الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٢٦ مساءً

إيقاعات وجدانية ,,,, من وحي الثورة (20)

عباس القاضي
الخميس ، ١٢ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
صلاة الجمعة كالعادة في المسجد الجامع في قرية حَجَرْ, للقريتين, والذي بناه الحاج صلاح القتادي, وهذه الجمعة الغير اعتيادية, لم يذهب معظم الناس إلى السوق, ومن ذهب منهم عاد مبكرا ليشاهد هذا الحدث الذي لم يخطر على بال أحد منهم فرحا وغبطة, ومنهم فضولا واستطلاعا, لكنهم مجمعين بأن هؤلاء المهمشين أصبحوا أناس مثلهم, فعامل الدمج الاجتماعي خلال الأيام الماضية والذي أداها بإتقان فريق العمل ومعهم من سبق من المهمشين عندما كان يحضر بعضهم لتناول الوجبات ومن ثم نشرها لدى الباقين.

صعد الخطيب إلى المنبر وكان الخطيب : الشيخ عبد الله الطائع, فأخذ يجول ببصره على الحاضرين فوجدهم موزعين بين الحضور وكأنهم شامات سوداء على ثور أبيض.

كانت الخطبة تتوافق مع الحدث وترسخ مفهوم الإدماج, من خلال بيان أن أصل البشر واحد – كلكم لآدم - وما علق في أذهان الناس من التمييز الطبقي ما هو إلا انحراف في المفاهيم لنظرتهم للسلطة والمال.

فالسلطة : التي تكسب الحَسَب وتورِّث النَّسَب في مفهومنا الخاطئ ما هي في الأصل سوى وظيفة صاحبها أجيرٌ لدى عامة الشعب لا تُمَيِّزُهُ عن غيره فكل سلطة يقابلها مسئولية يكون محاسبا بموجبها إذا ما قصر في أداء عمله أو أنحرف بها , وتنقطع هذه الصفة بمجيء غيره ليقوم مقامه وبالتالي ينتهي هذا الحسب وينقطع توريث النسب لمن بعده .

أما المال : فهو عارية مستردة يضعه الله سبحانه وتعالى بيد من يشاء من عباده خِلْفَة ليرى هل سيراعى حقه في نقاء مصدره وسمو إنفاقه مراعيا ما أو جبه الله عليه, أي أن هذا المال زيادة في المسئولية لا شرف مخصوص لصاحب المال دون غيره.

أوردت هذين العاملين : السلطة, والمال, لأن الانحراف بدأ منهما, ثم انطلقا كشعاعين يتسع ويتسع حتى أصبح الذي لا سلطة له ولا مال يحقر الآخر ويستنقصه, هكذا دون أن يعرف لماذا وحتى الذي وقع عليه هذا الظلم وهذا الحيف لا يعرف هو الآخر, حتى استسلم ورضي بواقعه وهبط إلى مستوى لا يمكن تصوره الإنسان المتحضر, وها هم أخوان لكم جرى عليهم هذا الظلم المجتمعي ونسوا أنفسهم بعد أن نسوا الله, وكنا نهاب اقتحام مجتمعهم, حتى جربنا وكشفت لنا هذه التجربة كم كنا مخطئين بحقهم, عندما وجدنا هذا التجاوب الذي يتحدث عنه الواقع المعاش, لم يكتمل أسبوع وهاهم بيننا, وهذه الخطوة الأولى ستليها خطوات ألا وهو الإدماج الكلي بالتسكين, ونحن بحمد الله لدينا ما يمكننا تسكينهم بتعاون الجميع , وكذلك محو الأمية التي ستبدأ مع الانتهاء من العام الدراسي هذا العام , أما التشغيل فبحسب الخطة التي رسمناها, وسنقوم بعد صلاة الجمعة بأداء قسم الإدماج.

بعد الإنتها من خطبتي وصلاة الجمعة, قاموا متجهين نحو القبلة رافعين أكفهم إلى السماء؛ يؤدون القسم وكان نصه " نقسم بالله العظيم أن نعمل جاهدين لإدماجهم نفسيا بأن لا نذكر أحدا بالصفات التي ورثناها , ولا نأنف أن نخالطهم أو نجاورهم, وأن لا نفرق بين أبناءنا وأبناءهم, لهم مالنا وعليهم ما علينا, وإدماجهم بيئيا بأن نتعاون معهم لإيوائهم ما استطعنا,والله على ما نقول شهيد.

جلس الناس بعد أداء القسم كأن دوارا أصابهم لأنه قسمٌ صادق أحسوا بعده بإجهاد كأن كل خلية في أجسادهم أدت القسم, فلم يستطيعوا أن يحبسوا دموعهم , فعندما رفعوا أيديهم شعروا أن أكفهم تلامس السماء.

جلس الناس كلهم سوى عبده غبش , أشار لهم بيده للجلوس كأنه مايسترو يقود اوركسترا,وتعلقت أبصارهم به بما فيهم أرباب المشروع, والشيخ يقول في نفسه : مفاجأة لم يخبرنا بها , كنا ساعدناه في الفكرة والصياغة, لكن الشيخ هز رأسه يعطيه الإذن بعد أن نظر إليه عبده غبش يستعطفه بأن يسمح له, والناس تنظر إليه بعيون جاحظة, تنتظر هذا الذي كان قبل أيام لا يجيد سوى ضرب المرفع وهز الرأس وزغللة العيون أمام الأسياد ليستجدي العطف والعطاء, يا له من شرف ومقام كريم, وسعيد عجب كان جالسا فقام جاثيا على ركبتيه حبا وإعجابا بعبده غبش.

بدأ عبده غبش بحمد الله ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : لن أطيل عليكم لدي ثلاثة مواضيع :

الأول : عتاب , أوجهه لكم وأشار للشيخ ناصر ثم للشيخ هزاع ويقصد به سكان القريتين, قائلا : أتريدون أن تدخلوا الجنة ونُلقَى نحن في النار كلا والله, أمانة لم تؤدوها ولم تراعوها حق رعايتها, هل أسوار مجتمعنا منيعة لم تستطيعوا اقتحامها أم أبواب بيوتنا متينة لم تقدروا على طرقها, لقد عشنا لا نعرف من نحن؟ ولماذا نعيش ؟ أو إلى أين المصير ؟ كل ما نعرفه أن الشمس تطلع من هنا وتغرب من هنا وأن القمر يظهر أيام وأيام يغيب, فالله المستعان.

الثاني : شكر , أوجهه لهؤلاء الثلاثة الشيخ والحاج والأستاذ الذين أنقذونا, طرقوا أبواب بيوتنا فاستجاب لهذه الطَّرقات قلوبنا.

الثالث : مقترح , وهو أن أسماءنا هذه لم تعد تناسبنا , نريد أن نمحوا ماضينا بما فيه من بؤس وشقاء ونفتح صفحة جديدة فيها العزة والكرامة وهي لعمري قمة الرخاء, لذلك أبدأ بنفسي, ولأنني أول من استجاب لهذه الدعوة من المجتمع أكني نفسي بأبي بكر, فقام سعيد عجب فقال : وأنا عمر, رد عليه عبده غبش: اسمك سعيد ولكن سوف نفكر باستبدال اللقب بما يتناسب مع الوضع الجديد,, واختتم حديثه كما بدأ بالحمد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.