الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٢ صباحاً

آحمرٌ في رأس النظام وآخر في رآس المعارضة وبينهما اليمن

بشير المصباحي
الخميس ، ٢٢ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
بداية فإن عدم إحتكار الفساد على قيادة السلطة في اليمن فحسب تعد السمة البارزة للنظام بين أقرانه من أنظمة الجمهوريات العربية الأخرى التي أندلعت فيها ثورات الربيع العربي ، حيث أن النظام في اليمن خلال السنوات السابقة كان يقوم بعملية إفساد منظمة لم تقتصر على قيادات السلطة وإنما أتسعت لتشمل تقاسم كل ثروات البلد ومقدراتها بين كبار النافذين ورجال الدولة بغض النظر عن توجهاتهم وإنتماءاتهم السياسية المختلفة ، و وصل الأمر إلى ذروته بعد حرب 94م وما نتج عنها من تقاسم الأموال والممتلكات العامة بين الشركاء من الحرس القديم في السلطة التي تقاسمت أراضي الدوله فيما كان يسمى بجنوب الوطن سابقا وثرواته وإمتيازاته الإستثمارية في القطاعات الغنية بالنفط والأسماك والمنطقة الحره التي تم التعامل معها كغنائم حرب أستفاد منها الطرف المنتصر بقياداته المعهوده منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي ، فأضافها النظام بشقيه (قيادات حقيقية – قيادة معارضة مصالح) على مجمل التقاسمات القديمة بين أركانه والتي حافظ من خلالها على توازنه لما بعد تلك الحرب المشئومة.

و منذ أكثر من ثلاثون عاما و الشعب وحده من يدفع الثمن وظل على مدى العقود الماضية ضحية لقيادة أسرة واحدة للبلاد فإن أتفقت أقطابها جاع الشعب وإن تفرقت تحارب الشعب وتقاتل.
والمصيبة الأدهى من هذا كله هي أن قيادات السلطة والمعارضة والجيش وكل مفاصل الدولة يسيطر عليها بشكل كامل أبناء هذه الأسرة بشقيهم الحاكم والمعارض.

ومن نوادر القول أنه عندما نجحت الثورة في إفشال مخطط بعض قيادات الحزب الحاكم في تصفير أو خلع العداد للرئيس ، سرعان ما أتجه الجناح الأخر من الاسرة الحاكمة في المعارضة إلى إعلان تصفير العداد عن الأسرة وتحت غطاء ومباركة الثوار.
وتم التنكر للقب الرئيس كونه ينتمي إلى قرية أسرة الأحمر القاطنين في سنحان و التعامل مع إسم جد الرئيس الثاني وكأنه لقب ، بينما يمثل إسم عفاش إسما لا صفة مثله مثل محمد أو حميد أو صالح إلا أن المؤسف للقول أن الثوار قد تعاملوا معه وكأنه إنجاز ثوري أو أنه ضمن الأسرار التي قامت الثورة من أجل كشفها ، وحسب ما يبدو فإن الطعم الذي تناوله الثوار قد تم إعداده بعناية بالغة.

والمضحك في الأمر أن الرئيس لم يتنكر يوما لهذا الإسم مثلما أن الشيخ / عبدالله الأحمر أو أحد أولاده لم يعترضوا على إسم الرئيس بصفته الأحمرية عندما قدم ملف ترشيحه إلى هيئة رئاسة مجلس النواب في إنتخابات عامي 99 و 2006م.
ولكن ثوارنا الأحرار لم يفهموا قواعد اللعبة الأحمرية التي أرادت من خلال هذه الإثارة أن تسجل تظلمها أمام الثورة كي تتبنى معاناة أسرة الأحمر الناتجة عن عدم قدرتها الوصول إلى كرسي الحكم بالرغم من أنها تقود أكبر قبيلة في اليمن وهذا من الظلم في مكان مثلها مثل أخواتها تعز والحديده وعدن وغيرها من المحافظات التي سلبها الرئيس (عفاش) حقوقها السياسية والمدنية على مر ثلاثة عقود ونيف من الزمن.
فعندما عمت ثورات الربيع العربي المنطقة أستشعرت قيادات المصالح والنفوذ في اليمن إقتراب العدوى خاصة وأن أبناء شعبنا هم الأسوء إقتصاديا ومعيشيا وتعليميا بين شعوب المنطقة.

وبطريقة تلقائية كان أركان النظام السابق بالوكالة يواصلون حواراتهم بينما الشباب خرجوا للشوارع للمطالبة بحقوقهم المنهوبة وإستعادة كرامتهم المسلوبة وحريتهم المفتقده.

