الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٣٨ مساءً

العدالة الانتقالية...حصانه كاملة وعداله منقوصة

صالح السندي
السبت ، ٢١ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
كما تم صياغة وتعديل المبادره الخليجيه بمراحلها الزمنية المختلفة لتمريرها واعطائها الصبغه القانونيه , والتلاعب بألفاظها ونصوصها وترك الثغرات المتعدده القابله للتأويل والتفسير بما تقتضيه الاهوآء السياسيه والمصالح الفردية , والمنطق المتناقض الغريب , وبنظره قانونية تحليليه وتشريعية بحته , نجد أننا نقف امام سابقه قانونيه وقضائيه خطيرة , لإضفاء الحصانة الطابع القانوني واللون الحقوقي والقضائي , دون ادني مصوغ قانوي او دستوري او مصدر تشريعي ملزم , تم تعديل قانون الحصانه وتغييرة بصورة فلسفية مدهشة الى العدالة الانتقاليه , وإخراجه بصورة مستحدثة وكلاهما وجهان لعمله واحدة , والتلاعب بمضامنيها وتأويل الباطل -الفاقد شرعية اصلا- بباطل اكبر , في حالة التأمل لبنود قانون العدالة الانتقالية ومصوغاتها القضائيه والقانونية , نجد التفافا كبيرا على الثوابت القانونيه والدستورية , واخراجه من مفهوم العداله القضائيه والجنائيه , وجآءا تفسيرا لا تغييرا لبنود الحصانه , وتأكيدا لا خروجا عن مضمونها الاصلي القانوني - الفاقد قانونيته اصلا - ولم يتغير عن قانون الحصانه بشئ يذكر , الا انه اضاف طابع السخريه باللجنة القانونية المكلفه بصياغته واصدارة , كون اعطاء العدالة الانتقاليه حصانة كاملة لرئيس دولة خلال فترة حكمه كاملة بلا قيد او شرط جزائي يذكر, والتأكيد بأنه قانون سيادي لا يجوز الغاؤه اوالطعن فيه او تغييرة , يعد في حقيقة الامر انتهاكا للقانون الدولي ككل , والحصانه بحلتها الجديدة لم تأتي بالشئ الجديد , فلماذا سميت عدالة ولماذا سميت انتقاليه إذن ؟؟ لماذا سميت بهذا المصطلح السياسي المغلوط واللفظي الجديد , فقد مل الناس والمفكرين واخصائيي القانون والباحثين من مصطلح مبادرة لتطالعهم هذه الايام مصطلح عدالة انتقاليه , هل هذا دليل مصوغها الوقتي و الزمني المؤقت لمرحلة معينة فحسب , وهل هي فعلا عدالة وانصاف شرعي ودستوري حتى تكون عدالة اصلا ؟؟ وهل يقوم اعوجاج قانون الحصانه باعوجاج اشد وادهى ؟

والبند الثاني من القرار , مجرد تلاعب لفظي والتفاف واضح وصارخ للاعراف والقوانين الدولية , وتلاعب بالمصوغات القانونية لتمرير القانون بحلته الجديدة تحت قبة البرلمان , وربما لم يفهم الكثيرون دوافعه ومعانيه اللفظيه والغامضه والمتلونه حسب المزاج السياسي , فلم يحصل تعديلا اصلا لتكون هناك عداله , ولم يقرها الشعب وأولياء الدم وكافة المنظمات الحقوقيه لتكن انتقاليه , وحينما نتوقف عند البند الثاني بإعطاء الحصانه من الملاحقة الجنائية للمسؤولين الذين عملوا مع الرئيس في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية فيما يتصل بأعمال ذات دوافع سياسية قاموا بها أثناء أدائهم لمهامهم الرسمية، ولا ينطبق ذلك على أعمال الإرهاب.!!!

فهذا التناقض المفضوح بعينه , فكيف لا يلاحق جنائيا من قام بارتكاب المجازر والجرائم - جدلا- في ظل النظام السياسي القائم , وبأوامر ودوافع سياسيه بحته , بينما لا ينطبق ذلك على الاعمال الارهابية في منظورالدوله النظامية ؟؟ لا تفسير واضح لما تم إدماجه في اصول البند والتلاعب به وصنع ثغره قانونية كبيرة , وفتح الباب على مصراعية اما التحايل القانوني واستثماره بطريقة ما , لانقاذ مرتكبي الجرائم من القصاص الشرعي وتطبيق الاحكام النافذة , يستطيع عن طريقها رموز النظام المتهمين بالاجرام الجنائي الافلات والهروب من العدالة المحققة , فجميع الانتهاكات والمجازر وقتل المتظاهرين حتما تمت بدوافع امنية وسياسيه وقومية بالمنظور السياسي المطلق , و كون إدراج مصطلح إرهاب في البند المطروح الا إمعانا في الحصانه و تأكيدها , فالارهاب في القرارات الدولية يأتي مطابقا للمعنى الشامل , و لايحتمل الا الصفه التنظيميه والجماعية وليس الفرديه , فان كان من قاموا بقضايا جنائيه او ارهابيه تحت غطاء الدوله ؟ فكيف يتم ملاحقتهم قانونيا في ظل الدافع السياسي والامني ؟ هل يعني هذا المصطلح الدارج ارهاب دوله ونظام , فان كان ارهاب دوله ونظام فقد سقط كليا ايضا بموجب القانون والحصانه , وان كان جنائيا تم بصورة فردية فقد تنصل عن تطبيق احكامه بموجب القانون ايضا , وهذا البند بتناقضاته الكبيره يعد تحديا صارخا وفضا للعدالة الالهيه المطلقة , وقوانينها الشرعية النافذه والواضحة بالمحاكمه والقصاص , وإحقاق الحق وتطبيق الشريعه الإسلاميه الغرآء .

