الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٨ صباحاً

مع بداية العام الجديد حاسب نفسك

عبدالاله الانسي
السبت ، ٣١ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
نحن الآن في آخر العام، ونريد أن نبدأ عاماً جديداً، نريد أن نختم بها عامنا هذا، الذي إن لم نكن قد جعلنا سيرته صالحة، فعلي الأقل ليتنا ننتهي من هذا العام بنهاية صالحة، فكيف إذن ننهي عامنا هذا، ونبدأ آخر؟ ليتكم تجدون وقتاً أو ترتبون وقتاً، في خلوة وهدوء، تنفردون فيه بأنفسكم، تفتشون عن النفس، وتفحصونها، هي وظروفها كلها، تكون جلسة حساب وعتاب وعقاب..

وجلسة تخطيط للمستقبل، تفكير فيما يجب أن تكونوا عليه في العام المقبل، في جو من الصلاة، وعرض الأمر علي الله، لكي تأخذوا منه معونة وإرشاداً..

جلسة يناقش فيها الإنسان كل علاقاته، سواء مع نفسه أو مع الآخرين أو مع الله، بكل صراحة ووضوح. ويحاول أن يخرج من كل هذه بخطة جديدة للعام الجديد، خطة عمل، أو خطة عملية، ومنهج حياة.. كما حدث للابن الضال: إذ جلس إلي نفسه، وفحص حالته، وخرج بقرار حاسم لما ينبغي عليه أن يعمله. أقول هذا، لأن كثيراً من الناس يعيشون في دوامة، لا يعرفون فيها كيف يسيرون أو إلي أين يسيرون، يسلمهم الأمس إلي اليوم، ويسلمهم اليوم إلي غد، وهم في متاهة الأمس واليوم والغد، لا يعرفون إجابة من يقول لهم: إلي أين؟ أناس يعيشون في غيبوبة عن روحياتهم وأبديتهم! خط سيرهم ليس واضحاً أمامهم.

وربما يهتمون بتفاصيل كثيرة ودقيقة. ولكن الهدف تائه من أمامهم، والخيوط التي تشدهم إلي واقعهم هي خيوط قوية، كأنها سلاسل لا ينفكون منها، لذلك هم في حاجة إلي جلسة هادئة مع النفس، يفحصون فيها كل شيء، بكل تدقيق وبكل صراحة، ويصلون إلي حل..

إني أعجب من أشخاص يأخذون عطلات من أعمالهم لأسباب كثيرة، ربما لزيارة أو مقابلة أو لسفر أو رحلة، أو لمجرد الراحة أو الترفيه عن النفس.. بينما لم أسمع عن أحد أنه أخذ عطلة من عمله، لكي يجلس مع نفسه ويفحصها! ولكي يحاسبها على عام طويل .

ماذا فعلت فيه مما يرضي الله، وماذا فعلت مما يغضبه؟ إن بداية عام هي مناسبة مهمة لمحاسبة النفس، كثيرون من الروحيين يحاسبون أنفسهم في مناسبات معينة أو في نهاية كل يوم، أو بعد عمل معين يحتاج إلي فحص من الضمير. أما جلسة الإنسان في نهاية العام، فهي حساب إجمالي أو حساب عام، يتناول فيه الحياة كلها.

ربما يفحص الخطايا المتكررة والمسيطرة في حياته. الخطايا التي تكاد تكون عنصراً ثابتاً في اعترافاته، ونقطة ضعف مستمرة في حياته. ويفحص ما هي أسبابها ودوافعها، وكيف يمكن أن يتخلص من هذه الأسباب، وكيف يحيا بلا عثرة. إن الله عليه العمل الأكبر في تلخيصه، ولكن لا شك أن هناك عملاً من جانبه كإنسان لابد أن يعمله، ليكون في شركة مع الله. وقد يفحص الإنسان صفاته الشخصية التي يتميز بها.

وماذا ينبغي أن يتغير من هذه الصفات أو يستبدل بغيره؟ وهل تحولت بعض الخطايا إلي عادات له، أو إلي طباع أو صفات ثابتة.. كإنسان مثلاً، أصبحت في صفاته حساسية زائدة نحو كرامته، فهو يغضب بسرعة ويثور بسرعة لأي سبب يحس أنه يمس هذه الكرامة..

وصار هذا طبعاً فيه أو صفة ثابتة وهو محتاج أن يغير هذا الطبع، ويتخلص من هذه الحساسية، ويصير واسع الصدر لطيفاً ومحتملاً.. هنا يفحص الصفة كلها، وليس مجرد حادثة عارضة من قصص غضبه.. ليت جلستك مع نفسك تكون مرآة روحية لك.. تعطيك صورة صادقة عن نفسك، صورة طبيعية تماماً بغير رتوش، بغير دفاع، بغير تبرير، بغير مجاملة للذات، بغير تدليل للذات. إنك قد تتأثر إذا كشفك إنسان وأظهر لك حقيقتك، التي قد تجرحك معرفة الناس لها. ولكن لا تكون في مثل هذا التأثر، إذ ما كشفت نفسك بنفسك، لكي تعرفها فتصلحها.

ولكي تكشف أمراضها فتعالجها. لذلك فلتكن جلستك مع نفسك، مثل أشعة تعطي صورة حقيقية للداخل، وتكشف ما يوجد فيه. لتكن جلستك مع نفسك، جلسة ضمير نزيه.. أو جلسة قاض عادل، يحكم بالحق، جلسة صريحة، حاسمة، وحازمة. وحاسب نفسك في صراحة، على كل شيء: خطايا الفكر، خطايا القلب والرغبات والمشاعر، خطايا اللسان، خطايا الجسد، خطاياك من جهة نفسك ومن جهة الآخرين..

علاقتك مع الله، وتقصيراتك في الوسائط الروحية. الخطايا الخاصة بوجوب النمو: هل أنت تنمو روحياً أم حياتك واقفة؟ لا تترك شيئاً من حياتك دون أن تكشفه لتعرفه، فتتخذ موقفاً تجاهه.. اجلس إلي نفسك لتقيمها، وتعيد تشكيلها من جديد