الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٨ مساءً

العامل يخطط للعودة

جمال عبد الناصر الحكيمي
الثلاثاء ، ١٧ يناير ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
العامل في القطاع الخاص يتكلم، وفي تعز، عمال يصرخون ضد أصحاب العمل ومكتب العمل ومؤسسة التأمينات.. ولكن السؤال هو: هل سيصل العمال إلى خطوات متقدمة بحجم جهودهم واستكانتهم طيلة عقود؟ وهل سينجحون باستعادة موقعهم المخطوف من "اتحاد" مرهون برضاء أصحاب المصالح؟

في الأشهر الفائتة نفذ عمال من القطاع الخاص بالمدينة سلسلة من الاعتصامات والتظاهرات الاحتجاجية، محاولة منهم لتحسس أصواتهم في كل شارع مروا به. في احتجاجهم الأخير صرخوا بشجاعة أمام مكتب العمل ومؤسسة التأمينات ضد تاريخ طويل من التساهل في تطبيق النصوص القانونية التي تنظم العلاقة بين أطراف العمل وانتداب ممثلين (دون صفة شرعية) لهم في اللجنة التحكيمية وعدم تمثيلهم في مؤسسة التأمينات.. ما يبشر بعودة العامل إلى الواجهة بعد غياب دام طويلاً. ولكن المزعج بالنسبة للاحتجاجات ليس اتجاهها الساخط، مايسجل حضور العامل لممارسة دوره، بل هو هتافات تروي غليل العامل من موظفين سٌمعتهم تأذت في ذهنية العامل كعدوى ثورية دون تمييز من قسم كبير منهم بين أدوار الموظفين ضمن منظومة الفساد! من يعارض ومن يبارك فعلاً ماحدث من تعليق طويل للقوانين وضعف الأداء؟
كان الضجيج يطغى على التفريق بين مكتب العمل ومؤسسة التأمينات. هذا مؤشر على أن الكثيرين- رغم مستوياتهم التعليمية المتفاوتة- لايدركون جل حقوقهم ولا يواكبون المفاهيم المتصلة بها بسبب حالة الضعف التي أصابت الكيان النقابي المعني برفع الوعي الحقوقي للعامل بوجه عام، وانعدام التنظيم النقابي في القطاع الخاص على وجه الخصوص، ، وجشع أصحاب العمل، إضافة إلى انعدام الاهتمام بالعامل من الأحزاب والمنظمات.

ولايمكن تجاهل أن العامل نأى بنفسه عن المشاركة في صياغة الواقع، بفعل ضغط قوة استغلالية لاتتفاهم معه مع حفظ الكرامة.. حيث إن التشريعات والقوانين المتعلقة بحرية التنظيم النقابي وعقود العمل الجماعي والرعاية الصحية والتأمين على إصابة العمل وتحديد الأجر والتفتيش داخل منشآت العمل... لم يحدث تطبيقها، بل استمر اختراق النصوص القانونية المعمول بها بالحد الأدنى من الحقوق كأوقات الراحة والإجازات؛ وتعديل نصوص أخرى وإصدارها بمرسوم رئاسي دون موافقة البرلمان كما حدث عقب حرب94، وبالتالي أضحى العامل حبيس" الستار الحديدي" لإرادة أصحاب العمل، ممن تشددوا في رقابة العامل لدرجة عدم الاكتفاء بجيش المراقبين ورصد كاميرات المراقبة.

وصحيح أن هناك عدداً من أصحاب العمل والسياسيين وغيرهم ممن وجهوا بعض الاهتمام لحرمان العامل من الكثير من الحقوق، لكنه اهتمام دون تصويب ولم يؤدي به إلى حراك لإنهاء المشاكل وتحقيق التطلعات، بل فتح باباً لاختطاف موقع العامل من خلال تمثيله في اتحاد يتبادل الرئيس والأمين- المواقع دون أن يعمل على إيجاد بنية تنظيمية يقوم من خلالها بإشراك العامل في القطاع الخاص وتسجيل حالة الحرمان من الحقوق وما يتعرض له من تعسف والتدخل لدى الجهات المسؤولة لوقف المعاناة، وتأمين الحماية القانونية له، حين إقدامه على المطالبة بحق من حقوقه أو التعبير عما يخدش كبرياء صاحب العمل.

