الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٩ مساءً

مدد يا شباب مدد .. لا مطلع ولا منزل

عارف الدوش
الاربعاء ، ١٨ يناير ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ مساءً
• سألني شاب من جيل التسعينات، جيل الوحدة هل صحيح أن حرب صيف 94 التي يسميها الكثير من الكتاب وأنت أحدهم بالحرب المشئومة ؟ وذات مرة وصف الدكتور ياسين سعيد نعمان - الذي يمكنني كشاب أن أطلق عليه بانه أحد أهم حكماء اليمن - الحزب الإشتراكي بالمغدور بحرب صيف94 وأتذكر إني قرأت نفس الوصف على الجنوب وابناء الجنوب ، وللأسف ظلينا نسمع أبائنا وأمهاتنا وأصدقاء العائلة يتحسرون على أيام عاشوها في عدن ، رخص الأسعار والنظام والقانون والأمن والأمان، بساطة العيش ومجانية التعليم والعلاج ، وفي أحدى المرات صدمتني وأنا الشاب الذي ولدت في عام تحقيق الوحدة عبارات مثل: أن عيال المسئولين في الجنوب سابقاً كانوا مثل بقية الناس يدرسون معاً في مدرسة واحدة وإذا مرضوا يذهبون الى مستشفى واحدة، وسمعت أبي مرة يتكلم مع صديق له أن قادة الدولة السابقة في الجنوب ووزرائها كانوا يسيرون في الشوارع يسكنون في مساكن عاجية متواضعة مثلهم مثل الناس العاديين ويجلسون في المقاهي والأرصفة وفي ساحل البحر مع عامة الناس بدون حراسات وهيلمان ونخيط.

• كان الشاب الذي بدأ عامه الثاني والعشرين يتحدث بنبرة حزينة وطلب تفسير لوصف حرب صيف 94 بالمشئومة ولماذا يوصف الحزب الإشتراكي اليمني والجنوب بالمغدور، فقلت له: لدولة الجنوب السابقة ايجابيات وسلبيات ، لكن من سمعتهم عاشوا سلبيات أكثر بعد تحقيق الوحدة فطغت ايجابيات الزمن الجميل السابق وظلت كذكريات جميلة يتحسرون عليها ، وفجأة قطع الشاب العشريني حديثي وقال: سأقول كلاماً ولكن بدون زعل ، أنا اسمع كلام مثل " هاذول ... أصحاب مطلع الواحد منهم معه ثلاثة وأربعة رواتب أراد الشباب العشريني أن يغرقني بموجة كبيرة من الإحباط أو يصيبني بالحيرة كما هو مصاب بها.

• قلت هذا الشاب العشريني الجدلي لن يقنعه الأ الحديث بشفافية فقلت: نعم الدكتور ياسين سعيد نعمان معه كل الحق في وصف الحزب الإشتراكي اليمني بالمغدور بحرب 94 وما قرأته وسمعته عن الجنوب سابقاً صحيح، فالناس بعد الوحدة فرحوا كثيراً واستبشروا خيراً خاصة عندما قيل الإستفادة من ايجابيات الدولتين الشطريتين السابقتين في بناء دولة الوحدة ، لكن ذلك كان مجرد كلام فقط ، فالثقة كانت مفقودة بين شركاء الوحدة وظهرت شعارات إلحاقية وإقصائية "عودة الفرع الى الأصل " والهروب الى الوحدة من الإنهيار والضياع " وجرى تعميم السلبيات على الوطن اليمني كله وجاءت حرب صيف 94 لتقضي على أحلام اليمنيين بيمن ديمقراطي موحد ، يمن جديد غير يمن الدولتين الشطريتين السابقتين ، فلم يغدر بالحزب الإشتراكي اليمني وحدة ولكن غدر بكل اليمن ، غدر بحلم اليمنيين في دولة جديدة ، دولة النظام والقانون والمساواة والعدالة .

