سلحفاة تحشر داخلها و هي الفتنة ، والعورة ، فالمرأة لا يجوز لها أن ترفع صوتها لأنها ستفقد احترامها .. ويجب أنن تتشح بالسواد ولا تظهر مفاتنها، ولا تعارض أو تواجه وتناظل، المرأة تنتظر طوال سنين حياتها للرجل الذي سيأتي ويتزوجها، حتى وإن كان غير لائق بها. لا نعترض أبدا عن أخطر دور تقوم به المرأة وهو الإنجاب والتنشئة، ولكن هذا يجب بعد أن تعي و تستطيع اختيار شيك حياتها، وتمتلك أدوات التربية الصحيحة لأطفالها، وهذا هو أعظم دور للإنسان في الحياة، ولكن تقوم به وهي تمتلك حريتها وإرادتها، بجانب شريك حياتها .

سؤال مهم يجب أن نطرحه على القراء : هل يدرك الطير أنه يستطيع الطيران إن ولد في قفص وحبس طوال عمره دون أن يُفتح له الباب ليحلق في السماء ؟

و هل تكتمل شخصية الأنثى إن هي حبست في المنزل ولم تمارس حقها كإنسان في التعليم والبحث عن المعرفة ؟ حقها في أن تكتسب مقومات المعرفة السليمة التي تواجه بها الحياة ومتغيراتها؟ وأنى لها أن تنشئ جيلاً سوياً، قوي الشخصية، وهي مسلوبة الشخصية، والإرادة سلفا ؟

كيف تسترد المرأة كرامتها في البيت وفي الشارع وفي العمل ومن ينتج هذا الوعي المجافي للطبيعة يزداد عمقا وتجذرا في العقول.

ألا ينظر إليها بعين الشك والريبة ، والأنانية ، وتصب عليها اللعنات كلما حاولت أن تثبت وجودها؟ فكيف تستطيع أن تتعامل مع الرجل في مجالات الحياة ، وكيف تستطيع التمييز بين الصالح والفاسد في حياتها ؟ أو حتى أن تختار شريك حياتها دون خوف وقلق ، وهي مسلوبة الإرادة ؟ وكيف تنهض بالأسرة والمجتمع وهي ترى في نفسها النقصان؟.

وأورد في مقالي هذا كلاماً كنت قرأته في أحد الكتب: (( هل صحيح أن الغيرة على الفضيلة والتقاليد هي من تحفزنا إلى مقاومة التطور والكيد للمرأة ؟ إن يكن كذلك ، فما أحوجنا إذا إلى تحديد معنى الفضيلة والرذيلة، ومعرفة مدى ما يجب على الأمم أن تقدمه للتقاليد من طاعة وولاء .

إن الفضائل الاجتماعية والقيم العليا التي تنظم حياة المجتمع وتناط بها وجهته ، ليست التي يرتضيها فرد ، أو جماعة ، وتلائم تفكيرهم وإحساسهم ، بل هي التي تنسجم مع القاعدة ، وتسمو عن الشذوذ ، والقاعدة هنا هي التطور، والشذوذ هي الرجعية والانتكاس . وكل زحف إلى الوراء هو الرذيلة بعينها ، مهما يتسم بحسن نية ، وليس هناك إثم أشد ولاخطيئة أفحش من مقاومة التطور. وإخضاع مستقبل الأمم لجهلها . ذلك أن التطور إرادة الله ، وروح منه ، والإسلام كما يفهم لا يناوىءالتطورأو يخاصمه . وما نسخ القرآن بعضه بعضا ، وتبدلت آياته وأحكامه، إلا لفتة وعلوية تكشف عن جلال هذا التطور ، وضرورته للناس وللحياة .

وأما التقاليد فليست سوى مظهر اجتماعي للأمة، وليست قواعد ومبادئ خالدة أبدية تخضع لها ، وتصدر عنها في كافة عصورها وأجيالها . إذن فليست للتقاليد ذاتية أبدية ، تستحق الولاء والتقديس ، ونحن الذين نخلقها ، ونصنعها ، فلا يليق بنا أن نعبدها كما تعبد الأصنام. )) إن التفكير الرجعي هو من يحول أمام مطالبة النساء بحقوقهن ، الاجتماعية والسياسية، تفكير ملتبس بالدين وبالتقاليد . إن ممارسة المرأة لحقوقها لن تزيدها إلا عزة وكرامة ، و العفة لا يجرحها إلا التكبيل والحرمان ، وهل الفضيلة تصونها كهوف أو جدران ؟ أم هي جدران النفس الباطنة ؟ والمناعة الذاتية الحرة التي تنشئها الثقافة والتجربة واحترام الذات ؟

نحن نعلم أن الوقاية من الأمراض تأتي بالتحصين بلقاح من بكتيريا نفس المرض ، كذلك هي حياتنا ككل للرجل والمرأة على السواء ، لن نمتلك القدرة على مواجهة الحياة إلا باقتحامها ، أو التمييز بين الخطأ والصواب إلا إذا جربنا ، ولا يضيء القمر إلا بحلكة الليل .

اشتعلت الثورة ، وثارت المرأة مع الرجل ، لم يمنعها حجابها من انطلاق صوتها ، صادحة بالحق ومطالبة باسترداده . ولكنها ثورة للأسف مغلفة ومؤدلجة ومحددة بكل تلك العقلية المنتجة للقهر والظلم والفساد. المرأة التي كانت في الساحات هي المرأة المسخ التي حولها المجتمع إلى راعية لكل أدوات القهر المتسلسل في المجتمع. ولم تكن هناك إلا قلة قليلة من النساء اللائي مثلن صوت الحرية الذي تخلص من هذه الأدوات، هذه القلة لم تصمد بسبب ما مورس ضدها من ثورة مضادة قتلت أملهن في التغيير.

ما ننتظره ليس إلا ثورة العقل، الذي يجب أن يكون أولا لتحرير عقل المرأة. من نفسها أولا، ومن كل ما يعلق بها من فكر ظلامي. لنستطيع أن نطالبها بالشراكة السياسية والتغيير القادم.