لقد كان الزخم الشعبي في تزايد مستمر من قبل كافة قطاعات المجتمع وأحزابه بما فيهم قاعدة عريضة من أولئك الرجال الصادقين من أنصار المؤتمر الذين أعلنوا إنسحابهم من الحزب الحاكم ، الأمر الذي أستشفت منه القيادات المختلفة في النظام بأن توقيع أي إتفاق أو تنازلات لن تكون مرضية للجماهير في ظل ذلك العنفوان الثوري الذي وصلت إليه البلد ، وكان أكبر شاهد على ذلك ماحدث في جمعة الكرامة فبدأت خيوط اللعبة تتغير بأن قامت أجنحة عتيدة في السلطة من مدنيين وعسكريين بالإنضمام للثوره ولا بد ما نشير هنا إلى أن تلك العملية سواء كانت منظمة ومتفق عليها سلفا أو أنها جاءت بموجب قرار إنفرادي بمعزل عن بقية القيادات في النظام إلا أن الأمر الذي لا يختلف عليه إثنان بأن الهدف الرئيسي من إنضمامها للثوره كان في سبيل وأد تلك التحركات والسيطرة على مجريات الأمور خوفا من خسارة مواقعهم ونفوذهم وثرواتهم و أرصدتهم المالية نتيجة الزخم الشعبي المتزايد لهذه الثوره.

فكانت ضرورة الحفاظ على موقع الأسرة ومكانتها التاريخية أهم بكثير من أهداف الثوار وأمال وتطلعات الشعب اليمني.
وتجلى ذلك بوضوح عندما قامت قيادات القوى المستفيدة من بقاء النظام بإستغلال حماس الناس وإندفاعهم الصادق الذي بلغ قمة التضحية بمنح الوطن تلك الدماء الزكية والأرواح الطاهره التي سوف يتحمل مسئوليتها بصفة مباشرة من راهنوا على إخماد وهج التغيير الثوري الحقيقي وتحويله إلى أزمة سياسية خانقة ، ولا أعتقد أن هناك ما يغفر للحرس القديم من قيادة القوى الحزبية سوى أن يثبتوا حسن نواياهم إتجاه اليمنيين وتغيير قواعد اللعبة لمصلحة الوطن هذه المره بعد أن وقعوا على ذلك الإتفاق الذي يمنح الحصانة القانونية وتوفير الحماية لكل من عمل مع الرئيس / علي عبدالله صالح من مدنيين أو عسكريين وفي المقابل فإن الوعود المنتظرة بالغد المنشود لجماهير الشعب اليمني بمختلف إنتماءاتهم وتوجهاتهم تبدو على شكل وعود لن يلمس المواطن فائدتها على المدى المنظور في حال صدقت النوايا.

وعودٌ على بدء فإن الأسرة التي حكمت اليمن خلال عقود طويلة من الزمن تبدو اليوم منقسمة على ذاتها بين قيادات مؤيدة للثورة وأخرى معارضة لها الأمر الذي يعيد للأذهان مواقف نفس الأسرة إبان الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي قبل وأثناء ثورة 26 سبتمبر وكأن التأريخ يعيد نفسه بنسخة جديده من خلال تقاسم هذه الأسرة لأعلى هرمية القيادة للحكام والمعارضين على حد سواء من أجل ضمان الحضور والمشاركة الفاعلة للأسرة في أي قيادة جديدة تنتجها الأحداث مهما كان توجهها فالغاية تبرر الوسيلة.

وكم كان مدهشا لي عندما كنت أطالع مذكرات الشيخ الراحل / عبدالله الأحمر رحمه الله عندما قرأت تلك المعلومة التي يقول فيها إنه وبعض المشائخ قد أنفصلوا عن المؤتمر وقاموا بتشكيل حزب الإصلاح بتوجيهات من الرئيس / علي عبدالله صالح ليمثل حزبا إيديولوجيا ذى مرجعية دينية يمنع تمدد الأحزاب ذات التوجهات الإيديولوجيه اليسارية والمقصود هنا شريك دولة الوحده الحزب الإشتراكي اليمني ، وهو الأمر الذي أكده الرئيس كذا مره أن أحزاب المعارضة عبارة عن كروت يستخدمها متى شاء.

وفي هذه النقطة دلالة واضحة وعميقة على مدى سيطرة هذه الأسرة على كل مفاصل النظام من سلطة أو معارضة ، بما فيها الجيش بجناحيه المؤيد أو المنشق عن السلطة.

وفي ظل الهواجس التي تتوقع تحول المرشح التوافقي إلى محلل للرئيس من أجل الصعود إلى الكرسي مرة أخرى ، إلا أن ما نخشاه بالفعل أن يتقدم الرجل بملف ترشيحه للرئاسة عن طريق هيئة رئاسة مجلس النواب تحت إسم / عبد ربه منصور هادي الأحمر.

ومن هذا المنطلق فإن الكاتب الكبير / محمد حسنين هيكل لم يخطأ أبدا عندما شخص الثورة في اليمن بالنظر إلى قياداتها على أنها مجرد قبيلة تريد أن تتحول إلى دولة.