الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٥ صباحاً

كارثة أسمها القات ..!

موسى العيزقي
الأحد ، ١٥ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٥٩ مساءً
الحديث عن القات حديثٍ ذو شجون، فالحديث عنه حديث عن (أفيون الشعب اليمني).

فهذه الشجرة التي يعود الفضل في اكتشاف مفعولها السحري لـ( تيس)،باتت اليوم العنصر الرئيس في حياة الكثير من أبناء الشعب اليمني،وبمختلف توجهاتهم ومشارفهم، وأعمارهم، وجنسهم.

حيث يتناول القات غالبية أبناء الشعب، وبشكل يومي ومنتظم ولساعاتٍ طويلة قد تصل إلى(10) ساعات في اليوم والليلة، وتّنفق في سبيل الحصول عليه الأموال الطائلة، كما وتخصص لتناوله المجالس الفارهة، والأماكن الهادئة.

ويحرص متناولوه على شراءه في أوقات محددة، سيما فترة الظهيرة حيث يسعى الجميع إلى الوصول مبكراً للسوق من اجل الحصول على نوعية ممتازة منه.

ويتنافس المقاوتة على جلب أفضل أنواع القات حرصاً على كسب كم كبير من الزبائن، حيث تتنوع أصناف القات ومسمياته، فهناك القات( الصوتي، والمريسي، والشعيبي، والسحولي، والارياني.)..الخ

بداية ظهوره وانتشاره

تشير المعلومات التاريخية إلى أن صنعاء عرفت القات في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وتحديداً في منطقة ( الحيمة)، ثم أمتد إلى بني مطر، والمناطق في شرق حراز، وفي الربع الأول في القرن العشرين بدأ ينتشر في همدان.
ومنذُ بداية دولة الإمام يحيى بن حميد الدين العام 1919م، كان لا يتعاطى القات إلا كبار رجال الدولة والموظفين، وأصحاب رؤوس الأموال، بينما يتناوله الآخرون إلا في المناسبات المختلفة،و بنسب متفاوتة نظراً لارتفاع أسعاره.
كما وتشير بعض المعلومات التاريخية إلى أن القات بدأ بالانتشار منذُ العام (1948م).
حيث أنتشر بين شرائح المجتمع وقطاعاته المختلفة، حتى وصل إلى أعلى الطبقات القيادية، والثقافية والاجتماعية ( المشائخ، والشعراء، والأدباء، والمثقفون)، وقد كان الشاعر عبد الله الإمام من أبرز الشعراء الذين اشتهروا بتدوين قصائد كثيرة في القات.
ومع بداية العام (1960-1991م)، كاد القات أن يعم القرى والمناطق الزراعية الكبرى في اليمن لاسيما في الأرياف والمناطق الزراعية الكبرى.

الأتراك والقات

ومن الأحداث التي ذكرتها كتب التأريخ حول القات، أن الأتراك كانوا يسعون إلى القضاء عليه حيث شهدت المناطق الخاضعة لسيطرتهم حملات مكثفة ساهمت في التخفيف من زراعته واستخدامه، لاسيما تلك الحملات التي كانت تؤدي إلى إحراقه داخل المزارع.

أثار القات


ومما لاشك فيه أن القات سلاح ذو حدين، يؤثر سلباً وإيجاباً على متناوليه ، وعلى المجتمع ككل، ولكن أثره السلبي أكثر من الايجابي ولعل ابرز أثاره وأضراره تكمن في التالي :
- تعاطي القات من أهم مصادر القلق وذلك لما يترتب عليه عدم الاستقرار النفسي لدى متعاطيه وتعرضهم للاضطرابات النفسية والجسدية، حيث يعاني مدمني القات من تقرحات مزمنة في الفم واللثة واللسان، كما يؤدي إلى ارتخاء اللثة وضعفها وكذلك بالنسبة للأسنان.

- القات مسبب رئيسي يؤدي إلى الإمساك وسوء التغذية وفقدان الشهية مما يؤدي إلى الإصابة بمرض البواسير.

- أثبتت الدراسات والتجارب أن المواد الكيمائية التي ترش بها شجرة القات تؤدي إلى زيادة ضربات القلب وتضيق في الأوعية الدموية مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم عند المصابين به ، وكذلك تعرض الشخص السليم إلى الإصابة به.

- القات يسبب لمتعاطية صعوبة التبول والافرازات المنوية اللاإرادية بعد التبول وأثناء المضغ وذلك لتأثيره على الحويصلة والبروستاتا ومما يؤدي إلى الضعف الجنسي.

- يصاب متعاطي القات بالفزع والشعور بالحيرة والريبة والقلق والاكتئاب والنوم المتقطع وكثرة التفكير مما يؤدي إلى الجنون.
- لاحظ الأطباء ارتباطاً وطيداً بين حالات سرطان الفم والفك، وبين الإدمان على تعاطي القات وذلك لما يرش به من مواد كيمائية تساعد على نموه بشكل أسرع.

- كما أكدت الدراسات والمسوحات الميدانية إن شجرة القات أصبحت تسيطر بزراعتها على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في اليمن ، فلقد ألحقت الضرر على زراعة العديد من المحاصيل التي كانت تشتهر بها اليمن منذ القدم ( كزراعة البن والعنب ) وغيرها من المحاصيل الزراعية والتي قضت عليها شجرة القات وذلك من خلال انتشارها المتسارع.

فلقد شهدت اليمن خلال العقدين الآخرين زيادة كبيرة في حجم المساحات المزروعة بشجرة القات وبنسب عالية جداً بل ومخيفة جداً تصل إلى (21% )حيث ارتفعت هذه المساحة من (8) ألاف هكتار مع نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي لتصل إلى ( 103%) هكتار العام 2000 م ، حيث حققت قفزة عالية تصل إلى أكثر من (20 )ألف هكتار بنهاية عام 2007م.

وحسب الدراسات والمسوحات التي قامت بها هيئة البحوث الزراعية اتضح إن شجرة القات تستهلك ما يقارب الـ (30)% من الاستخدامات الزراعية للمياه الجوفية حيث يصل معدل استهلاكه من المياه إلى (850) مليون متر مكعب سنوياً.

ثم قدرت دراسة علمية حجم الإنفاق السنوي على تناول القات بأكثر من مليار دولار وهو ما يشمل حوالي ربع الناتج المحلي.

ختاماً... القات آفة كبيرة، وشجرة خبيثة، وكارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، باتت متوغلة، ومتجذرة في أوساط المجتمع اليمني، ولا يمكن الخلاص منه إلا إذا وجُدت النية الذاتية، والإرادة الفولاذية من قبّل متناوليه، هذا من جهة، من جهة أخرى إذا كان هناك رغبة وتوجه حقيقي من قبل الدولة ورجال السياسة، وذلك من خلال تبني مشاريع بديلة، وإصدار تشريعات وقوانين كفيلة بمنع زراعة القات.