الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٩ مساءً

البردوني يرسم خارطة المعركة

فؤاد العلوي
الاربعاء ، ٠٥ فبراير ٢٠٢٠ الساعة ٠٨:١٧ صباحاً
يرسم الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني في قصيدته "عودة القائد" المنشورة في ديوانه "أرض بلقيس" خارطة واضحة للمعركة اليمنية، وكيف أن مأرب ستصنع النصر القادم، متطرقاً إلى الأحداث التي جرت في جنوب اليمن وكيف أصبحت شماعة للثأر من مأرب حنيناً لصراعهم القديم.
مطلع القصيدة الطويلة تشرح كيف سيستقبل الشعب اليمني الفاتح القادم من مأرب لتحريرها من الغاصب المستهتر (الحوثي) ، وتصف هذا القائد بأنه ولي عهد حمير وسبأ، وأن هذا القائد هو من أبناء الصحراء في مأرب (إبن بجدتها كما ذكر الشاعر).
في الثمانية الأبيات الأولى يحاول الشاعر الحديث عن مدى الحنين الشعبي لهذا القائد والترحيب ومدى تطلع الشعب لإنقاذهم من الأوضاع التي يعيشونها، ويبدو هنا أنه يشير إلى الأحداث الكبيرة التي شهدتها اليمن في ثورة فبراير 2011 .. يقول البردوني في مطلع القصيدة:
لمن الجموع تموج موج الأبحر
وتضجّ بين مهلّل و مكبّر

لمن الهتاف يشقّ أجواز الفضا
و يهزّ أعطاف النهار المسفر

ولمن تجاوبت المدافع وانبرت
صيحاتها كضجيج يوم المحشر


بعد عدة أبيات من الترحيب الذي يسبق قدوم القائد الجديد ،ينتقل البردوني للإجابة على التساؤلات التي طرحها في مطلع القصيدة مؤكدا أن ذلك الترحيب هو:
لوليّ "عهد الملك" بنّاء الحمى
حلم البطولة و الطموح العبقري

أهلا " وليّ العهد " فانزل مثلما
نزل الشعاع مباسم الزهر الطريّ

أشرقت في مقل الجزيرة كالضّحا
كالصبح كالسحر النديّ المقمر

لمّا طلعت أفاقت " الخضرا على
فجر بأنفاس الخلود معطّر

يا من تشخّصت المنى في شخصه
وأهلّ فجر عدالة و تحرّر

حقّق طموح الشعب و اجعل حلمه
فوق الحقيقة فوق كلّ تصوّر

يستدعي الشاعر البردوني بعد ذلك تاريخ مأرب من خلال دعوة حمير وبلقيس بالعودة مجدداً للحياة للإطلاع على ماصنعه ولي عهدها في مأرب بالقول:
وافيت فانتفضت أماني أمّة
شمّا وشقّ البعث مرقد "حمير"

ويكاد " ذويزن " يبعثر قبره
ويطلّ حمير من وراء الأعصر

بلقيس يا أمّ الحضارة أشرقي
من شرفة الأمس البعيد وكبّري

واستعرضي زمر الأشعّة واسبحي
فيها بناظرك الكحيل الأحور

مولاتي الحسنا أطلّي وانظري
من زهوة الأجيال ما لم تنظري

وتغطرسي ملء الفتون و عنوني
فمك الجميل ببسمة المستفسر

ها نحن نبني فوق هامة مأرب
وطنا ونبني ألف صرح مرمري

ونشيد في وطن العروبة وحدة
فوق الثريا خلف أفق " المشتري"

يستمر الشاعر في الحديث عما تحققه مأرب على مستوى اليمن والوطن العربي، ليعود بعد بذلك إلى الحديث عن القائد الجديد بالقول:
لولاك يا بطل الخلافة ما احتوى
صنعا وجلّق (1) حضن أم الأزهر

صافحت مصر فزدت في بنيانها
"هرما" إلى الهرم الأشم الأكبر

الشاعر البردوني بعد ذلك ينتقل إلى الأحداث في الجنوب وكيف أن من يتزعم الأحداث فيها ينظر لمأرب كخصم يستدعي الثأر منه قائلا:
أرض الجنوب – و أنت نخزة ثأرها–
ظمأ تحنّ إلى الصراع الأحمر

وبعد الجنوب ينتقل البردوني إلى الأوضاع في أرضه صنعاء وأرض أبيه وجده ذمار، وكيف تعيش أوضاعاً غاية في القهر جراء الغاصب المستهتر بالقول:
أرضي و دار أبي وجدّي لم تزل
في قبضة المتوحّش المتنمّر

تطوي على حلم الجهاد عيونها
وتئنّ تحت الغاصب المستهتر

لا حرمة الإنسان تزجره ولا
شرف و لا نهى المتحضّر

متجبّر وأصمّ لم يسمع سوى
رهج الحديد المارد المتجبّر

ينتهي الشاعر من الحديث عن وضع الشمال والجنوب، وبعد ذلك يطلب من القائد المأربي أن يزحف باتجاه صنعاء لتلبية نداء المظلومين، ويشير بعدها إلى القصة التي سيصنعها هذا القائد مع عامته الفتية قائلاً:
فازحف إليه يابن بجدتها (2) على
لجج السلاح الفاتح المتهوّر

يا خير من لبّى و من نودي و من
يغشى الوغى كالهول كاللّيث الجري

هذي وعامتك الفتيّة قصّة
بفم الفتوح و في شفاه الأدهر

ويختتم الشاعر البردوني قصيدته بهذه الأبيات التي تؤكد أن هذا الحلم الذي ترنو إليه الأنظار سيتحقق لكن بعد ولادة متعسرة في عصر متقلب ومتبلور:
يا بدر هذا الشعب أنت زعيمه
وهواك سحر غرامه المتعسّر

حملتك روح الشعب إيمانا فلم
تخفق بحبّ سواك بل لم تشعر

فاسلم لتاريخ الزعامة آية
بيضا كبهجة عصرك المتبلور
________
(1) جلق: دمشق
(2) بجدتها: البجدة هي الصحراء