الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٥ صباحاً

الثورة العنكبوتيه والربيع العربي ,,

صالح السندي
الاثنين ، ١٦ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
الشبكه العنكبوتيه ودورها الرائد في ثورات الربيع العربي فاقت كل التصورات والاحداثيات وتجاوزت الواقع الى ما هو ابعد لتؤثر بشكل سريع وإيجابي في مجريات الاحداث , وصياغة آخر التطورات في سرعه قياسيه كبيره , وفي قواصل زمنيه صغيره , ولان التكنولوجيا الشبكيه المعلوماتية العصريه كانت هي ثورة القرن الحادي والعشرين بامتياز , نتج عنها تباعا ثورات الربيع العربي بصوره عصريه وحضاريه متقدمه , تناغم التغييرالحاصل في شتى مجالات الحياه العصريه , وتوافق مسيرة التطور الانمائي للعنصر البشري في مجال التقنيه البرمجيه والعلميه المواكبة للعصر .

فخرجت الثورات بلباس عصري جديد متميز , واكتست تحركاتها ملامح الانتاج النوعي والفني الرائد المتقدم , مناقضة بذلك ثورات خمسينيات القرن الماضي باختلاف وسائلها الحربيه والعسكريه والسياسيه , ودوافعها وشعاراتها القومية العربيه التحررية من الاستعمار والاستبداد , ثورة العصر اكتسبت قدرات استثنائيه سخرتها الثوره العلميه في مجال الشبكه المعلوماتية لخدمة المستقبل , واصبح العالم كله بين يديك قرية صغيرة واحدة , ومنظومة اجتماعية متواصلة بدقة عاليه وسرعه منقطعة النظير , ولما لهذه الوقفه والمقارنه من أهمية , لابد من وضع رؤيه معينه حول الثورة العنكبوتيه , وتأثيراتها المستديمة على الثورات العربيه , حيث اصبحت في مجملها قنوات ارضيه كابليه متحركة , ببث مباشر للاحداث والمقاطع والاخبار والصور والحقائق , واصبحت الثوره في مضمونها معزوفه سيمفونيه رائعه متناغمه مع الاحداث , لسهولة ايصالها والتقاطها وتحليلاتها , وفي ثوان معدوده , كانت الصوره تنتقل عبر الشبكه وبسرعه فائقه ليشاهدها العالم اجمع .

شباب ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وغيرها من الاقطار المشتعله التواقه للحريه والتغيير السلمي , كان سلاحهم الوحيد بداية , عبر الشبكه العنكبوتيه , فمن خلالها تمت الدعوات للمظاهرات العارمه , والتنسيق لها والتغطيه الاعلاميه والعالميه , وتنظيمها التنظيم المسبق الصحيح وتحديد المكان والزمان لاجراء فعالياتها , وكانت بحق عنكبوتيه فعلا نسجت شباك نهاية انظمه مستبده بقوة وجداره , ما كان لقوة السلاح وحدها ان تسقطها , وبالنسبه لنا كانت نقله نوعيه رائده في مجال التنظيم الشبابي والحركي اليمني بمختلف مكوناته وكوادره التنظيميه , فحينما تسخر قنوات الدوله وفضائياتها و امكانياتها لخدمة الانظمة الاستبدادية الديكتاتوريه , لم يجد الشباب بدا من ايجاد طريقا آمنا آخر لنقل طموحاتهم وتطلعاتهم وآمالهم للحياة الكريمه , ولان هذه الانظمه لم تجهز عتادها وقواتها ومخططاتها الدفاعيه الاستراتيجية للبقاء والدسمومه , ولم تجند ميزانياتها المهوله لحرب طويلة الامد مع عدو مجهول قادم من الداخل , عدو لا تراه ولكنها تشعر بأثاره السلبيه على واقع الانظمه , محارب خفي يجيد فن الضربات الموجعه القاتلة , ويصيب في العمق دون توجس او رقابه وبإتقان شديد , ولا تدري مصدره ..وكيفية هجماته المتتابعه , لهكذا عدو لم تبتكر العقليه الديكتاتوريه اي سلاح قوي وفعال للمواجهه .

انها ثوره مفصليه جباره تنتشر عبر الاسلاك والكابلات لتملاء العقول وتشحذ الهمم وتغذي الطاقات , وتضع بصمات على الواقع دون أدنى تردد, وتترجم معاناة الشعوب في تسلسل درامي بديع , وشباب اليمن وثوارها الاحرار لهم الريادة ايضا في العمل الثوري المنظم تزامنا مع الثوره العنكبوتيه , وشكلوا منذ بدايات الثوره ساحات حوارات ومجموعات ثوريه متجذره في عمق تكتلات شبابيه ونظاميه هدفها الوحيد اسقاط النظام , وكانت العنصر الاساسي وحلقة التواصل بين الداخل والخارج , وتغطية المسيرات الشبابيه , ووضع التصورات والحلول والرؤى الثورية , واغراق النت بمقاطع الفيديو , ونقل تحركات الثوره بكامل احداثها وتطوراتها , ورصد كافة تجاوزات الانظمة ومجازرها , بالصوت والصوره والادله القطعية , وتفنن البعض ابداعا في التوثيق بشكل مجموعات حقوقيه ضد أباطرة الفساد والاجرام , وسجلت لذلك القوائم السودآء , منتظرة اليوم الذي يحاكمون فيه هؤلاء القتلة والمجرمين .

