الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٣٩ مساءً

إسرائيل تُحاصر صنعاء!!

بلال الطيب
الاثنين ، ١٠ فبراير ٢٠٢٠ الساعة ١١:٥٣ مساءً
يؤكد البعض أنَّ استعدادات الإماميين لحصار صنعاء بدأت قبل «نوفمبر 1967م» بعدة أشهر، وتحديدًا حين اكتفى المصريون بحماية مثلث «صنعاء - تعز - الحديدة»، بخطة عسكرية أخذت اسم «النفس الطويل»، صحيح أنَّ القوات المصرية بدأت حينها بالاعتماد على بعض الوحدات العسكرية اليمنية، إلا أنَّها - أي الخطة - أعطت بيت «حميد الدين» ومُرتزقتهم فرصة كبيرة لتركيز وتكثيف أنشطتهم بين صفوف القبائل.

كان الأمير محمد بن الحسين المُحرك الفعلي لحصار صنعاء، فيما توارى - لبعض الوقت - الإمام محمد البدر، عقد الإماميون مُؤتمر «الخزائن»، ثم نقضوا اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعت في «5 أغسطس 1967»، وجددت في «13 نوفمبر» من ذات العام، وبدأت جحافلهم المُتوحشة قفزاتها من أقصى الشمال، وبالمال والسلاح والترغيب والتخويف استطاعوا الدخول إلى مناطق عديدة، في البدء سقطت صعدة، وحوصرت حجة، ورويدًا رويدًا بدأ الخطر يقترب من صنعاء.

في كتابه «اليمن الثورة والحرب»، قال إدجار أوبلانس أنَّ الإمام محمد البدر كان راغبًا في السلام، والتصالح مع الجمهوريين، وأنَّه عاد من جدة إلى شمال اليمن لذات الغرض، ولثني القوات الإمامية عن الهجوم على صنعاء، إلا أنَّ نائبه محمد بن الحسين وعدد من القادة الميدانيين لم يتجابوا معه؛ الأمر الذي أجبره على العودة مرة أخرى - مُحبطًا، ومنزعجًا - إلى مقر إقامته في السعودية، وأضاف أوبلانس: «وقد كانت العديد من القبائل الزيدية الجبلية تنظر إلى الحرب كمصدر هام للحصول على الأسلحة والأموال؛ ولهذا فإنَّها لم تكن ترغب في أن تضع الحرب أوزارها، ولا في أن يعود الإمام المخلوع بسلطاته الكاملة ليكبح من أساليبهم هذه».

تم حشد حوالي «70,000» من رجال القبائل، و«10,000» جندي نظامي، إلى جانب قوات عسكرية تجمعت من «إسرائيل، وبلجيكا، وفرنسا، وأمريكا، وإيران، وجنوب أفريقيا»، وحوالي «300» ضابط من المُرتزقة الأجانب، فيما تكفلت السعودية بدفع «300» مليون دولار، ومن بيروت صرح ناطق جمهوري بأنَّ المملكة مُستمرة بدعمها للملكيين، على الرغم من انسحاب القوات المصرية بحسب اتفاقيتي جدة والخرطوم، كما قامت بريطانيا بتسليح حوالي «20,000» من أبناء القبائل، وأذاع راديو لندن - حينها - أنَّ الإماميين زودوا بأكبر صفقة سلاح قُدرت قيمتها بـ «400» مليون جنيه استرليني، بالإضافة إلى المئات من سيارات «الوانيتات» السريعة.

تكفل بوضع خطة الهجوم الإمامي التي أسميت بـ «الجنادل» - أي السيل المُتدفق - عدد من كبار القادة العسكريين الأجانب، وكان يُطلق عليهم «المُغامرون في حرب اليمن»، وعلى رأسهم مستشار البدر الجنرال اليهودي الأمريكي بروس كندي، أطلق الملكيون عليه اسم عبدالله، وأعطوه رتبة لواء، وكان معه في تلك المهمة الخبير البريطاني ديفيد سمايلي، والميجر بنكلي، وبيلي ماكلين، والفرنسي بوب دينار - صاحب شعار: «وكانت هنا جمهورية»

ولبوب دينار تصريح صحفي أعترف فيه أنَّ إسرائيل دعمت القوات الملكية بأسلحة نوعية، أنزلت لهم عبر المظلات، صحيفة «سلاح الجو الإسرائيلي» أكدت ذلك - أيضاً - نقلاً عن طيارين إسرائيليين شاركوا في تلك العملية التي أعطيت اسم «صلصة»، ونشرت وثائق سرية عنها، وصورًا لبعض الطيارين الإسرائيليين، وبعض من أسمتهم موالين للبدر، وبحوزتهم ذاك السلاح.

