الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤٩ مساءً

الثورة الدائمة

عيدروس النقيب
الثلاثاء ، ٢٠ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٤٢ مساءً
لو كانت الثورات العربية «ثورات ملوّنة» موحى بها من الغرب لكانت الأفعى غيّرت جلدها واستقرت الأمور أسرع ممّا نتوقع. لا يخفى أن الغرب ساهم بشكل أو بآخر في انهيار الأنظمة العربية من خلال تشكيكه بشرعيتها واستخدام تلك الأنظمة على النحو الذي جعلها عارية أمام التحديات التي فرضها على المنطقة. لكن الشعوب التي خرجت مطالبة بإسقاط تلك الأنظمة كانت لها أسبابها المختلفة ومعظم هذا الجمهور لم يكن تحت قيادة أي طرف سياسي منظم أو تيار ولا يزال هو الذي يدفع حركة التغيير إلى آفاق أبعد من إزاحة رأس النظام للاحتفاظ بمؤسساته وتجديد آليات عمله وحماية قواه.

واضح حتى الآن أن الغرب حاول تجديد الأنظمة على ثنائية الجيش والإسلاميين. استجاب هذان الطرفان لهذه الغاية وضبطا حراكهما على إيقاع التوجيهات الغربية. لكن النتائج ليست في يد هذه القوى الدولية وحليفها الرسمي العربي الخليجي الذي يحاول الانضمام إلى قيادة النظام العربي الجديد بتمويل الخطة الغربية وإضفاء الشرعية العربية عليها. صعود الإسلاميين إلى واجهة الثورات حيث هم أقوياء أو غير
أقوياء لم يحسم الوجهة التي ترسم صورة العالم العربي الجديد.

كان الإسلاميون الأكثر تنظيماً وإمكانات لإدارة مشروعهم السياسي والأكثر حضوراً مع القوى الخارجية، لكنهم خلافاً لكل مبالغة ليسوا وحدهم الذين يمسكون بالحراك أو يسيطرون عليه، لا حين كانت الأمور في الشارع ولا حين وصلت إلى الانتخابات. يتأكد كل يوم في تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا أن جمهور الثورات أكبر بكثير من حجم الحركات الإسلامية، وأن هذا الجمهور تعرّض ويتعرّض إلى سياسة الاحتواء والالتفاف والمصادرة لأنه الطرف الأكثر عرضة للكبت والتهميش.

إذا كان من دلالة مهمة لحركة الشباب المصري اليوم فهي ردم الفجوة بين القوى الشعبية المكوّنة والمحرّكة الأساسية للثورة وبين تمثيلها السياسي. وعلى المنوال نفسه يظهر الشارع اليمني متجاوزاً صفقة «التسوية» الملغومة أصلاً التي جرى توقيتها من مرجعية دول الخليج لحاجات سياسية إقليمية. يتجاوز الشارع اليمني سقف الاحتواء الخليجي ومحاولات ترميم النظام. في تونس خاض الشعب جولات عدة لتوسيع آفاق التغيير على يسار حركة الإسلاميين. وفي مصر يخوض الشعب جولات جديدة ليمنع سرقة الثورة واحتواءها فيهدّف على المنظومة الأمنية (المجلس العسكري ووزارة الداخلية) وعلى النظام الانتخابي وتوقيت إجراء الانتخابات لإعادة إنتاج سلطة تحقق الهدف الغربي، بحيث يتجدد النظام الأمني كحارس للمصالح الاقتصادية والسياسية ويتحول الإسلاميون إلى أداة شرعية شعبية تستخدم في البرلمانات العاجزة عن إقامة ديموقراطية فعلية وعن تغيير التوجهات الاجتماعية والسياسية للنظام.

أما الاستعصاء السوري فقد صدم التحالف الخارجي لأن المكوّن الإسلامي السياسي الشعبي هو الأضعف ولأن المؤسسة العسكرية لم تطوّع كالدول الأخرى في ظروف المواجهة السورية مع التحديات الإقليمية واستمرارها في أخذ الدعم من حلف إقليمي مستنفر على كل الحدود. فحين خرج الإسلاميون في سوريا كانوا مجموعات سلفية قتالية نمت في قاع المجتمع السوري وتناقضاته ولم تمتلك شرعية سياسية شعبية ولم تكن لها قيادات تطل على المدى الوطني. وفي سوريا اصطدم التدخل الخارجي بتدخل خارجي مقابل لكن الأهم أن واجهة الغرب التي جرى تنظيمها في العواصم الخارجية ليست الجهة المقرّرة على أرض الواقع ولا هي قادرة على ضمان مصالح الدول التي تضغط على النظام ولا تؤمّن حصص الدول المعنية في سلطة جديدة قد تنشأ، فانكفأت خطة التدخل العسكري المباشر وارتبكت كل سياسات الدول الغربية والعربية.

لم تخرج المعارضة الشعبية من الميدان السوري برغم قمعها العنيف، لكن المخاض السوري أخذ وجهة مختلفة بين مكوّنات المجتمع المتنوعة وصار التغيير هنا محكوما بشكل «حرب أهلية» لا مصلحة فيها لجميع أطراف الصراع.

لذلك استنفر القطب العربي الذي يغطي التدخل الخارجي ويستهدف النظام في سوريا لطبيعته الداخلية ودوره الإقليمي بالمبادرة العربية التي تعوّض ضعف المعارضة السياسي وتعثر خطة التدخل الخارجي. فلم تكن المبادرة تبحث عن حل سياسي ولا هي التي رعت أصلاً فكرة المصالحة أو الحوار أو الحل العربي، بل كانت استجابة لطلب غربي فقامت عناصرها على استفزاز النظام تمهيداً لنفض اليد منه وتسهيل الإجراءات الأخرى العقابية. وفي سباق مع الزمن لدى جميع الأطراف قبل خروج القوات الأميركية من العراق هناك جهد يبذل لإنهاك الوضع السوري فلا يستطيع أن يكون عنصراً في جبهة النفوذ الإيراني حتى حدود البحر المتوسط.