• أما ما سمعته ايها الشاب العشريني من أن " هاذول ... أصحاب مطلع" معهم أكثر من راتب ، فليس كلهم البعض منهم وهؤلاء عدد قليل جداً وهناك إجراءات جديدة حدت من ذلك وستقضي على هذه الظاهرة نهائيا، وهناك ظلم واستبداد وفقر وقهر وتسلط وهضم حقوق لا يفرق بين فلان من مطلع وفلان من منزل والفساد والفوضى وعدم احترام القانون والعبث بمقدرات البلاد منتشر في كل مكان كغول يفترس أحلام الناس وأمانيهم ،ولا أريد أن ألتوسع في الشرح ، فقد شاهدت بنفسك في ساحة التغيير بصنعاء ، اليمن بكل أطيافها وألوانها ولهجاتها ورأيت الظلم والفقر في وجوه الجميع من " مطلع ومنزل" وسقط الشهداء من الشباب والنساء من مختلف مناطق اليمن من " مطلع و منزل" مع أنني كنت لا أحبذ أن أجاريك في مصطلحات " مطلع ومنزل" لا أحب الحديث بها ، فما يهمنا في هذه المرحلة هو التركيز على الحاضر والمستقبل وهذا من صلب مهامكم أيها الشباب.

• أنتم ولدتم ودرستم مراحلكم الدراسية من الإبتدائية الى الجامعة أيها الشاب العشريني بعد الوحدة مع زملاء لكم من مختلف مناطق اليمن، من عدن وتعز وصنعاء والمحويت وعمران والحديدة وذمار وصعدة وحضرموت ... الخ ، ولا يوجد لديك أنت وجيلك عُقدة ،"هاذول .... التي سمعتها ولا عُقدة " أصحاب منزل ومطلع ولا شمالي وجنوبي " ولهذا فأنتم بناة اليمن الجديد ،بناة الدولة المدينة الحديثة المنشودة، وهذا ما عبرتم عنه في شعارات ثورتكم الشبابية السلمية "الشعب يريد بناء يمن جديد ، الشعب يريد بناء دولة مدنية حديثة" فلا تسمحوا بسرقة أحلامكم أو إفراغ مضامين ثورتكم،والعودة الى مشاريع صغيرة طائقية ومذهبية ومناطقية ، لقد عرفتم طريق النضال السلمي فأبقوا في الساحات وراقبوا ولا تصمتوا على أية أخطاء أو انحرافات ، والشعب بكل فئاته واطيافه يستمد من حيوية شبابكم طاقته للتغيير فقد أوقدتم شعلة الأمل بعد أن كانت قد انطفئت، وأعدتم حلم ملايين اليمنيين الذي تم وأده بحرب صيف 94م.

• بقى عندي لكم ايها الشباب وصية هامة ،هي: أن لا تصمتوا بعد اليوم عن أي أخطاء تحصل و أحفظوا جيداً ماقاله الشاعر الدكتور عبد العزيز المقالح:
الصمت عار
نحن عشاق النهار
سنظل نحفر في الجدار
أما فتحنا ثغرة للنور
أو متنا على وجه الجدار

أو ما قاله الشاعر الفلسطيني معين بسيسو

الصمت موت ، قلها ومت
فالقول ليس ما يقوله السلطان والامير
وليس تلك الضحكة التى يبيعها المهرج الكبير للمهرج الصغير
فأنت إن نطقت مت
وأنت إن سكت مت
قلها مت "

فما أوصل اليمن الى ما وصلت إليه اليوم إلا الصمت والخوف من العقاب وتمام يا فندم كل شيء على ما يرام ، وأنتم أيها الشباب متحررون من عُقدة " الخوف" وممارسة التنظير بالمقايل بدون فعل جري، بدليل أنكم كسرتم الحواجز النفسية فواجهتم الرصاص والقذائف والغازات ومياه المجاري بصدور عارية، وقدمتم قوافل الشهداء والجرحى والمعوقين ، ولا زالت لديكم الكثير من الإبداعات التي لا نعرفها ، فمدد يا شباب مدد.

• وأخيراً لا أخفيك سراً أيها الشاب العشريني ،أن جيلنا ومن قبله كانوا يرون ان تغيير الرئيس علي عبد الله صالح ونظامه شيء كبير جداً، بل ومعجزة كبرى، فحققتم انتم الشباب من الجنسين بثورتكم الشبابية السلمية تلك المعجزة ، وأشعلتم شعلة الأمل لدى الأجيال من كل الأعمار لإنكم أعدتم لها شبابها ، ولم يبقى من الزمن إلا أيام معدودات الى يوم 21 فبراير القادم ، والتغيير بدأ باتجاه الدولة المدنية الحديثة الموحدة ،والعجلة دارت باتجاه ذلك ولن تعود إلى الوراء، و يتوهّم من يرى غير ذلك لآنه سيجد نفسه خاسراً فمنطق الأشياء سيخذله والتاريخ والجغرافيا ، ومدد يا شباب مدد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صحيفة الثورة: الثلاثاء 17 يناير 2012م العدد: 17233