الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٠ مساءً

الهجرة النبوية .. والهجرة الثورية !

محمد حمود الفقيه
الأحد ، ٢٥ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
الهجرة النبوية كما نعلم هي هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة ، بعد ما آذاه
المشركون من عشيرته من أهل مكة ، لخوفهم من ظهور الدين الجديد ، هذا الدين الذي جعل من الأخ ان يتخلى عن أخيه والابن عن أبيه و الصاحب عن صاحبه ، فازداد كبرياء قريش وجحودها وعنادها تجاه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الذين كانوا قد آمنوا ببعثته عليه الصلاة والسلام ، وقد أذن الله تعالى لنبية بالخروج من مكة و الهجرة نحو المدينة ، حفاظا على هذا الدين وحفاظا على من اتبعوه حيثهم آنذاك قليل ، لا يستطيعون مجابهة المشركين الكثر ، فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج مع المهاجرين ، وهي عملية أرادها الله سبحانه وتعالى للحفاظ على دينه من ان يقع بين أيدي المشركين الذين يتربصون بمن جاء به الدوائر ، وسار النبي عليه الصلاة و السلام نحو المدينه حاملا معه رايات الدين الإسلامي الجديد ، ليترك النبي وأصحابه بهذا الخروج أموالهم وديارهم وأهليهم الذين لم يكونوا آمنوا في تلك الحظة التاريخية من الهجرة ، وعندما وصل النبي والمهاجرون الى المدينة التي كانت تدعى بيثرب ، استقبلهم الأنصار بحفاوة بالغة الذكر ، و آووهم ونصروهم وأحسنوا اليهم و جعلوهم يقيموا بين أظهرهم ، و على اثر هذا الاستقبال الكريم ، سمي أولائك بالانصار ، الذين ناصروا الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد آثر الانصار أنفسهم و أهليهم وأموالهم على إخوانهم من المهاجرين ، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم حينذاك على المواخاة فيما بينهم ، كتبت في التاريخ بعنوان المواخاة بين المهاجرين والانصار و أصبحت دروساً من بعدهم وعبراً الى يومنا هذا .

أما الهجرة الثورية ، وعلى وقع ريعان الربيع العربي الذي ظهر بداية السنة التي توشك على الانتهاء ، فولد فيه جيل ثوري جديد ، غاب عن أفق الحياة في كثير من البلدان لعدد من السنين ، هذا الجيل الصاعد ضرب لنا أروع الأمثلة في قواعد واسأليب التغيير الحضاري والإنساني ، وكان لنا نصيب في اليمن في ظهور هذا الجيل من الشباب الثوري الذي صنع ثورة الشباب اليمنية السلمية ، وهي ليست بعيدة عن مثيلاتها العربية ، فلا أدري ان كان عمرها الذي امتد لقرابة سنة منذ اندلاعها الى الآن ، هو السبب الوحيد في ميلاد [[ الهجرة الثورية من تعز الى صنعاء]] مشياً على الأقدام ، قطعت مسافة تقدر بأكثر من 260 كيلوا متر ، هذه الهجرة الثورية الشبابية لا شك أنها ستكتب بماء الذهب ان لم تكتب بدماء الشهداء الأحرار ، فقد ترك هؤلاء الشباب والشابات الأحرار بيوتهم وأموالهم في تعز ، وساروا باتجاه صنعاء لا يرافقهم بهذه الهجرة إلا قوتهم المكون من الخبز والماء ، متجاوزين بذلك قيود ضعفهم أمام الطريق الطويل ، و مكابح الشتاء القارس الذي يغطي صدورهم العارية ببرده الشديد ، فلم ينظرون الى خلفهم وما تركوه من أموالهم وأهليهم ، إنما تتجه أعينهم صوب أهداف كبيرة أكبر من مشقة السفر الطويل من دون دابة تحملهم أو طعام يسد جوعهم ، لا يدل خروجهم من بيوتهم هذا على شيء إنما يدل على ان الارادة الحرة لا تنقضي بانقضاء الزمن ، ولا تموت بموت زعمائها الأوائل ، إنما تظل محفورة بالجينات الوراثية الانسانية ، وتظل مطبوعة بكتب المجد ، ومهما غابت الارادة عن أصحابها قرونًا وسنيناً ، فإن بذورها تظل حية في ذرات التراب ، فإذا حان الوقت لسقيانها نراها تنمو زرعاً يخرج شطئه جيلا جديداً يجدد العهد الإنساني الخالد بالمجد والكرامة والحرية ، حاملا معه رايات الحرية الخالصة مهما بعدت عليهم الشقة ، ومهما كان طول الطريق .

لقد هاجر شباب الثورة من تعز متوجهون الى صنعاء _ صنعاء التي وقعت في براثن الأسر العائلي و الاستبدادي ، ووقعت في وحل الظلم و الفساد ، وقد التحق بهم الكثير من أبناء اب و يريم وذمار و من حولها من القرى والهجر ، مرددين الله أكبر فوق المعتدين ، أهدافهم السامية تمحورت بطلب القصاص ممن أزهق الأرواح والانفس ، و أهلك حرث اليمن و نسلها ، وعبث في ماضيها و مستقبلها ، و سرق مالها وخيراتها ، وإعاق حركة المعاقين ، و يتم الأطفال عن أيائهم و أمهاتهم ، و شرد بالشيوخ والنساء ، فلا مرد لباسه الشديد إلا( الهجرة الثورية ) ولا تراجع دون أخذه ومن معه من القتلة المجرمين .

انني ادعوكم يا اهلنا في صنعاء ويا اخوتنا المجاورون لصنعاء , ادعوكم الى ان تكونوا انصارا لهولاء المهاجرين الشباب الذين وفدوا اليكم من مكان بعيد , يا انصار صنعاء ومارب وشبوة والمحويت وحجة و عمران و كل مكان على التراب ترابنا اليمني , ندعوكم ان تكونوا انصارا للهجرة الثورية التي اتت الى صنعاء من دون زاد او فراش , نهيب عليكم اخوتنا في كل مكان ان الغوث الغوث لشباب مسيرة الحياة , انهم هم الحياة .

لقد سميت هذه إلهجرة الثورية ب_ مسيرة الحياة - لأنها تهدف الى إبقاء الحياة الحقه للناس ، كيف لا و قد أخبرنا سبحانه و تعالى في كتابه الكريم على هذا الأمر قال تعالى : (( ولكم في القصاص حياة يا أولئ الألباب )) فسعيهم هذا ليس سعيا لطلب المال ، ولا سعيا لطلب العيال ، إنما طلبهم هذا يتمثل في تقديم القاتل للعدالة الحقه لينال جزاءه الرادع أمام القضاء العادل ، فإذا اقتص من القاتل الظالم ، فسوف تهب لمن تبقى مننا الحياة ، وإذا اقتص من آخذ أموال الناس ، فسوف يعود المال لأهله ، وعلى هذا الأساس ولدت هجرة جديدة سميتها ( الهجرة الثورية ) كي ترد الحقوق الى أصحابها ، وكي يقام العدل والانصاف على من أقدمت يده لقتل الضعفاء والبسطاء و المسالمين من شباب الحرية والكرامة ، الذين كان ذنبهم الوحيد انهم خرجوا ضد الظلم وأهله ، ووقفوا في طريق الفساد والباطل ، ليحق الله الحق ويزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا .