الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:١٧ مساءً

إيقاعات وجدانية ,,,, من وحي الثورة (17)

عباس القاضي
الجمعة ، ٣٠ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
بات الأربعة مع نسائهم ليلة هي الفاصلة في حياتهم, صحيح, أن لكل واحد له تفكيره, بحسب عمره واهتماماته السابقة وجنسه, إلا أن إحساس اللحظة والتطلع إلى المستقبل, هو الشعور المشترك بينهم, فرغم تباعد السكن الذي رزقهم الله به, إلا أن النشاط كان موحدا, وكأنه طقوس مكتوب عليهم في الألواح.

فها هو عبده غبش وبعد أن استعرض مع علياء الفرش والأثاث , انطلقوا للتعرف على البيت, هاهي, غرفة, غرفتين, إلى جانب المجلس وهذه الصالة, والحمام والمطبخ بجانبه,والمخزن الممتلئ بالمواد الغذائية,والأواني المنزلية, يقول عبده غبش وسلمى خلفه, ماسكة بكتفه, وهم يطبعون أقدامهم لأول مرة في البيت,,وكان غبش يمشي على أصابع قدميه حتى لا تبدو سلمى أطول منه كثيرا, وهم في المطبخ قالت سلمى : عبده شو بدك بكرة عالغداء, بنفس لهجة حسينه معلمتها , قال لها : الحاصل, قالت له: إيش من حاصل يا عبده ؟ إيش هذا الكلام البلدي ؟ وإلا أنا سوف أختار لك بنفسي,,سوف أعمل لك, سوف أعمل لك : فتُّوش,, قال لها : فتوس, فتوس.

كذلك سعيد عجب وسلمى, اتبعوا نفس الخطوات غير أنها وعدت سعيد بأن تعمل له على الغداء تبُّوله, فرد عليها : تبو لمن؟ فحركت شفائفها دلالة على انه لا يفهم.

ومثلهم علي زؤبه وزوجته سلمى قالت له: إيش رأيك أعمل لك, لقمة القاضي, قال لها : لقمة القاضي مرة واحدة, قولي : لقمة الخادم, لقمة القبيلي,,,وهنا ضحك ضحكة أنهاها بدموع تتطاير من المقل على هذه النعمة التي نزلت عليهم, وكأنها مائدة من السماء, الحمد لله قالها علي زؤبه, لنقوم الآن نؤدي الصلاة شكرا لله على ما أنعم الله علينا وليكون عمرانا لمنزلنا هذا.

أما بندر ونجوى وإن كانوا قد فعلوا كما فعل أصحابهم إلا أن سلمى لم تخير بندر بأكلة معينة كونها لم تكمل اليوم في الحاج عند حسينه فتعلمها الطبخ, ولم تناقش بندر في هذا الموضوع البتة, ولكن بندر نظر إلى أحد الرفوف فوجد مصحفا, فتحه وبدأ يقرأ من سورة البقرة , ونجوى بجانبه تصغي لصوت بندر الذي يأخذ بالألباب, وقلبها قد اغتسل بالإيمان, وهي صاحبة الأذن المرهفة.

أما الحاج والشيخ والأستاذ فقد باتوا ليلتهم وهم أكثر سعادة من الأربعة مع نسائهم, كيف لا وها هو المشروع يبدأ بنجاح غير متوقع, وقد كانوا سببا في سعادة غيرهم, والثلاثة يفكرون بذات الموضوع وهم يقولون إذا كنا قد استطعنا أن نخرج أربع أسر مما هم فيه إلإ إننا لا ننسى أن هناك ستة وثلاثين أسرة ما يزالون في الضياع.

الستة والثلاثون الأسرة المتبقية عندما رأوا أن الأربعة قٌد أصبحوا رجالا أسوياء يسكنون القرية مثلهم مثل غيرهم, وقد وجد بعضهم الناقلة وهي تفرغ حمولتها, وشاهدوا ما فيها من أثاث وتجهيزات وملابس ومواد غذائية, والذين بدورهم نقلوا الخبر كا لبرق, الأمر الذي جعلهم يتجمَّعون خارج بيوت الصفيح التي يسكنونها وعلى ضوء القمر , يتساءلون ماالذي فعلوه, رغم أن الأربعة الأيام الماضية كافية بأن يعرفون السبب, بل إن بعضهم عرف بأنهم يصلون ويلبسون النظيف من الثياب, وأصبحوا لا يتسولون.

قام كبيرهم صالح زَعْقَه يخطب فيهم ويدور بينهم, وهم يشكلون دائرة ,الرجال ومن خلفهم النساء, ومن خلفهن الأطفال, يحثهم على التفكير في اتجاهين إما أن يعودوا إلينا هؤلاء الأربعة ويعيشون مثلنا أو نذهب معهم لنحيى مثلهم, فصاح أحدهم : هي إلا الصلاة, سنصلي, وصاح آخر: والملابس الجديدة والنظيفة, عليهم يفصِّلوا ( يخيطوا ) ونحن سنلبس, وهنا فجر صالح زعقه المفاجأة بقوله : هذه ليست عدالة لماذا اختاروا الأربعة دون غيرهم , كان المفترض أن يبدءوا بي فأنا من عَلَّمَ عبده غبش على ضرب المرفع وعلي زؤبه على عزف المزمار, وقامت جميلة من الخلف قائلة : لماذا نجوى, وأني لا , لأنها تعرف ترقص على المزمار؟ أني أعرف أرقص على الطبل وعلى المزمار, زاد الهرج والمرج بينهم وإذا بصالح زعقه يقول : سكوت, سكوت, حينها سكتوا, فقال لهم : لن ننام هذه الليلة حتى نحسم أمرنا, هيا بنا إلى بيت الحاج صلاح القتادي, فهو الذي أحتضنهم, وهو مَنْ جَهَّزَهُم بالبيوت والأثاث , فقام الرجال ومن خلفهم النساء والأطفال, فالتفت الرجال فقالوا للنساء والأطفال : ارجعوا سنحسمها نحن الرجال, فصاحت جميلة : لا ترجعوا إلا بنجوى لأتحداها بالرقص والتي ستزيد على الأخرى , البيت من نصيبها.

كانت الساعة الثانية عشرة منتصف الليل عندما طرق صالح زقره ومن خلفه بقية المهمشين, بيت الحاج صلاح القتادي, جاوب الحاج : من ؟رد صالح زعقه : أنا أريد بكلمة رأس (يسر له بكلام), خرج الحاج فلما رأى الجموع قال : هذا كلمة رؤوس يا صالح, قال له صالح : نحن نعرف أنك كنت نائم , ولا نريد أن نطول عليك, باختصار نريد أن ترد لنا أصحابنا, استغرب الحاج من طلبهم ثم قال لهم : أنتم تعرفون أنني لست بالنجاشي ملك الحبشة, ولا هم المهاجرون, ولا أنتم كفار قريش, أصحابكم لن يعودا إليكم, لأنه لا يمكنهم التراجع والسقوط من شاهق,,المفروض أنكم أنتم تصعدون إليهم لتكونوا مثلهم, هل تعرفون أن علي زؤبه أصبح جارا لشيخ القرية ؟ وعبده غبش جار لقاضيها, صاحوا كلهم بصوت واحد : نصعد , نصعد, قال لهم الحاج : عودوا إلى بيوتكم, واللقاء صباح الغد.