الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٣٠ مساءً

الحاجة الوطنية بدلا من الحاجة الطائفية

محمد عبد الوهاب الشيباني
الاثنين ، ٢٨ اكتوبر ٢٠١٩ الساعة ٠٨:٢٠ مساءً
من المبكِّر جدا الحكم على نجاح الانتفاضتين الشعبيتين في العراق ولبنان، وتحولهما، في المدى المنظور، إلى ثورة قادرة على احداث تحول ناجع في المعادلة السياسية والأمنية، وفي مقدمتها اجتثاث الطبقة السياسية الحاكمة وادواتها في البلدين المنهكين، الذين صيرتهما الاستقطابات الاقليمية كيانين طائفيين مرتهنين، لكن ما يمكن القول عن هاتين الانتفاضتين قدرتهما على التأسيس لوعي سياسي مختلف يتبلور وينضج خارج المحاصصات والتوازنات، التي تعززت وتقوت بفعل الاصطراع الاقليمي الطويل في المنطقة.



الشارع بتركيبته الدينية والطبقية الذي انتفض ضد النخب الفاسدة المستبدة تخلى عن محفزاته وتحيزاته الطائفية لصالح حاجاته الاقتصادية، وتعايش مكوناته الوطنية كنسيج واحد، غير مبال بالتهديدات الخطابية، التي قد تتحول إلى مسلك دموي في لبنان برعاية سلاح حزب الله وتغوله، ولا بقناصات الحرس الثوري وسكاكين الحشد الشعبي، التي اوغلت في دم العراقيين، ودفعت فيه مدن الشيعة الفقيرة في جنوبه اكلافا مرتفعة من ارواح ضحاياها الشبان، في اعمال قنص وذبح تورطت فيها الاجهزة الامنية التي تتحكم بها الميليشيات الموالية لطهران.

الخطاب الايديولوجي البائس والمتعصب في تفسيره لهذه الانتفاضات، عند حزب الله ومكونات الحشد الشعبي، ويسار الممانعة البوتيني اختزلها بالمؤامرة التي تحاك ضد المقاومة ومحورها، والمتوجب التصدي لها بكل الوسائل (الخشنة والناعمة)، حسب تقولات زعمائه المنفلتة والتي تتعالى، مثل كل مرة، على حاجات المجتمع ورغبته في التغيير على اساس وطني.

البلدان الواقعان في مهب الجنون الطائفي عانيا طويلا من فساد واستبداد النخب السياسية، التي صارت تعمل كوكلاء للقوى الاقليمية المتنافسة، والاكثر تعيينا فيهما الان طهران ومشروعها الاستراتيجي الذاهب إلى بناء امبراطورية فارس التاريخية بنزوعها القومي في المنطقة، على حساب مقدرات الشعوب المقهورة وتجريف احلامها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتركيبيتها الدينية الحساسة.

قد تهمد وتخمد هذه الانتفاضات بالعنف وقد تُحتوى برشى معنوية ومادية، لكن لحين، لان الوعي الذي انتجها، من منطلقات الحاجة، سيراكم كثيرا على بذراته البسيطة في طين كان ميؤوس من خصوبته، بعد ان سكب المستبدون الطائفيون في اتلامه ولعقود سمومهم القاتلة، وكان الاذعان اكثرها فتكاً.