ومع قلة عدد النقابيين من العمال الذين لديهم الوعي الكافي بالحقوق والحريات وعمل كل منهم بشكل منعزل عن الأخر، وعدم قيام الجهات المعنية بدورها، فإن مشاركة العامل في تعزيز الحقوق واستصدار القوانين وتوجيه السياسات تكاد تكون معدومة. وكذلك عدم وجود تمثيل للعامل في البرلمانات السابقة للضغط الإيجابي على السلطة السياسية زاد من حالة تهميشه، في المقابل حظي النظام الاستغلالي بالاهتمام من خلال التسهيلات والتشجيع والشراكة، فأصبح العامل وقودا في الانتخابات ولم يشعربه ممثلين الشعب عندما ساءت حالته، كونه الأدنى أجراً، فأضافوا بذلك كابح نفسي جديد أمام تقدمه وارتقائه .. مايثبت نفوذ الاستغلال عند تحقيق النصر.

لهذا من الأهمية بمكان أن يحظى العامل في المرحلة المقبلة بالتضامن مع معاناته ومنحه الفرصة للعودة كعامل (فعلي) لامعمولاً به؛ فمن الضروري أن تتحرك وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في صلب مهامها بعيداً عن اشكال الاحتواء الموروثة لكي تعيد الثقة للعامل ، ويتطلب منها اتخاذ اجراءات سريعة للحد من الاستغلال والمخالفات القانونية، وكذلك وضع آليات محددة للفصل في التعامل بين العجزة والمعاقين وبين العمال كحالة غير منفصلة – تم التعامل معها سابقاً- بما في ذلك اجراء نقاش علمي حول علاقات العمل وحقوق العمال ومثالب النصوص القانونية الصادرة وكيفية تطويرها تحت شعار(العامل أولاً).

إن قاعدة أساسية من بناء الدولة المدنية يعتمد على تحقيق ماالتزمت به الحكومات السابقة من القوانين والمعاهدات مالم تعمل على تنفيذه في الواقع، وإعطاء العامل الأولية في تأسيس كيان خاص به وردم الفجوة بينه والسلطة السياسية، لكي تتحقق الانطلاقة الحقيقية الواعية له في المشاركة مع الأحزاب والمنظمات في تكريس منظومة الحقوق والحريات، ويأتي ذلك عبرايجاد المناهج والطرق التي تحقق المساواة، بحيث يصبح للعامل دوره في الحياة الجديدة ليحتل موقعه الذي يستحق، لما يمثله من اتساع وقوة اقتصادية واجتماعية في سبيل تطوير المجتمع.

ولعله من اللافت الإشارة إلى بدء ثقافة جديدة ملحوظة في تأسيس (الحركة العمالية الشبابية) وأخواتها، التي انبثقت عن العمل في ساحات الحرية والتغيير، لترص الصفوف وتستحث التفكير لإعادة صياغة العلاقة مع أطراف العمل ووضع حد للتحالف القديم بين السلطة وراس المال. وهوما سيؤدي إلى وضع الحكومة الانتقالية أمام مسؤولياتها في الإفصاح عن توجه جديد لتطوير وزارة العمل ومؤسسة التأمينات وعلاقتها بالعامل- عندما يتحرك لممارسة حقه في التنظيم النقابي كقاعدة أساسية في بناء الدولة المدنية، وحتى الوصول إلى العدالة. رغم أنه مايزال أمام العامل طريق طويل لكي يتخلص من الصورة المطبوعة في ذهنيته عن أن أي خير يصيبه هو"منة ورحمة" من أصحاب السلطة والمال، ويكتسب ثقافة جديدة تمكنه من المشاركة في تشريع القوانين وتنفيذها في المستقبل، حتى لاتبقى حقوقه في أيدي موظفي الوزارة وممثلين أصحاب العمل؛ لكنه طريق شاق إذا لم تتغير ثقافة التفوق المسيطرة على عقليات أصحاب العمل، والتفاني في الربح عوضاً على الاستغلال.. وهو مرهون بمدى قدرة الحكومة الانتقالية في تطبيق مبدأ سيادة القانون!!