السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٩ مساءً

حكومة هيا نلعب "عروس وعريس"! 1-2

فكري قاسم
الاربعاء ، ١٨ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
زمان واحنا صغار كنا - صبيان وبنات - نلعب - مُختلطين - في الحارة لعبة اسمها “عروس وعريس”، وهات يا هنجمة فوق نسائنا في اللعبة.. واحد يأمر زوجته: ما فيش لا دَخْلة ولا خَرْجة من البيت وإلا شكسر رجلك، والثاني يطلب من عروسته أن تتحجّب وألاّ تفتش عن وجهها لمخلوق، حتى لو كان هو.. المهم منك يا صدق، وتمضي سويعات اللعبة، وكل واحد مننا راكن إنه “سبع البُرمبه”، ومع أذان المغرب - حين يبدأ الظلام - تنتهي اللعبة، ويروح كل واحد عند أمه.

وهكذا في اليوم الثاني.. يللا نلعب “عروس وعريس”؟ تبدأ اللعبة وندخل في الجد، والتي كانت بالأمس زوجتك تلعب معك اليوم دور الأم.. وفي كل الأحوال حتى لو لعبت المرأة معنا دور صقر قريش تبقى هي تلك التي نطالبها بعنجهية ألاّ تدخل ولا تخرج حتى لو قد كُفار قريش على عتبة باب البيت! ها وإلا كيف سنكون رجالاً مُسبّعين مُربّعين إن لم تفعل ذلك!.

بالمناسبة لعبة “عروس وعريس” تذكرني الآن بحكومة الوفاق الوطني – التي أتمنى لها مخلصاً ومن كل قلبي أن تتوفق - لكنني كلما قلبتها - أخماساً وأسداساً في رأسي - يسري في فؤادي نفس ذاك الشعور القديم حينما يبدأ الظلام وكل واحد – بالتأكيد – سيروّح بيتهم ويختمد سكتة.

لست متشائماً ولا “مندَساً” ولا مبعسِساً، لكنها الحقيقة التي لا ينبغي التهرّب منها، حتى وإن كانت اللعبة ممتعة وظريفة.
كل وزراء حكومة “عروس وعريس” أدوا القسم – هذه المرة في مشهد تراجيدي أمام نائب الرئيس - لكنهم في واقع الحال وزراء لا يمتلكون سيطرة على وزاراتهم، وحين سيحاول أحدهم أن يأخذ الأمر بشكل جدي سيكون قد جاء موعد أذان المغرب، لتنتهي اللعبة ويعود كل منهم إلى بيته!.

لنأخذ مثلاً وزارة الدفاع، وهي أهم وزارة سيادية تشكل عصباً حساساً لدى منظومة “صالح”، وعليه أتحدى أي واحد منكم يستطيع الجزم بأن وزير الدفاع يستطيع أن يمارس مهام وزارته وينفذ قراره على أهم وحدات الجيش سوى تلك المتعلقة بالحرس الجمهوري أو بالفرقة الأولى مدرع.. وقلك ليش أتذكر لعبة “عروس وعريس”؟!.

بالمثل - أيضاً - فإن وزير الداخلية الجديد هو الآخر مورّط بدعابة “عروس وعريس”، ولن تستطيع قراراته الاقتراب من وحدات الأمن المركزي.. وحتى نائب الرئيس نفسه هو الآخر”عروس وعريس”، وإذا ما فكر بالاقتراب من جهاز الأمن القومي والأمن السياسي سيكون الظلام قد بدأ حينها، وسيتعيّن على “منصور” الذهاب سريعاً إلى البيت قبل أن يأكله “البوبُح”!.

رئيس الوزراء هو الآخر “عروس وعريس” بدرجة امتياز خصوصاً إذا ما عرفنا أنه رجل لا يتكىء على حزب ولا على قبيلة ولا حتى على قاعدة شعبية دفعت به إلى رئاسة الحكومة. وإنني هنا لا أقلل من شأن أحد - لا سمح الله - بل أتحدث عن حكومة غير متماسكة وغير متجانسة وتسير على أقدام بلا نفوذ، ما يجعل من إصابتها بشلل الأطفال أمراً متوقع الحدوث، لمجرد أن يختلف أولئك النافذون الذين لايزالون – من وراء الستار- يشاهدون اللعبة بعيون ليست بريئة على الإطلاق.

هذه الحكومة - بالنسبة إليهم - ليست أكثر من مجرد بالون اختبار لقياس مستوى الدعم الخارجي الذي ستحظى به، ما يجعلني لا أبدو متفائلاً بأنها ستستمر طويلاً؛ ذلك لأن مراكز القوى التي تمتلك خيوط اللعبة ليست داخلة فيها مباشرة، بل وصية عليها وتعطي توجيهاتها - مختبئة في منتصف الخشبة - داخل صندوق صغير يعرفه مخرجو وممثلو المسرح جيداً.

لكن ما لا يعرفه أولئك النافذون.. أو بالأصح ما لا يأبهون له جيداً، هو أن المجتمع الدولي الذي فشل في الصومال لم يأتِ إلى اليمن من أجل مراكز القوى المتصارعة، بل خوفاً على مصالحه التي ستتضرر جرّاء أي حرب أهلية سيكونون سببها.
إنهم يعرفون جيداً - كما نعرف نحن أيضاً - أن مراكز القوى المتصارعة محلياً لا يتمتعون بالحكمة والضمير الكافيين لترك اليمنيين - وبشكل جِدّي - يبنون دولتهم المدنية الحديثة.

وفي المقابل – أيضاً - فإن المجتمع الدولي هو الآخر لا يمتلك قلب أمّ رؤوم سيكون بوسعها تحمل فشل اليمنيين إن لم يتفقوا، وأغلب الظن أن المملكة – في هذه الحال - ستتخلى عن شقيقتها المنهكة، وسيكون مجرد إيجاد أنبوب نفط من حضرموت إلى بحر العرب وفصله عن اليمن مشروعاً أسهل وأقل كلفة بالنسبة لها - ولأمريكا أيضاً - من خوض صراع آني مع إيران حول مضيق هرمز الذي يتحكم بـ 40% من نفط العالم، وهو الأمر الذي سيجعل من حضرموت – لوحدها، وهي المطلة على بحر العرب والمحيط الهندي - أقرب إليهما من الحبل السري لأرباب اللعبة الوضيعين.

ولئن كان معلوماً للجميع أن مراكز القوى الذين “فسقلوا” الثورة والذين عطلوا حياة اليمنيين من قبل، لا يمتلكون ذرة ولاء لهذا البلد “الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”، ولكنني لا أعرف متى سيعرفون – جيداً - أن مراهنتهم الطويلة على دعم المجتمع الدولي لبلد كسيح كهذا الذي عطلوه، تشبه – تماماً - المراهنة على الساحر؟!.