وحتى يهرب المشرع من الإدانة القانونية القسرية تم إضافة بندين اساسيين لاكتمال تنفيذها واقرارها بعيدا عن الانتقاد والنقض , وتم تقديمها للجمهور بانها قانون سيادي وطني بحت , لا يجوز نقضه والغائه والطعن فيه , واتي متماشيا مع رغبات الحاكم بتوفير حصانه , ليست بمفهومها الكمالي فحسب بل ايضا بمفهومها الشمولي ايضا , فأتت كاملة شاملة للرئيس خلال فترة سنوات حكمه الديكتاتورية الغامضة بجميع جرائمها وحروبها وصراعاتها واغتيالاتها , وبذا تطوى صفحة جديده من التأريخ اليمني الحافل بالغموض .

ففتح ملفات هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة سيساهم تباعا في الافصاح عن التأريخ اليمني المعاصر وكافة احداثه وتجاوزاته وحقائقة , وصياغته وكتابته الكتابة الصحيحه الغير محرفه من مصادره وشواهده ومحققيه , ان الشموليه في اصدار القرار لاتعني كونها انتهاكا شعبيا بإعطاء الرئيس الحصانه الكامله فحسب , بل تمثل خيانة متعمدة في طمس التاريخ اليمني الحديث , وكشف ملابساته واحداثه على مدى سنوات حكم الرئيس وربما لما قبل حكمه من اغتيالات وخروقات وخلافه , وبهذا استفاد صقور السياسه اليمنيه من الجدل القائم , وتجاذب اطراف العمل السياسي , وتم توظيف الامر برمته لمشاريعهم الاجراميه بجر الوطن الى اتون محرقه جديده وعلى شفا هاوية , مستفيدين من قانون الحصانه واشكالياته وعدم اقرارة , فتم من البعض اشتراط تحقيق الترشيح للانتخابات الرئاسية في موعدها , وتنازل الرئيس كليا عن الحكم مقابل هذا القانون والمصادقة عليه نيابيا , مالم فسيتم تأجيلها الى اجل غير مسمى , متزامنا مع الاحداث الأمنيه الغير مستقره في اغلب المدن اليمنيه , فتم استغلال العامل الامني والقانوني واستثماره لإضفاء شرعيه جديدة للرئيس ببقاءه في الحكم واستمراره , وربما مستقبلا لعدم تنحية والالتفاف على نصوص المبادره الخليجية , ونسف كل الجهود الوطنيه والدوليه لإخراج اليمن من ازمتة , والعودة باليمن الى المربع التآمري الاول .

ما يفعلة الرئيس وصقوره يدركون تمام الادراك كل خطوه يقومون بها , فدروس المماطله خلال الفتره التفاوضيه للمبادره الخليجيه , اعطت النظام نفسا عميقا وروحا جديده للاستمرار والافلات مرارا من السقوط والانهيار , وربما على نفس المنوال يتم تعديل و تمرير قانون الحصانه على فترات زمنيه متلاحقة قد تطول خدمة للنظام , وهروبا الى الامام بدلا من المواجهه والتسليم للارادة الشعبية , مما سبق يتضح جليا وبلا شك ان العدالة الانتقالية حصانة كاملة وعدالة منقوصة ايضا , وسيترك المجال مفتوحا اما اصحاب الأهوآء والاجرام , لارتكاب المزيد والمزيد من الانتهاكات والاعتدآءات , في ظل قانون جديد يلبي طموحاتهم ورغباتهم ويوفر لهم الحماية الكامله , ويخدم اجنداتهم المختلفة بصوره قانونية وقرارات سياديه , ان مصداقية النظام ككل تقف على المحك امام هكذا قوانين عنتريه , بلا مصوغات ولا ادوات قانونيه ولا منطقية , ويجب إعادة النظر فيها وبصوره سريعه , والتفسير المقنع للشارع اليمني عما يدور فعلا ورآء الكواليس السياسيه , وما يحاك في الخفاء , بما يملية الواجب الوطني والضمير الانساني الحي وبمصداقية عالية , وتحكيم شرع الله في كل المواثيق والقرارات والاتفاقات التي تمس الوطن اليمني ككل .