الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٤ صباحاً

جواد البشيتي يكتب عن حرب اسرائيل بالوكالة

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
حرب إسرائيلية بسلاح فلسطيني وأيدٍ فلسطينية!

جواد البشيتي

سُئِل شاهد عيان هو طبيب فلسطيني يعمل في مستشفى بيت حانون في شمال قطاع غزة عمَّا حدث على مقربة من المستشفى فأجاب قائلا: "الكل يطلق النار على الكل"!

ولكن، كيف تقع جولة من جولات "حرب الكل ضد الكل" في قطاع غزة، والتي خلَّفت، منذ توقيع "اتِّفاق مكة"، وإقسامهم من على مقربة من "البيت الحرام" بكل ما يؤمنون به أن لا اقتتال بعد اليوم، نحو 150 قتيلا، و 900 جريحا معظمهم أصبحوا معاقين؟ الإجابة، التي تَلِد كثيرا من الأسئلة والتساؤلات، نتوصَّل إليها من خلال هذا الغيض من فيض الأمثلة.

لقد تناهى إلى أسماعهم نبأ إصابة شاب، من سكان بلدة بيت حانون، يعمل في "جهاز الاستخبارات العامة"، برصاص "مجهولين". ويدعى الشاب المصاب لؤي المصري. في الحال، اشتبك أفراد من "عائلة" المصري مع عناصر من "القوَّة التنفيذية" التابعة لوزارة الداخلية التي تسيطر عليها "حماس". في هذا الاشتباك، قُتِل أحد أفراد "القوَّة التنفيذية"، ويدعى باسل الكفارنة. ما أن تناهى إلى أسماع "عائلة" الكفارنة نبأ مقتل "ابنهم" حتى وقعت اشتباكات (ليس بالأيدي وإنما بالأسلحة النارية) بين "العائلتين"، أسفرت عن مقتل ثلاثة فلسطينيين آخرين.

وفي جولة من جولات "حرب الكل ضد الكل"، قامت "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الجناح العسكري لـ "حماس"، بمحاصرة "مستشفى" في بيت حانون. وقام "مسلَّحون" باختطاف أحد عناصر حركة "فتح"، فقتلوه، فأُرْسِل جثة هامدة إلى مستشفى الشفاء. "مسلَّحون" آخرون قاموا بقتل "قائد ميداني" لـ "كتائب القسام"، ثمَّ أحرقوا منزله ومشغل الأخشاب الذي يملك في المخيم.

وفي كل تلك الجولات، أو معظمها، يتَّهِم أحد الطرفين المتصارعين (على "السلطة" على ما يُقال) الآخر بأنَّه هو الذي تسبَّب بـ "الحادث"، فيَدْفَع "المتَّهَم" التهمة عن نفسه، مُتَّهِما "المُتَّهِم" بأنَّه هو الذي تسبب به.

"الحرب"، حتى "حرب الكل ضد الكل" بين الفلسطينيين، وفي قطاع غزَّة "المُحرَّر" على وجه الخصوص، تظلُّ امتدادا للسياسة؛ وليس من سياسة تقود هذه الحرب وتوجِّهها سوى السياسة الإسرائيلية؛ أمَّا مشعلو فتيلها، هنا وهناك وهنالك، والذين يوصفون بـ "المسلَّحين المجهولين الملثَّمين.."، فليسوا سوى نسخة، أو نُسَخا، فلسطينية من "المُسْتَعْرِبين"، الذين زرعتهم، وتزرعهم، إسرائيل (وغيرها) مع "قياداتهم السياسية"، في كل الأجهزة والتنظيمات العسكرية والأمنية الفلسطينية. هؤلاء خُلِقَ لهم من المصالح ما يجعلهم معادين أشد معاداة للشعب الفلسطيني.. لمصالحه، ولقضيته وحقوقه القومية. وهؤلاء هم الذين اغتصبوا "القيادة الفعلية" للفلسطينيين، وحوَّلوا قياداتهم الشرعية من الطرفين إلى ظلال فَقَدت أجسامها.

وإنَّه لَمِنَ الظُلم لـ "الحقيقة" أن تُفسَّر "حرب الكل الفلسطيني ضد الكل الفلسطيني" على أنَّها "صراع على السلطة"، فهي، في المقام الأول، وفي الجوهر والأساس، الجزء السرِّي وغير المُعْلَن من الحرب الإسرائيلية الشاملة على الفلسطينيين، وإنْ أظْهَرَها لنا بعض وقائعها وبواعثها على أنَّها "صراع على السلطة".

وإنَّه لَمِنَ الحرص على الشعب الفلسطيني وقضيته القومية، التي توشك أن تصبح في حال الموت السريري، أن يُدْعى، وأن يُعْمَل، من أجل نزع السلاح من أيدي الفلسطينيين جميعا، فلا يبقى إلا في أيدي أفراد قوَّة صغيرة من الشرطة التي لا أثر للسياسة في عملها.

ليس من موقف "سياسي" من "السلاح في حدِّ ذاته"، فالسلاح إنَّما يستمدُّ معناه من اليد التي تحمله وتستخدمه، ومن العقل السياسي الذي يوجِّه ويقود تلك اليد. وتأسيسا على ذلك أقول ليس من سلاح لدى الفلسطينيين الآن يمكن وصفه بأنَّه "سلاح للمقاومة"؛ لأنَّ "المقاومين" الذين يحملونه ويستخدمونه ما عادوا ينتمون حقَّا إلى "المقاومة".

على أنَّ نزع ذلك السلاح من أيدي المتقاتلين جميعا، ولو حلف بعضهم أغلظ الأيمان بأنَّه مُسَلَّحٌ من أجل فلسطين، يحتاج إلى "قوَّة مسلَّحة" تتولى نزعه، وتنبثق من "اتِّفاق سياسي" بين القيادات الشرعية في الطرفين المتصارعين.

وإلى أن يتحقق ذلك لا بدَّ من تأليف لجنة من الحكماء، لا عمل لها سوى "الجهر بالحقيقة"، فتَكْشِف وتفضح وتسمِّي كل طرف، وكل شخص، تسبَّب بافتعال حادث أمني، وإلا انتهت "حرب الكل ضد الكل" إلى فرض حلٍّ إسرائيلي على الفلسطينيين لا يُسَلِّم به من الفلسطينيين إلا كل من فَقَد آدميته، وليس فلسطينيته فحسب!