الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٦ صباحاً

الرؤية الفكرية العامة .. كأساس لأي مشروع وطني قادم

بشير المصباحي
الأحد ، ٢٢ يناير ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
إن السبب الرئيسي لما نعانيه في مجتمعاتنا العربية .. من تردي أوضاعنا وتخلفنا بين الامم في شتى المجالات يتمثل بقلة الإهتمام بالفكر والمفكرين والرؤى الإستراتيجية البعيدة عن الواقع إن وجدت ...

فنلاحظ شعوب العالم الحية بقومياتها المختلفة حددت لنفسها رؤية واضحة نحو المستقبل وقامت بصياغة الخطط والإستراتيجيات والبرامج ، وشرعت النظم والقوانين من أجل تنفيذ تلك الرؤى على مراحل من الزمن حتى وصلت إلى حالة التطور الذي تعيشه اليوم في العديد من البلدان ذات الحالة المشابهه والثقافة القريبة من دولنا ومجتمعاتنا في المحيط الشرقي.

فنهضت تلك الشعوب وكونت قوتها وإستقلاليتها من الصفر مثلما حدث في تركيا من طفرة كبيره على مختلف الأصعده ، وكذلك في إسرائيل وإيران وماليزيا والهند .. تلك الدول تمثل نموذجاً ناجحاً للتغيير ...

ذلك النجاح لم يأتي من فراغ ولكنه جاء بناءً على خطط وبرامج علمية وعملية أستغرقت مراحل زمنية لتنفيذها ...
وبقيت الشعوب العربية على حالها من التخبط والتخلف عن ركب العالم الحديث بسبب غياب القيادة الوطنية المخلصة والكفؤة القادرة على إعمال الفكر في الفعل بدلاً من الإعتماد في قيادتها للشعوب على سياسة الفعل وردة الفعل وشخصنة القيادات والإرتجال بالقرارات والقوانين بما يخدم الطبقة الحاكمه ويساعد على إستعباد الشعوب وإستغلال خيرات الأوطان وثرواتها ... وتهميش القوانين المتعلقة بالحريات العامة وحقوق المواطنين والتحايل عليها وعدم تنفيذها .. هذا إذا كانت قائمة أصلاً ...

والأن ومن أجل أن تستعيد الشعوب دورها في إحداث التغيير المنشود فإن الامر لا يقتصر فقط على تغيير التشريعات أو القوانين أو أنظمة الحكم المستبده فقط ...
وإنما يجب علينا بالإضافة إلى ذلك التغيير أن نعطي دوراً بارزاً لمفكري الأمه وقادة المجتمع بمختلف إتجاهاتهم السياسية والفكريه كي يقوموا أولاً بتشخيص المشكله ومحاصرة أسبابها ... وبلورتها في نقاط رئيسية.

ومن ثم العمل على إعداد رؤية واضحه لما يجب أن تكون عليه بلداننا وما نريد تحقيقه خلال مدة زمنية في حدود الثلاثون عاما ... تتضمن خطط إستراتيجية بخطوط عريضة عامه ...
ليس مطلوب منا أن نقلد الشعوب التي سبقتنا سواء من التي ذكرناها أعلاه أو من شعوب العالم المتحضر في أوربا وأميركا وغيرها من دول العالم ، ولكننا في نفس الوقت يجب أن لا نغفل الإستنتاجات والبراهين والقواعد الرئيسية والعامة التي ساعدت تلك الدول على تحقيق التقدم والرفاه لشعوبها ... وأن نبدأ من النقطة التي أنتهى عندها الأخرون شريطة الحفاظ على خصوصية مجتمعاتنا وهويتنا الثقافية والفكريه الواسعه.

وبعد أن يتم إعداد الخطوط العريضة للمستقبل المنشود لأجيال هذه الأمة ...
يأتي بعدها دور السياسيين والقانونيين لصياغة الدساتير والقوانين الكفيلة بتنفيذ تلك الأمال والتطلعات وبما يضمن كفالة الحريات ومشاركة المواطنين في بناء مجتمعاتهم وحقهم بالتمتع بالحرية والكرامة و حكم الشعب لنفسه بنفسه من خلال إختيار قياداته وممثليه في مختلف السلطات والتكوينات والقيادات المركزية والمحلية ... وفقاً لنظام الحكم المتناسب مع طبيعة الشعوب وتأريخها وثقافتها.

ويأتي ذلك متزامناً مع إحترام تعددية الرأي والفكر والفصل التام بين مختلف السلطات الحاكمه بحيث تكون كل واحدة منها مستقلة بذاتها وتؤدي الوظيفة المطلوبة منها دستورياً وقانونياً بعيداً عن تأثير أي قوة عدى قوة القانون التي يجب أن تسود على الجميع وبدون تمييز فئوي أو شخصي أو عنصري أو مناطقي ...

فالرؤية هي الأساس الذي من خلاله نحدد ما يجب أن تكون عليه بلادنا بعد ثلاثون عاماً أو أقل من ذلك أو أكثر وفقاً للمعطيات والإمكانيات المتاحة والطاقات المختلفة ... التي يأتي في مقدمتها العنصر البشري الذي يمثل مكمن العطاء والتغيير والمصدر الرئيسي لكل الطاقات.

وبعد بلورة الأفكار على شكل أهداف واضحة يأتي دور الدستور والقانون متسقاً مع الرؤية و بما يلبي تنفيذها من دون معوقات ... مع مراعاة الأسباب التي أدت إلى الفشل في السابق .. وتلافي الوقوع فيها مرةً ثانية.

وبعد ذلك يكون رسم الخطط الإستراتيجية والمعالم البارزة المطلوب تنفيذها كل خمسة أو ثلاثة أعوام بما يساعد على تحقيق الرؤية ... بتوقيت زمني متناسب مع حجم كل مرحلة ، من خلال إختيار الحكومات أو القيادات التي يجب عليها أن تتنافس أمام الشعب بشكل شفاف ونزيه وفقاً للدستور والقانون ...

وبحيث تكون القوى السياسية الساعية أو المخولة دستورياً بالحكم أو السعي نحوه ملزمة بإعداد برامجها الإنتخابية المتواءمه مع رؤى الشعب وثوابته وأن لا تكون خارجةً عن المسار الرئيسي للخطوط العامه والإتجاهات المصيريه ...
ومن سيحصل على ثقة الشعب يكون دوره تنفيذ البرامج والخطط التي حصل بموجبها على ثقة المواطن مع الإلتزام بالحفاظ على القواعد الوطنية العامة وعدم الإرتجال في القرارات ... وكلٌ يؤدي دوره بحسب ماهو مطلوب منه دستورياً حكاماً ومعارضين وبصورة مكملة لمن سبقهم.......

حتى نصل بالنهاية إلى تحقيق الهدف المطلوب وتحقيق الرؤية العامه التي وضعت منذ البداية وبما يعود بالنفع على قطاعات الشعب وفئاته المختلفه.

وحتى نصل
إلى تلك الرؤية الفكرية
سيضل شعارنا الذي سوف نناضل حتى تحقيقه
(( ثورتنا في فكرتنا)).