الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٥٦ صباحاً

قصة أغنيتين

بلال الطيب
الجمعة ، ١٧ ابريل ٢٠٢٠ الساعة ١٢:٣٦ صباحاً

مطلع سبعينيات القرن الفائت، شهدت تعز حراكًا فكريًا وثقافيًا، وكانت مجالس بعض أعيان المدينة الحالمة أشبه بالصالونات الأدبية، إلا أنَّها لم تحظ بالاهتمام والتوثيق اللازم، ولم يصلنا من مآثرها إلا النزر اليسير، وما هذه القصة الاستثنائية إلا إحدى تجلياتها.

كان شاعر اليمن الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان نجم تلك المجالس، وكان دائمًا ما يفاجئ أصدقاءه بأحدث إبداعته الغنائية بصوت رفيق دربه الفنان أيوب طارش عبسي، وهي طور التلحين، ولم تكتمل جمالياتها الفنية بعد، وكان الهديل أيوب - حسب حديث صحفي - يتحسس من ذلك الموقف المُتسرع، دون أن يُبدي اعتراضه، احترامًا لمكانة أستاذه الفضول، الذي وجد في صوته الشجي النقي ضالته.

ذات مقيل صيفي ماتع، أسمع الشاعر الفضول الحاضرين أحدث أغانيه العاطفية: (طاب اللقاء وحبيب القلب وافي العهود)، فما كان من الشيخ محمد علي عثمان، والشيخ يحيى منصور بن نصر، وآخرون إلا أن استثاروا غيرة شاعرنا العظيم، وخاطبوه بما معناه: (بإمكان أيوب أن يغني بغير كلماتك، وينجح، ويشتهر، والشعراء أمثالك كثيرون، فلا تحتكره لنفسك، وما دام اللحن جاهز، أتركه لغيرك...).

رضخ الشاعر الفضول مُكرها للتحدي المُستفز، وتواصل المُتحدون مع الشاعر أحمد الجابري، الذي كان حينها مقيمًا في مدينة تعز، ويعمل مديرًا تجاريًا للشركة اليمنية للصناعة والتجارة - التابعة لرجل الأعمال هائل سعيد أنعم.

لبى الشاعر الجابري الطلب من أول وهلة، وساعدته أجواء الحالمة الماطرة، وقات (الجدة) الصبري - في استحضار أفكاره، وأشواقه، وعلى وقع اللحن الأيوبي الحزين كتب رائعته الغنائية: (أشكي لمن ونجيم الصبح قلبي الولوع)، وما هي إلا أيام معدودة حتى صدح بها الهديل أيوب، وصارت تلك الشكوى الحزينة على كل لسان، و(الصبر إنْ طال لابد ما يكون له حدود).

بعد (17) عامًا من ذلك اللقاء، وضع الفنان أيوب طارش لحنًا مائزا لغنائية (طاب اللقاء)، يتفق وسياقها الدرامي، وسجلها - أي الأغنية - في القاهرة بتوزيع موسيقي بديع، وكتب لها النجاح كما كتب من قبل لمنافستها (أشكي لمن)، وكانتا بحق أغنيتان أيوبيتان خالدتان قصة ومعنى، و(الحب غفار لا يأوي فؤاد الحقود).

تسجيل نادر لذات الأغنية بلحنها الأول الذي أسمعه الشاعر الفضول لأعيان تعز ذات مقيل، تجدون رابطه في أول تعليق.

عيشوا اللحظة بتفاصيلها، واستمتعوا.. فمع فنان الأرض والإنسان أيوب طارش يحلو التحليق، لأنه بحق زغرودة القلب في ملكوت الجمال.