الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:١٤ مساءً

وهم الحل الأممي !

محمد علي محروس
الثلاثاء ، ١٠ مارس ٢٠٢٠ الساعة ٠٩:٠٦ مساءً

منذ أول يوم من تعيينه والرجل يقود محاولات بائسة لما يُطلقُ عليها بصناعة سلام في اليمن، فالحوثيون يتعاملون معه كأرجوحة يتلاعبون بها عبر مواقفهم المجانبة لتصريحاتهم، وهو لا يألوا جهدًا في أن يزور صنعاء شهريًا، والاستمتاع برؤية عبدالملك الحوثي والاستماع لخطاباته وجهًا لوجه، هذا ما استطاع مبعوث الأمم المتحدة لإحلال السلام في اليمن فعله حتى الآن، وإن كان بريطاني الجنسية!

تمامًا كما تفعل به الدول المسيطرة على القرار اليمني، كالسعودية والإمارات، فبيدهما موافقة الانخراط في مباحثات سلام من عدمها، إذ يدرك القاصي والداني أن الحكومة اليمنية مجرد كومبارس ينفذ ما تطلبه منه الدولتان دون نقاش، وهو حال نعايشه، وندرك تفاصيله كلنا، بما في ذلك الأطفال في مهدهم!

لذا يبحث جريفيث عن حلول عملية، شاء أم أبى، فهو يتطلع لإنجاز يُحسب له، على الأقل يتجاوز سابقيه العربيين بن عمر وولد الشيخ، وبعدها سيعلن الاستسلام كما فعلا، وقد بات ذلك وشيكًا برأيي، فالتخدير اللفظي الذي يُسكّن به الرجل القيادات الشرعية، وبفضل الإملاءات الإقليمية المتقلبة فقد عاد إلى الميدان، من خلال زيارته الأخيرة إلى مأرب، وهو اعتراف ضمني ألا سلام إلا مع من هم في الميدان، من يعيشون تفاصيل الأحداث، من قدموا وبذلوا وواجهوا كل المتاعب والصعوبات، فمنهم يأتي القرار بالسلام أو دونه، ولكنه كعادته له أهداف أخرى غير التي يعلنها!

خانه التعبير –لنقل هذا- حين قال بأنه جاء إلى مأرب لضمان سلامتها؛ حتى لا تواجه مصير الجوف ومحافظات أخرى، سيطر عليها الحوثيون بحبكات عجيبة وبأساليب قدرية مثيرة لتساؤلات مفزعة، في حالة يمكن توصيفها أن البريطاني جريفيث نسي كونه وسيطًا للسلام بين كل الأطراف، وليس شيخ قبيلة جاء للوساطة واستخدام أساليب بدائية للحل، فبدلًا من ردع المعتدي وإجباره على التوقف، بدأ بمطالبة المدافع عن نفسه وأهله وأرضه ليوقفه عن الخوض في غمار معركة فُرضت عليه ولم يكن يتمنى لها أن تأخذ من عمره وجهده كل هذا العناء.

هناك أوراق مبعثرة كثيرة، يأخذ جريفيث بإحداهن مع كل مرة يحاول فيها الولوج في مهمة إقناع الطرفين بمباحثات سلام تحفظ ماء وجهه، ولكنه يعود بكومة أوراق إلى جانب الأوليات، فالسعودية وحدها من بيدها مفاتيح الحل في اليمن، تليها إيران بدرجة أقل، إذ لا سلام لليمنيين دون انصياع هاتين الدولتين، وقبولهما بمستجدات الوضع، وتسليمهما بضرورة وضع حد لمعاناة ملايين اليمنيين، الذين عانوا أسوأ الظروف وما يزالون بفعل حرب مفروضة، لا اختاروها، ولا يُبنى عليها من مستقبلهم شيء، غير أصناف العناء والألم.

إيران والسعودية من بيدهما القرار النهائي للحل، سواء بالانخراط في مباحثات حقيقية وبنّاءة، ومنها إلى تفاهمات نهائية، وخارطة طريق تنفيذية من الطرفين، أو بتوجيه أتباعهما في الطرفين بالتوقف عن التصعيد فورًا، والتعامل مع اقتراحات الحل الأممية والإقليمية، والتعاطي معها بشكل إيجابي، ولكنهما حتى اللحظة بعيدان عن هذا الأمر، كون اليمن ساحة صراع لتصفية حسابات بين الدولتين، بعيدًا عن أمنهما القومي، وعن أي خطر يعرض شعبهما للمعاناة، وهذا قرار اتخذتاه دونًا عن بقية القرارات، لتعميق جرح اليمني، ولإيقافه عن أي طموح مستقبلي.

وما بين متاهة الدولتين يستمتع جريفيث بسفرياته السياحية واعتماداته المالية، إذ سيعلن استقالته فورًا حين يصل لمرحلة الاستكفاء، ولا يعني ذلك له شيئًا، فقد حاول وحاول، وحين وصل إلى طريق مسدود استقال، وحافظ على ماء وجهه، هذا ما سيقوله!

أما نحن فنشهد تغييرًا جذريًا للخارطة اليمنية، بفعل تنسيق غير معلن بين الدولتين المتصارعتين، يدفع ثمنه اليمني المدافع عن جمهوريته، الذي عليه إدراك أن من وقف في جه الجمهورية في الأمس لا يمنحه إياها غدًا، هذا ما يجب علينا استيعابه، بحضور جريفيث أو بغيابه.