الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٢ مساءً

السعيدي : عبيــد أم جنود ؟!

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
يمن برس - عبد الباسط السعيدي

أصالة عن حزني وألمي ونيابة عن بقية المغلوبين على أمرهم من العاملين في تلك الأجهزة
البائسة.. أكتب هذه الرسالة لكل من يفقه من رؤوس السُّلطة ، وبما أنهم شبه منقرضون – أعني هنا أولو الفهم منهم - فقد لا تصل هذه الرسالة مهما كان صدق كاتبها وبراعة ناقلها، فالواقفون والراقصون على رؤوس العباد أصمّوا أذانهم منذ عهد طويل عن سماع آهات وصُراخ
من يطئون رؤوسهم ففاتهم بالتالي سماع الكثير من النُصح، ولكنني أكتبها من باب الدين النصيحة..يقف أغلبية المنتسبين للأجهزة العسكرية والأمنية سواء أكانوا في الجيش أو الأمن ما بين مطرقة السلطة الفاسدة وسندان الشعب الحانق.!! وهنا سوف أتناول وبالمختصر المفيد مطرقة السُّلطة التي هشمت كرامة الجنود وقضت على مهاراتهم عبر سياساتها التعبيدية لا التأهيلية، وربما أتناول سندان الشعب في مقالٍ قادم..

إن الجندي الذي يلتحق بالقوات الأمنية والعسكرية هرباً من الموت جوعاً في بلدٍ يتسيد الترتيب العالمي للثالوث المدمر والمتمثل في الفقر والبطالة والفساد يتحول بموجب هذا الالتحاق والتبعية من شبه عبد إلى عبدٍ مطلق في نظر السُّلطة التي ترى نفسها تحكم سوق
من الرقيق لا شعب من الأحرار..!!

يبدأ ذلك الجندي مشوار الإعداد العسكري عبر الاشتراك بدورة تمهيدية لمدة 45 يوماً قد تتبعها دورات أخرى تصل إلى عامٍ كامل في وحدات تأهيلية متخصصة في إعداد وصنع العبيد لا الجنود، حيث يتم إعداده ليكون تابع مطيع ممسوح الكرامة ومنعدم المهارة .. حيث يقوم فيها
الجندي بالتخلي التدريجي عن جزء كبير من كرامته وعقله ولا مانع من أن تصحبه بعض الأمراض كذكرى لتلك المرحلة التأهيلية والتي تسعى إلى إخراجه بشكل يتواءم مع قول الشاعر:

العسكري غبي للأذى فطن *** كأن إبليس للشر رباه
( والشاعر هنا كنّى بإبليس وعنى السُّلطة)

طبعاً المعاملة التي يتلقها الجندي في تلك الفترة تختلط ما بين معاملة أسرى الحروب والعبيد، فالتغذية أكثر من سيئة والسكن أشبه بمعسكرات مرضى الطاعون في العصور الوسطى والتأهيل البدني والعسكري لا يهدف لرفع الكفاءة البدنية بقدر ما يهدف إلى إشباع سادية
بعض الضباط ، أمّا العقوبات العسكرية فحدث ولا حرج وكأنه في سجن أبو غريب لا معسكر إعداد عسكري، ثم بعد إنتهاء تلك المرحلة التأهيلية ( والأصح التعويقية ) يكون خلالها قد فقد الكثير من ذكريات الحرية ومهارات القتال -التي ربما كان قد اكتسبها من بيئته
القبلية - يتم إرساله إلى المعسكرات والوحدات الأمنية المتنوعة براتبٍ شهري لا يعادل حتى مصروف جيب ابن فاسد ليوم واحد ( معرّض للخصميات )، وإن حاول أن يفتح فاه للمطالبة بالزيادة التي تعينه على مصارعة الحياة يجد الجواب المشهور: دبّر نفسك.. ثم يأملون منه
بعد ذلك أن يكون أول من يستيقظ و آخر من ينام وأول من يريق دمه في معاركٍ لا يعرف عنها شيء ولن يستفيد منها الوطن شيئا ..!!

بطبيعة الحال فإن هذه المخرجات البشرية العسكرية لن تستطيع أن تحمي حياض الوطن من الغزاة ولا إيقاف المتمردين الذين يزعجون الحاكم ، فالعبيد يحتاجون إلى تحرير أنفسهم قبل أن يحرروا المسلوب أو ينصروا المظلوم أو حتى يقمعوا المتمرد، والأحداث المشتعلة في
صعدة قد كشفت عن ساق الفشل وروح الهزيمة المستشرية في نفوس القوات الأمنية والعسكرية ، وما ذاك إلاّ نتاجٌ لسياسات القائمين على تلك القوات وإثباتٌ ملموسٌ لعدم أهليتهم وإن كانوا ذو قربى أو نسب ...ولا سامح الله من مسخ أبناء اليمن إلى أشباه عبيدٍ وعبيدٍ