الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٢ صباحاً

أكرم عبد الفتاح يكتب الخيواني: إتجاه إجباري إلى الزنزانة .. مطب كبير إسمه: الوطن

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً


عبدالكريم الخيواني صحفي يحمل قلما و نظارة و قلبا شجاعا مثخنا بالمرض و متخما بأفكار حرة يطلقها مصحوبة بابتسامته الهادئة دوما.. في حين يصفه "غريمه" بأنه قائد الجناح العسكري لحزب ما (حزب لم يتبق منه غير إسم يذيل بيانات تستجدي إعادة مقره و صحيفته), و مؤخرا وصفه "غريمه إياه" بأنه رئيس جماعة إرهابية مسلحة تسعى لـ (قلب نظام الحكم) و إعادة الإمام أحمد إلى عرشه في المتحف الوطني " دار البشائر سابقاً " !.
أما "غريمه" هذا فمن الواضح أنه يحمل الكثير من الوَساوِس, فقد ظل طوال 30 عاما يتحِـفـنا بهواجسه عن الأخطار التي تستهدف ثورة قامت و انتصرت منذ ستينات القرن الماضي , و تبخرت أهدافها منذ جلوس فخامته على العرش الرئاسي محاطا بعشيرته الحاكمة !.

لأنه وجد نفسه مضطرا لإطلاق سراح الخيواني عام 2005م, بأثر ضغوط الدول المانحة و مضطرا لاسترضائها بالإعلان عن التزامه إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر.. فقد كان على الرئيس إيجاد تهمة أخرى لتهديد الخيواني و استخدامها للزج به في السجن حين لا يكون للتهديد جدوى , و قد فعل ذلك في كذبته الشهيرة قبل عامين حين أعلن أن صحيفة الشورى (التي كان الخيواني يرأس تحريرها أيامها) هي الجناح العسكري لحزب "العجائز".
طبعا هو أعلن هذه التهمة بلسانه .. و بنفس الثقة التي أبلغ بواسطتها قيادات الأحزاب – الأسبوع الفائت – بوجود مؤامرة انقلابية على النظام الجمهوري , و أن هناك (مجلس إمامة سري!!) في اليمن و تحدث عن مخطط لقلب نظام الحكم تنفذه جماعة إرهابية يتزعمها الخيواني!! .. قال هذا بنفسه و أيده في هذا وزير داخليته الذي حضر ليشهد بصدق كلام صاحبه.

و لأنه أعلن هذه الاتهامات بنفسه و كررها باعتبارها حقائق يوقن بها شخصيا .. فإن لا أحد يمكنه إنكار أن مشكلة الخيواني مع السلطة ليست سوى مسألة ضغينة شخصية "من جانب الرئيس على الأقل" .

منطقيا ً .. فإنه يفترض ألا يكترث أحد لما يصدر عن ضغينة رجل متعب بهاجس كونه الحارس الأبدي للجمهورية الديمقراطية و حاميها من أخطار الإماميين و الانفصاليين و التتار و الصحفيين و حتى المريخيين أعداء الوطن , و ما يخوضه من حروب ضد "طواحينهم" المستفزة لفروسيته المتحفزة على الدوام.. فالمنطق لا يحبذ الانسياق وراء انفعالات شخصية هي ليست سوى إحدى مضاعفات الضجر لدى الرجل الطيب و ما يكبته من غيظ تجاه أولئك الحوتثيين الملاعين الذين لم يسمحوا له بالانتصار عليهم في حروب آخر العمر التي لا يحق لنتائجها أن تخرج عن نطاق أدْعِـيَـة المشفقين عليه بـ ( حسن الختام) .. كما أنه و لاعتبارات أن الضجر يحيل الزعماء الملهمين إلى شخصيات سماوية لا تصلح إلا لتصدر روايات "ماركيز" عن بطاركة جمهوريات أميركا الجنوبية المرهقين .. لذا فلم يكن من الصائب و لا المنطقي أن يقاد الخيواني إلى السجن ... لكن المنطق - أولا و أخيرا - شيء لا تستسيغه فطنة أشاوس الأمن القومي و السياسي و المركزي و لا سلطة له على شاويش زنزانتهم الجزائي المتخصص المتيقظ دوما بصافرة الإدانة... هم أصلا يتعاملون مع الوطن بمنطق اللاعب (الحريف) .. فــ لنتخيل ما يعنيه وجود حكم متخصص في احتساب و تنفيذ ضربات الجزاء.

