الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٦ مساءً

الغَصَة الدمشقية

هاني غيلان
الأحد ، ٠٨ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠١:٤٣ صباحاً
يفقد النظام -أي نظام- مبررات بقائه وأسس مشروعيته عندما يبدأ بإطلاق الرصاص الحي وقذائف الآربيجي والدبابات على رؤوس شعبه، ولهذا فرحيل (دولة الفساد) في سوريا مسألة وقت ليس إلا، طغمة الإستبداد التي ربطت نفسها بالمشروع الإيراني وطبيب العيون المصاب بالسادية الذي وضع شعبه -مكمموا الأفواه مغمضوا العيون- على سرير إحتضار قسري في غرفة إنعاش كبيرة بحجم وطن أسير، ثم قطع عنهم الأوكسجين والماء والغذاء وأخذ يزأر فيهم ويزمجر مُكشراً عن أنيابه القبيحة وهو يحُدُ سكينه ويرتدي حزامه الناسف واضعاً نفسه ومن حوله في مهمة إنتحارية مستحيلة لحماية كرسي حكمه المتهاوي!!

الحديث عن (الثورة العربية) بنسختها الشامية حديث ذو شجون -مُعطر برائحة البارود مُلون بالأحمر القاني- فهي ليست تمردأ مسلحاً كما تُصور لنا (بروماجاندا) البعث الإعلامية، ولا تنحصر في تنظيم أو طائفة بعينها، كما أنها بالتأكيد ليست مؤامرة تدار من تل أبيب ضد قلعة الصمود المنيعة وحصن المقاومة العتيد، بل هي إنتفاضة شعب حضاري شامخ يطمح للتغيير والتحرر والإنعتاق، هي ثورة تجاوزت كل رسائل التخويف ووسائل الترويع وتعدت نقطة اللاعودة بمراحل طوال، وهي أيضاً مسيرة حياة مظفرة لن تتوقف أبداً حتى تحقق النصر مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.

هناك في أتون (سجن تدمر) في مجاهل الأقبية التي جُهِزَت بـ (وحوش آدمية) تدق العظام وتنهش اللحوم وتشرب الدماء ولا تستسيغ العيش إلا على الظلم في الظلمات!! كان العام الماضي حافلا بالأحداث الجسام، حيث وقف العالم مشدوداً يتابع بذهول مشاهد صمود وبطولة وعظمة أسطورية لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، الشعب الثائر لكرامته المهدورة في مواجهة غير متكافئة مع -أخبث نظام في العالم- نظام العصابات والشبيحة والمخابرات الموغل في الغطرسة والتوحش والإجرام..

قيم الحق والعدل والخير والحب والسلام في صراع دامٍ مرير مع الطغيان الأهوج والشر المطلق، صراع مع سلطة بوليسية إعتادت الكذب والمراوغة والإنكار وإستمرأت قتل شعبها الصابر ببرود وتلذذ وتعطش عجيب، واهمةً بأن العنف وحده يمكن أن يبدد صوت الجماهير الهادر ويكسر مطالبها المشروعة، ولكن هيهات هيهات!! فالقوة المفرطة أججت نيران الغضب المكتوم منذ عقود وأعلت نبرة التحدي والمواجهة أكثر وأكثر.

ما يربو على ستة ألاف شهيد وشهيدة وإثناعشر ألف مهجر ونازح، أما أولئك الذين خطفوا وضربوا وأهينوا أمام كاميرات سجانيهم وجلاديهم وأرغموا على التلفظ بعبارات التقديس والتأليه للأسد وأسرته فلا يعلم أعدادهم الحقيقية إلا الله...

(حمزة الخطيب) وغيره مئات الأطفال ذُبِحُوا بغير رحمة وشُوهت جثثهم وأرسلت لذويهم كهدايا عيدية ومكرمة أسدية، ثم لُوحِق أهاليهم وقُنِصُوا أثناء تشييع جنائزهم ليدفنوا معا في مقابر جماعية!!

(زينب الحصني) اختطفت لإجبار أخيها الناشط الشهيد (محمد الحصني) على تسليم نفسه، وفي المستشفى عندما كانت العائلة المفجوعة تتابع إجراءات إستلام فقيدها الذي أغتيل غدراً، علمت أن فتاة في التاسعة عشر من عمرها ترقد في ثلاجة المشفى، فهرعت لترى إبنتها مقطوعة اليدين من الكتف، مفصولة الرأس مسلوخة الجسد من آثار التعذيب!!

للأسف!! لست أحكي هنا أحداث فيلم هندي ولا دراما رعب هوليودية، بل أسرد وقائع أكدتها وسائل الإعلام وعاشتها مدينة حمص التي تنتمي إليها (عائلة الحصني) المنكوبة والتي لم يسمح لها بتسلم ما تبقى من أوصال جثمان إبنتهم الطاهر إلا بعد التوقيع على إقرار يمنعهم من إقامة جنازة تليق بها في تجسيد فظيع لعقلية العنف التي لا تفهم أي معنى للقيم الإنسانية، عقلية البطش والقسوة والتجبر التي لم تسلم منها حتى بيوت الله فمُزِقت مصاحفها وقُصِفت مآذنها بالمدفعية وهُدِمت على رؤوس المصلين!!

مؤخراً سعي النظام لإفشال مهمة (بعثة المراقبين العرب) بتكرار سيناريو عام 1982عندما قام بسلسلة إغتيالات وتفجيرات متهماً الجماعات الإسلامية بتنفيذها، لتبرير فعلته السوداء بمدينة حماة التي راح ضحيتها نحو 30 ألف سوري!! ويبدو أنه لم يستفد من الدرسين اليمني والليبي حين حاول النظامان إستغلال فزاعة القاعدة دون جدوى.

كل ذلك لا يثنينا عن حث قوى الثورة على عدم الحديث حول شكل النظام القادم أو الخوض في تصورات البدائل الممكنة، والتركيز فقط على تكثيف الإعتصامات والمضاهرات على نحو يعجل بسقوط النظام أولاً، وإبتكار طرق أخرى لتوسيع دائرة الاحتجاجات وإفشال تكتيكات النظام في قمعها، وهو ما يجب التركيز عليه بدلاً من الإعتراك على جلد الشاه قبل سلخها.

سيندحر الظلم وستزول الغصة الدمشقية التي أوجعت قلوبنا حسرة وكمداً لا شك في ذلك -سيبقى الشعب السوري وسيسقط بشار الأسد- تنفيذاً لسنن الله في أرضه وعباده، مهما حاول الأرباب المزيّفون وعبيدهم المتزلفون تزوير الحقائق وتزيين الوجه القبيح لأسرة مجنونة إحترفت إرهاب شعبها وصناعة الموت وإقامة المجازر، وحينها سينادي مناد السماء: (.. وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً).