الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٥٢ صباحاً

شعب أبي طالب في دماج

عبد الله الجعفري
الاثنين ، ٢٦ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
في محرم من السنة السابعة للبعثة قام كفار قريش بحصار النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم ومن آمن معه, في شعب أبي طالب للضغط عليه ولثنيه عن الدعوة للإسلام, فتعاهدوا على ألا يتعاملوا معهم بأي شكل من المعاملات كالبيع والشراء والزواج.

وعانى المسلمون من الجوع والأذى، حتى كانوا يأكلون نباتات الأرض، ولم يكن يصلهم من الطعام شيء إلا ما كان يصلهم سراً من بعض المتعاطفين معهم.

وحين اشتد العسر والأذى, وصبر المسلمون، جاء الفرج وتدخل النصر الإلهي، فأرسل الله حشرة الأرضة على صحيفة المقاطعة فأكلتها ما عدا ما كان فيها من اسم الله, وعلى إثر ذلك فُك الحصار، وخرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب أعزة منتصرين.

ويبدو أن الحوثيين اليوم أرادوا أن يذكرونا بما حصل في شعب أبي طالب؛ حتى لا ننسى شدة المعاناة التي عاناها المسلمون الأوائل, فقاموا بحصار السلفيين في دماج عسكرياً واقتصادياً, ومنعوا عنهم قوافل الطعام والغذاء.

وقد أجاد الحوثيون تمثيل المشهد حتى حسبنا أننا في شعب أبي طالب وليس في دماج, فالظلم الواقع على أبناء دماج هو نفس الظلم الذي قامت به قريش, والحصار ومنع دخول الطعام يشبه الحصار الذي قامت به قريش, فالطفل عبد الرحمن الماليزي مات بين يدي أبيه من شدة الجوع ولم يستطع أبوه أن يفعل له شيئاً, والاعتماد على أسلوب القمع والقهر وفرض الرأي بالقوة لثني الناس عن أفكارهم وترهيب الآخرين هو ما فعلته قريش للضغط على النبي والمسلمين للعودة إلى دين قريش, وقد رأينا كيف قام الحوثيون بقنص الناس دون تفريق بين صغير وكبير, أو ذكر وأنثى حتى أنهم قنصوا طفلاً وهو في حضن أبيه.

ورغم أوجه التشابه بين حصار شعب أبي طالب وحصار دماج إلا أنه توجد هناك فروق لعل من أهمها: أننا في القرن الواحد والعشرين وفي عصر القنوات المفتوحة, وبالتالي لا يستطيع الحوثيون تغطية الحقيقة وإخفاء ما يجري في دماج, كما أن من قام الحصار هم مسلمون, وليسوا من كفار قريش, والمحاصَرون هم مسلمون, والعجيب أن الذي قام بالحصار يزعم أنه من أبناء النبي صلى الله عليه وسلم.

وأجزم أن هذا الأسلوب في التعامل من قبل الحوثيين ضد أبناء دماج وغيرهم هو ناتج عن ضعف فيهم وليس عن قوة كما يتصور الكثير؛ لأن الواثق بنفسه لا يمكن أن ينشر أفكاره وآرائه بالترهيب وقوة السلاح, وإنما بقوة الفكر والمنطق والأسلوب الحسن.

ويبدو أن دولة الحوثي قد شارفت على الغروب لأنها أسرفت في الظلم, والظلم من أكبر الأسباب في زوال الأمم والدول والجماعات, وكما قيل: إن الله تعالى ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ويخذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة, فالعدل أساس الملك.

كما أن عمل الحوثيين هذا نوع من أنواع الفسق – الخروج عن طاعة الله - والدليل على أن الفسق من أسباب زوال الدول قوله تعالى: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا }[الإسراء: 16].

لقد شهدنا في هذا العام (2011م) زوال أنظمة ظالمة متسلطة استبدادية, ولا شك أن بقية الدول والجماعات التي هي على شاكلتها ستزول عاجلاً أو آجلاً؛ لأن هذه سنة إلهية لا تتبدل.

وجماعة الحوثي مثلها مثل هذه الدول مع الفارق في كونها جماعة وليست دولة, ويبدو أن نهايتها ستكون قريبة وقريبة جداً.