الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١١ صباحاً

التغريبة اليمنية!

محمد علي محروس
الثلاثاء ، ٠٤ فبراير ٢٠٢٠ الساعة ١٠:٠٩ مساءً
ست سنوات كاملة، لم أزر خلالها قريتي، ولا أستطيع العودة إليها إطلاقًا؛ لأن لي رأيًا لا يتوافق البتة مع الحوثيين، ولمواقف تتعلق برفض عبثهم الدائر في البلاد، وعلى ذلك يترتب الكثير بالنسبة لي، شأني شأن عشرات الآلاف من الذين هُجّروا قسرًا، أو غادروا خلسةً، أو فروا من جحيم التعذيب والتنكيل، وذلك يشمل كل مناطق سيطرة المليشيا الحوثية التي قدّمت نفسها بديلًا طارئًا للمسار السياسي، وأضافت على ذلك صبغة القوة والعنفوان للتعبير عن رأيها الأهوج، ثم سرعان ما تحوّل الأمر إلى فرض إرادة تتنافى مع المبادئ والثوابت اليمنية، وتتعارض مع القيم والأعراف الاجتماعية الخالدة، وهذا ما زلنا نواجهه إلى اليوم.

لم يهنأ اليمنيون بسلام تام طوال عقود الجمهورية، في الشمال والجنوب، الخروج عن إطار الإجماع الوطني صفة لازمتهم، وعبّروا عن ذلك بحروب يمكن وصفها بالغامضة والمثيرة للجدل وذلك بالعودة إلى أسبابها الهزلية والجدلية في آن واحد.

التعبير عن حالة التيه التي اصطنعها الحوثيون من أجل تأسيس جهوية تخصهم، يبعث الدهشة والحسرة بسبب ما يرتكبونه، فالمحتلون الإسرائيليون يقومون بذلك في حق الفلسطينيين لأسباب تتعلق بالتباين الديني ومُسلّمة الدولة البديلة، والأرض الموعودة، وهيكل سليمان، ولا يبرر ذلك لهم أنهم أصحاب حق.. لكن ماذا عن الحوثيين؟

ديننا واحد، ولغتنا واحدة، وبلادنا واحدة، وهويتنا الثقافية واحدة، ونملك من القواسم المشتركة ما نبني عليها ألفة ومحبة لا يستطيع أي دخيل ومحتل أن يفرق بيننا أو يشتتنا، ولكن حالة الجشع والطمع، والارتهان لمشاريع زائغة أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم، بفعل خروجهم عن المشروع الوطني الجامع، فأصبحوا منبوذين لا صفة لهم سوى أنهم جماعة انقلابية وعصابة مليشاوية، لا تتقن غير القتل والتدمير والتهجير.

كلّما أشاهد صورًا لمخيم للنازحين سواء في تعز أو الحديدة أو الضالع وغيرها من المحافظات التي تدور فيها الحرب، يزداد يقيني أننا أمام مرحلة مفصلية، يراد فيها العبث بالكيان اليمني الذي لا يعرف الهزيمة، فالحوثيون ينفذون أجندة لا تستقيم مع العرف المجتمعي ولا تتلاءم مع الفطرة السليمة وليس لها أي قبول، لذا يعملون على افتعال أزمات اجتماعية تعمل على تفكيك الروابط المجتمعية وتشتيت الأسر وصناعة فجوات نحن في غنى عنها، وذلك برأيي لا يعدو عن كونه استنساخًا لمشاهد سلالية وعنصرية تقزيمية كتلك التي ترتكبها إيران ومليشياتها المسلحة في سوريا والعراق، وإن كان الحوثيون يقومون بذلك على استحياء، إلا إنه لا يخرج عن دائرة التغيير الديموغرافي الذي سيدفع الجميع ثمنه إن لم تكن هناك تحركات فاعلة لإخماد جذوة الحرب والسيطرة على بؤر الصراع، وأول الدافعين جيراننا ومحيطنا المتخم بالمال، وهم هدف لا بد منه بالنسبة لإيران ومليشياتها في المنطقة.

لا توجد مسيرة قرآنية تعبّد طرقها بالنار والحديد، وتدعو الناس إليها بسفك الدماء وتفجير دور القرآن والحديث، وتعمد إلى أساليب نازية لإرغام الناس على الإيمان بها والصراخ بكلمات لا صلة لها بالواقع، وبينهما بون كبير!

ولا نستثني ما افتعلته المليشيا فيما يخص قرار منع تداول الطبعة الجديدة من العملة، فهذا قرار تعسفي يصنع المعاناة، ويقطع حبل الوصال بين اليمنيين، وإن كان ظاهر الأمر ابتزاز وارتزاق، لكني أرى فيه خبثًا ونيةً بيتها معية مستشاريه الإيرانيين للنيل من اليمنيين الذين جابهوا كل أساليبه وأطاحوا بوحدتهم وتماسكهم بالكثير من إجراءاته الإجرامية وضربوا بالأخرى عرض الحائط، ولن يستسلموا.

إن أساليب جماعة الحوثي الإجرامية القائمة على التشتيت والتشريد في حق اليمنيين تفوق حالة التغريب التي تعرض لها الفلسطينيون من الاحتلال الإسرائيلي، وذلك صنع لنا تغريبة تخصنا، فمنا من لاذ بمحافظات مجاورة، وآخرون فروا إلى دول أخرى رغم ما يعانوه، وهناك من انتقل إلى الآخرة وهو في طريق الهروب من مستنقع الفوضى والشتات!