لم تتوقف أثار الشبكه العنكبوتيه وتداعياتها عند هذا الحد فحسب , بل اصبحت في مجملها مصدرا رئيسيا و ملهما اساسيا لاغلب الفضائيات الحره لنقل الحقيقه كاملة , فدموع عتاب بنت الشهيد ما كادت لتجف حتى تناقلتها جميع الوسائل بحرقة وأسى , ولم تكد الدماء لتجف في جمعة الكرامه وعلى طريق مسيرة الثوره حتى كان العالم اجمع يشاهدها , وما كان لافتا للانتباه هو , التنظيم والتنسيق والتحرك الثوري خاصه في تسمية الجمع الثوريه , فبمجرد اقتراح من شخص ما إلا وضجت تباعا الشبكه بهذا الاسم بما يتناسب مع الحدث المعاصر وخبر الساعة , لنراه في اليوم التالي عنوان لثورة وجمعة وطن , وترى الشبكه الفيسبوكيه منتجعا دسما للقاده والمفكرين والساسه واكثر الاقلام الصحفيه والادبيه والثقافيه الرائدة في الساحه اليمنية , ولاغلب الاسماء بروزا في الحركه الوطنيه للتغيير , وهناك تدار الحوارات والمناقشات وإبدآء الأرآء بموضوعية والنقد البنآء , لتخرج بنظره متكامله وربما توافقيه لما يمليه العمل الثوري والوحدة الوطنيه .

ومن الساحات تكثر المشاركات ونقل الصورة كاملة للخارج وللاخوه المغتربين خارج الوطن , وكما كان الشارع مسرحا للصراعات والمظاهرات والمسيرات معارضة ومؤيدة , كانت الشبكه العنكبوتيه ايضا مسرحا حافلا بكل هذه التناقضات , فالاخوه انصار النظام لهم تكتلاتهم وعيونهم ومصادرهم وانصارهم , وبغض النظر عن السلبيات الحاصله او الجوانب المظلمه في هذا التكوين والتقسيم الاساسي , الا ان جانبه الايجابي ترك من الصوره المنفرده للوحدة الشبابيه والوطنيه هدفا محققا وواقعيا , فبالحوار الشبابي مع مختلف المؤيدين والاقناع والمنطق , اكتسبت الثوره مع الوقت زخما متناميا وعاليا , وانضم كثير من الشباب والفكر المؤيد الى رحاب الثوره الواسع , لذا وكانت هذه هي السمه الاساسيه لكافة التغيرات الوطنيه والواقعيه بالا ننفي الدور الاساسي للثوره العصريه والعلميه , وتأثيراتها الايجابيه على الواقع الوطني , فكانت متزامنه بل ملهمة لثورة الشباب وتبادل الرؤى والاتفاق على محاور معينه وصور توافقيه لتحريك الطاقات الشبابيه الهائلة , وكانت ايضا نوعا جديدا من الثوره التوعويه الجسوره الخلاقة , خلقت روحا من الوعي والثقافه الثوريه منقطعة النظير , فكان الشباب ايضا وهو الثائر يعي تماما ما يريد وكيف يتحرك وماهي الخطوة القادمه , ومتى يجب ان يتوقف او يتحرك , وكيفية التعامل مع التغيرات الراهنه والمراحل السياسيه المعاصره بمرونه وخفه وسرعة ردة فعل , والتاثير عليها بما يتناسب مع تطلعات الشباب والمصلحه العامه .

وهو إن كان بعيدا فعلا عن مراكز صنع القرار , ولكن له اليد الاولى المؤثره كليا في صنعه وتغييره حسب الاهداف التي خرج من أجلها , عن طريق الصوره الرقابيه والرصد والتواصل الاجتماعي , ونقل الصورة الوطنيه كامله بحقيقتها ودون رتوش او تلون تجعل من الشباب اليمني فعلا قادرا بامكانياته المتواضعه قدره لا يستهان بها في تحقيق الوطن الذي يحلم به ويصبو اليه , وبذا تسطر الشبكه العنكبوتيه بصمات لا تمحي في تاريخ وذاكرة الشعوب , ودورا بارزا في مختلف جوانب الحياه اليومية , و تضع تقنيه جديده وعاليه وسهله في متناول اليد في عالمنا المعاصر , وكانت بحق فعلا ثورة نوعيه ورائده في حاضرنا , وانجبت بذلك جيلا شابا جديدا قادرا ببساطه وهو خلف الشاشه ان يسطر حاضره ومستقبله , ويساهم في الحملات الوطنيه والحقوقية ونشر الافكار البناءه , لمافيه مصلحة الوطن , وقراءة الصحف وآخر التطورات واستلهام الغد برويه وموضوعيه بحته , وبناء يمن جديد يتسع للجميع , خال من الفساد والصراعات والفتن والحروب المذهبيه والطائفيه والمناطقية , ويساهم في الاصلاح الاجتماعي والخيري للبلد , ويعمق مفهوم الوحده الوطنيه , والاخوه الصادقه بين مختلف ابناء الوطن الواحد , وغرس قيم الولاء والانتمآء لهذا الوطن الكبير .