السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٧ مساءً

جاءكم أهل تعز ... جاءكم أهل الثورات

بشير المصباحي
الاثنين ، ٢٦ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
تلك الوجوه المشرقة بالنور المشعة بالأمل جاءت حاملة للحب بين جوانحها بكل صدق وإخلاص لم تكن أبدا تبحث عن إلتقاط الصور أو تسجيل المواقف لحساب هذا الطرف أو ذاك بل كان همها الوحيد هو اليمن بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

لقد تجاوز أولئك الأحباب الصادقين الرقم واحد بعطاءهم المتدفق وتضحيتهم التي لم يسبق لها مثيل في التأريخ فأستحقوا بذلك الريادة من دون منازع ولم نجد رقما يوازي تلك التضحيات الجسيمة.

سلميتهم كانت عنوانا بارزا لحضارة شعب تمتد لألأف السنين عبروا عنها من خلال هتافاتهم الصادقة وهم يجولون بروح وعبق ثوري منقطع النظير إبتداء من شارع تعز ومرورا بمجمع العرضي وليس إنتهاء بالقصر الجمهوري وشارع الزبيري (وأخص هذه الاماكن بالذكر لأن الثوار يدخلونها بمسيرات جماعية لأول مرة منذ إنطلاق الثورة) فكانت من ذي قبل مغلقة في وجه الثوار.

ومن الطبيعي جدا أن نشاهد ونستمتع بذلك الوعي الكبير الذي تخلل المسيرة حتى وصولها إلى ساحة التغيير في صنعاء خاصة إذا ما عرفنا أن من يقود المسيرة هي ثقافة تعز وروح تعز وحضارة تعز مجسدة بتلك الأرواح النبيلة والطاهرة للثائرين والثائرات القادمين من
((تعز القاهرة)) وليست الحالمة من الأن وصاعدا كما سماها أحد الثائرين القادمين من تلك المدينة الجميلة.

ولم يكن غريبا أيضا ذلك الزخم الجماهيري والإستقبال الشعبي الكبير الذي حضيت به هذه المسيرة العظيمة من قبل أبناء وبنات صنعاء ومختلف محافظات الجمهورية الذين رددوا عبارات الحب والوفاء لأبناء هذه المدينة البطلة حيث زغردت النساء ورشت الورود على الطرقات ومن أسطح المنازل على تلك القامات الشامخة شموخ الجبال العالية ، وردد الرجال الهتافات المرحبة بهذه الكوكبة من خيرة رجال اليمن.

إلا ان الملفت للنظر حقا هو ذلك الجمع من الجنود التابعين للأمن المركزي والحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع الذين أتحدت تحيتهم (للأبطال القادمون) فتبادلوا معهم التحايا المعبرة عن حب الوطن بكل صدق وإخلاص والإستعداد للتضحية من أجله بعيدا عن كل الإنتماءات والحسابات الفئوية الأخرى.
لقد كانت حميمية المنظر تفوق كل التوقعات والعبارات وقواميس ومصطلحات اللغة بكل مفرداتها التي تبدو عاجزة عن سرد ما رأته عيني.

هؤلاء هم الثوار الحقيقيون الذين لم تخن ذاكرتهم الشعارات الحزبية الضيقة حيث كان همهم وشغلهم الشاغل اليمن أولا وأخيرا قبل وبعد كل شئ.

بطوننا ممتلئة لم نأتي للبحث عن الولائم والضيافات والصور جئنا كي نعيد للثورة إعتبارها هذا هو شعارهم الذي تخلل هتافاتهم على طول الطريق.

ومن المنغصات التي لم تروق لنا بعض التصرفات الفردية التي لم تكن لائقة أبدا بهذا الحدث التأريخي الهام ، وبكل فخر فإنها مع عدم ملاءمتها إلا أنها لم تنل من تلك الهمم العالية لرجال ونساء الثورة الأحرار القادمون من تلك المسافات البعيدة.

