الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٤٤ صباحاً

إيقاعات وجدانية ,,,, من وحي الثورة (18)

عباس القاضي
الاثنين ، ٠٢ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
عاد الحاج إلى فراشه بعد الاتفاق معهم, أن يلتقوا صباح الغد, فالأفكار التي تدور في رأسه لترتيب يوم الغد, أحرمته طعم النوم, لكنه لا بد أن ينام فما زال أمامه ثلاث ساعات سترهقه إن لم يَنَمْها الآن ويوم الغد.

أعاد قراءة الأذكار لعلها تزيح عنه الهواجس وتنير له الطريق, وفعلا ها هو التفكير الإيجابي يأتيه,يقول في نفسه : استيقظ كالعادة قبل الفجر بساعة , بالإضافة إلى ساعة بعد الفجر كفيل أن نتشاور فيهما مع الشيخ والأستاذ ومعنا الأربعة غبش وعجب وزؤبه وبندر ,لنقوم بترتيب الوضع وتوزيع الأدوار, وفجأة طبق جفنا عينيه وذهب بنوم عميق كأنه طفل, صحا في وقته بدون منبه, فانتفض من مكانه كالملسوع, أيقض أهله, وقال لها : حسينه , وأنت في سجودك ادعي لنا بالتوفيق, وكوني على استعداد لأي دور ستكلفين فيه, وسوف نأتي بمن تساعدك على إنجاز مهمتك إن شاء الله.

وصل إلى المسجد, قبل أن يقوم الشيخ من مقامه, جلس عند رأسه, ينظر إليه وهو نائم, وهو يقول في نفسه : ما أروعك أيها الشيخ الجليل ! تترك بيتك وأبناءك وأعمالك لتتفرغ إلى الدعوة, كم أيقظت قلوبا وأنت نائم ؟ بينما غيرك في الصحو وهم نائمون, وهو على هذا الحال, فإذا بالشيخ يفاجئ الحاج بابتسامة عريضة , هكذا تخدعني للمرة الثانية, قالها الحاج , وأردف, أتذكر يومها عندما فعلت هذه الحركة ؟ نهض الشيخ قائلا : يومها , يومها, إنها لم تمر سوى خمسة أيام فقط, وأخذ نفسا عميقا ثم قال : لكنها في مقياس المنجزات كثيرة أيها الحاج.

قال الحاج : أذكر ساعتها أنه كان لديك مفاجأة, وهو وجود ذلك المتبتل الساجد الراكع الذي عرفته لاحقا أنه عبده غبش, اليوم عندي لك مفاجآت, ما هي المفاجآت يا صلاح ؟ قالها الشيخ هكذا بدون أن يذكر كلمة حاج , فقال له : أخوك صالح بلا حاج جاء بخبر يشرح الصدر, لقد هبطت علينا رحمة من السماء, ها هم بقية سكان حي المهمشين سيكونون معنا من صباح يومنا الذي نستقبله -الجمعة- رد عليه الشيخ : كلهم, قال له الحاج : كلهم, وأردف : قم للوضوء وحتى يأتي الحصاد الأول الأربعة لنجلس معا قبل الصلاة وكذالك بعد الصلاة لنرتب خطة استقبالهم وتوزيع الأدوار بيننا.

نهض الشيخ بهمة ونشاط كأنه ابن العشرين وهو يحف أكمامه نحو مكان الوضوء, فالتفت الحاج إلى الباب وإذا بهم يتقاطرون بالترتيب الأستاذ, ومن بعده غبش وعجب وزؤبه وفي الأخير بندر, كان ترتيب دخولهم كترتيب أسبقيتهم للهداية, صلوا ركعتين, وانتظروا الحاج حتى انتهى من صلاته, فتغامزا الشيخ والحاج للنهوض إلى زاوية من زوايا المسجد وأشارا للبقية للحاق بهما.

بدأ الحاج بسرد الحكاية وطرافة مطلبهم, بأن يعيدوا لهم أصحابهم, لم يدعوه يكمل, تسابقوا للرد, يُقْسِمُون بالأيمان المغلظة أنهم لن يعودوا إليهم, وتركوا الحديث لعلي زؤبه – أكبرهم سنا – فقال : يا شيخ يا حاج, يا أستاذ ,لا يذهب تفكيركم أننا نرفض العودة إليهم بسبب هذه الملابس التي نلبسها أو التي تلبسها نساؤنا أو البيوت التي سكنَّاها أو الأثاث الذي حزناه, كلا والله, لو ألقيتم بنا إلى صحارى مقفرة, بعيدين عن أهلنا, جوعى عطشى, ما عدنا إليهم, أنعود إليهم بعد أن ذقنا طعم الإيمان, ومنه طعم العزة والكرامة ؟ لم نعد ذلكم الذين يبحثون عنهم, فقد استمعنا إلى درس يوم أمس, كيف كان بلال بن رباح - رضي الله عنه – يعذَّبُ وتوضع الحجارة على صدره ويُضرَب بالسياط في يوم هجير, وهو يقول : أحد , أحد, هذا هو قدوتنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهنا أشار الحاج لعلي زؤبه بأن يتوقف رغم معارضة الشيخ لهذا التوقف لارتياحه منه وهذه الدلالات التي اكتسبها بعد يومين فقط من هدايته والتي لم يكتسبها الكثيرون في سنوات.

قال الحاج :لم تدعوني أكمل حديثي, فعندما ذكروا مطلبهم, قلت لهم :أصحابكم لن يعودوا إليكم لأنه لا يمكنهم السقوط من شاهق, وخاطبتهم : المفروض أنكم انتم تصعدون إليهم فصاحوا بصوت واحد : نصعد, نصعد, فقال سعيد عجب : إلى أين يصدعون والطريق إلينا نزله (نزول)؟ فضحكوا جميعا, ثم قال الشيخ : يعنون بأنهم سيلحقون بكم, فقال الجميع : الحمد لله إلا إن الأستاذ محسن قال : لكن خطتنا سوف تتغير, قال له الحاج : تتغير, تتغير, جلستنا اليوم, لتغيير الخطة, وما كنا نتوقعه بأشهر إن شاء الله سيكون بأيام, ثم قال : بسم الله نبدأ, فهذا المحور الدعوي وهو على الشيخ, عليه أن يضع المقترحات ثم نتداوله بالنقاش والحوار للوصول إلى خطة بديلة, والذي اتفقوا على تسميتها " ضربة معلم ".

كانت الخطة باختصار: أن يتم تزويد المسجد بكمية كافية من الماء, ويتم استقبالهم على أربع دفع, كل دفعة تسعة أفراد بعدد الحمامات الموجودة بالمسجد, بعد أن يتم توزيع الملابس التي سيتم تحضيرها, من بيت الحاج بالعدد والمقاسات, وكذلك قطعة صابون لكل واحد, ثم يتم الاستعانة بخمسة أشخاص بنظر الأستاذ, ليكونوا بجانب الأربعة ليعلموهم الوضوء, دفعة, دفعة .