الدعم الإسرائيلي للملكيين يعود في الأصل إلى ما قبل حصار صنعاء، وهي حقيقة أكدها محمد حسنين هيكل في كتابه «سنوات الغليان»، حيث قال أنَّ الدولة العبرية شاركت فعلياً في حرب اليمن، وتولت إسقاط أسلحة وذخائر لجيوب الملكيين المحاصرين في الجبال، بعملية عسكرية أخذت اسم «مانغو»، وأنَّها - أي إسرائيل - كانت تمارس ذلك النشاط من قاعدة جيبوتي الواقعة حينها تحت الاحتلال الفرنسي.

كانت السعودية على علم بذلك التدخل مُنذ لحظاته الأولى، وهي حقيقة أكدها اللواء عبد الله علي الحيمي في كتابه «ثورة في جزيرة العرب»، وفيه تحدث عن لقاء حدث بين عدنان خاشقجي، وشمعون بيريس - مساعد وزير الدفاع الاسرائيلي - في باريس «1963م»، وأنَّ الأخير أكد للموفد السعودي أنَّ الدولة العبرية شاركت فعلياً في حرب اليمن، وتولت اسقاط اسلحة وذخائر لجيوب الملكيين، وقامت بإنزال مظلي لحوالي «400» إسرائيلي من أصل يمني، وأنَّ مهمة هؤلاء تمثلت في القيام ببعض العمليات الخاصة في المجهود الحربي، ومن ثم التسلل والذوبان وسط الجماهير.

بعد «70» يومًا من الصمود الأسطوري، فك الجمهوريون الحصار عن عاصمتهم «8 فبراير 1968م»، وفي الجانب الآخر عاد الإمام محمد البدر وبضغط سعودي لتصدر المشهد، وكانت مدينة حجة المُحاصرة وجهته، استقر في «المحابشة» مُدة، وإليه توافد أنصار الإمامة المُتحمسين، وتحدث الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مُذكراته عن مُراسلات حدثت بينه والإمام العائد، وأنَّ الأخير طلب منه رسالة من الرئيس عبدالرحمن الإرياني، والتزامًا وعهدًا بأنْ لا يخدعوه، وأن يرسلوا له طائرة تقله من عبس إلى خارج اليمن، وبصورة سريعة؛ لأن الناس يدفعونه دفعًا نحو حجة، وحين تأخر الرد توجه لمحاصرة الأخيرة، وحين فشل عاد أدراجه إلى السعودية خائبًا كعادته.

مع نهاية العام «1968م» تخلى المُرتزقة الأجانب عن المُعسكر الإمامي، وماهي إلا شهور قليلة حتى تصادم الأمير محمد بن الحسين مع الإمام محمد البدر، وأعلن الأخير تخليه عن القضية الإمامية، فانتهت بذلك سلطته الشرعية، وسلطة عمه الحسن الاسمية، فتم تشكيل مجلس إمامة برئاسة الأمير محمد بن الحسين، وعضوية الأمير علي بن إبراهيم، وأحمد الشامي، وآخرين، وتشكيل الوزارة برئاسة الأمير عبدالله بن الحسن - كرئيس بالوكالة.

بعد ذلك بأربعة أشهر، وتحديدًا في «يوليو 1969م»، تم في مدينة صعدة اغتيال الأمير عبد الله بن الحسن، وهو في طريقه لصلاة الجمعة، استعان أمراء «بيت حميد الدين» بما تبقى لهم من أنصار، هجموا على قبيلة «سحار» المتهمة بقتل ذلك الأمير، استبيحت المنطقة، وهدمت منازلها، نزح سكانها، لتأتي بعد ذلك معركة «وادي نشور»، حيث استطاعت قوات قبلية كبيرة بقيادة الشيخ مجاهد أبو شوارب أن تطرد القوات الإمامية إلى خارج الحدود، إلا أنَّهم - أي الإماميون - عاودوا السيطرة على صعدة بعد شهور قليلة، ولم تعد الأخيرة لأحضان الجمهورية إلا بعد المصالحة الوطنية «مارس 1970م».