حيث كانت اللجنة التنظيمية بالأمس في ساحة التغيير بصنعاء تبدو في أسوأ حالاتها على الإطلاق فعند وصول مسيرة الحياة واجهوها بالسيارات الكثيفة لتعيق الدخول بصورة جماعيةإلى داخل الساحة في طريق الخروج منها ولم يكن هناك إستعداد لائق لإستقبال المسيرة.

كما أنه و عند محاولتنا الدخول من خلف الخيام تجنبا لزحمة السيارات واجهنا الناس في وسط الطريق يتناولون وجبة العشاء مما أدى إلى إعاقة الحركة تماما وحينها كانت الساعة الحادية عشر والنصف مساء.

ولحظة وصول المسيرة وسط الساحة كنا نتوقع السماح للشباب المتوهج حماسا بالصعود للمنصة ومنحهم الميكرفون بعد أن تجاوزوا أكثر من ثلاثمائة كيلو مترا سيرا على الأقدام ولكن شئ من ذلك لم يحدث ، وبدلا عن ذلك كان أصحاب المنصة يغنون ويرقصون مما أدى بشباب مسيرة الحياة إلى الإستياء الشديد والهتاف بصوت واحد ((يا شباب المنصة هي ثورة ما هيش رقصه)) .. خاصة وأن قيادات المسيره الواصلة للتو كانت تتوقع أن يكون الإستقبال من قبل إخوانهم الثائرين في صنعاء مختلفا نوعيا تقديرا للشهداء الذين سقطوا خلال المسيرة.
ما عدا ذلك فالأمور سارت على ما يرام وكانت أقوى مسيرة ثورية سوف يسجلها التأريخ على الإطلاق .. جاءت لتعبر عن إرادة الملايين من أبناء الشعب اليمني وأمالهم وتطلعاتهم نحو التغيير الصادق والحقيقي وبكل تأكيد أن ذلك السبق سوف يسجل للثورة اليمنية ولهؤلاء العمالقة من أبناء قحطان وعدنان وحفيدات بلقيس وأروى القادمون من مدينتنا الغالية على قلب كل يمني حر وشريف.

تلك هي حضارتنا العريقة التي شاهدتها بالأمس وشاهدها كل العالم وتلك هي سلمية شباب الثوره التي دحضت كل المزاعم والإفتراءات ولم يعكر صفوها سوى ذلك التصريح الأعمى الذي نطق به السفير الأمريكي زورا وبهتانا والذي لا نعرف حقيقة تلك المصادر التي زودته بتلك المعلومات المغلوطة إلا أننا نملك في سبيل الرد عليه أن نقول له جملة واحده
((كذب المنجمون ولو صدقوا)).

شكرا لكم أيها الثوار الأبطال وشكرا لمدينتكم الفاضلة التي أنجبت خيرة رجال اليمن فلقد شعرنا معكم وبينكم بأرواحنا تكاد تعانق السماء ونحن بوسط تلك المسيرة العظيمة وبالرغم من أننا لم نتشرف بمرافقتها منذ البداية عند إنطلاقها إلا أن مرافقتنا لها من باب اليمن حتى ساحة التغيير في صنعاء جعلنا نشعر بالوطن حاضرا وحيدا ينبض في كل حركة أو خطوة خطتها تلك الأنفس الطاهرة من نساء اليمن ورجالها الشرفاء والمخلصين وبذلك الحب الأزلي لهذه الأرض الطيبة النابع من القلب والمقيم في حدقات العيون ولا يمكن أن يفارقها أبدا.
لحظات وساعات قليلة تمنينا معها أن نعيش ذلك الإحساس عمرا كاملا.

لا أمتلك إلا أن أكرر في ظلها ما سبق وأن قلته عن مسيرة الحياة وأبطالها الثائرين منذ إنطلاقها من الحرة الغالية ((تعز))

(ما توارت أمة أنتم شبابها .... ولا ضاعت أم أنجبت هؤلاء الأبطال أبدا).