نعود إلى صاحبنا .. فبعد تصدر صاحب الفخامة ببسالة لمهمة الإعلان عن جريمة الخيواني و تبني الأمن القومي لها و طرحها رسميا في الصحف "الدسمة" للسلطة .. تكون المفاجئة الكبيرة أن النيابة قررت تغيير التهمة التي قبض على الخيواني جراءها .. و قطعا فإن مجرد قيام النيابة بتغيير التهمة بعد مرور أسبوع يعد دليلا على بطلان التهمة السابقة و يشير أن الذين لفقوها (بهذا الشكل المخيف و العالي المستوى) كانوا يهدفون إلى إرهاب الخيواني و مبادئه الشجاعة .. كما أن ذك يمكن اعتباره تأكيدا إضافيا لفكرة الاستهداف المبني على ضغينة شخصية ..

عادت النيابة لتقول أن التهمة هي (ترويج أفكار الحوثيين) و هي تهمة "بايته" كما يبدو كونها تأتي بعد توقف الحرب و توقيع اتفاق إنهاء الأزمة بشكل حاسم, إضافة إلى أنها تصدر بحق الخيواني الذي سرقت صحيفته وحجب موقعه الالكتروني و انتهى به الحال عاطلا عن العمل باستغناء حزبه عنه بذلك الشكل المريب! .. إذ و بعد هذا كله لم يعد أمامه أي متسع للترويج لأي شيء أو حتى لنشر إعلان طلب وظيفة لا تمس كرامته الأعلى من كل خصومه.
و التهمة المعدلة لا تعطي مبررا لاقتحام منزل الخيواني و اعتقاله بذلك الشكل الهمجي , كما لا تمنح النيابة و محكمتها أي صلاحية للأمر بسجنه احتياطيا كل هذه المدة على ذمة تهمة تتعلق بالرأي, و حتى في حال تثبيتها فهي تستوجب إطلاق سراحه فورا بالضمان الشخصي (ولو لمراعاة حالته الصحية إذ لا مخاطر متوقعة من إطلاق سراحه) كون القضية تتمحور حول تهمة متعلقة بالرأي و لا علاقة لها بأية وقائع ذات تأثير مادي . أقول هذا مع وجود حقيقة مطلقة يعرفها الجميع و هي أن الخيواني لم يكن يوما من المروجين لشيء سوى أفكار الحرية و العدالة, و حتى في حالة أنه قام حقاً بنشر أفكار الحوثيين فلا يمكن اتخاذ ذلك الفعل حجة عليه كون مهنته الصحفية تفترض عليه نشر وجهة النظر الأخرى في أي قضية عامة.. و إلا فما هي مهنة الصحافة و ما الذي يعنيه مبدأ حرية التعبير عن الرأي ؟
و حتى لو سرنا جدلا مع الاتهام بأنه كان يتبنى أفكارا معينة ترفضها السلطة فهو أمر مشروع تكفله له كل مواثيق حقوق الانسان و مبادئ حرية الرأي و التعبير و فوق هذا فهي لا تبرر العملية العسكرية التي نفذها مغاوير الأمن لاقتحام منزله .. فهل للقانون و المسئولين عن تنفيذه و احترامه رأي آخر؟

المشكلة أننا جميعا مواطنون في بلاد مدوخة لا نريد أن نفكر فيما يحدث و لا فيما يجب أن يجري إزاءه .. لاحظوا معي :
لدينا رئيس جمهورية يوجه تهمة مخيفة لصحفي ( قلب نظام الحكم و تزعم مجموعة من القتلة) , لم يقل أنها مجرد تهمة بل تحدث باعتبارها حقيقة مؤكدة و فيما يشبه حكم إدانة.... ذاك الصحفي المغدور مرمي في السجن ممنوعا عن الزوار بعد اقتحام منزله و ترويع أسرته بشكل يخجل من طريقة تنفيذه حتى جهاز الشاباك الطيب الذكر (قياسا بما لدينا طبعا)..
ثم تأتي النيابة لتعلن أن تهمة الصحفي ليست سوى (الترويج لأفكار الحوثيين) ..

و الآن .. فإن الحال مع التهمة الجديدة و ما قد يترتب عليها (وفق ما عودتنا عليه "مِـصْـلابَـة" أصحابنا إياهم) و حتى باحتمال إدانة الخيواني .. فسيكون من حقه (و من حق أسرته أيضا) أن يقاضي جهاز الأمن القومي بتهمة اقتحام منزله دون مبرر مقبول و مطالبتهم بتعويض عن الضرر النفسي و الأدبي و من ثم عقابهم على الجرم الأخلاقي المتمثل بتهديد حياة زوجته و أطفاله, من خلال سجن منفذي الاقتحام و من أمر به ..

الجميل في الأمر أن مجرد قيام النيابة بتعديل التهمة ضد الخيواني يشكل - ضمنياً- دليلا حاسما على بطلان ما قاله رئيس الجمهورية بحق الخيواني و سيكون من حق هذا الأخير مقاضاة رئيس الجمهورية و وزير الداخلية بالحق الشخصي كونهما تعمدا تشويه سمعته و قاما بتلفيق تهم باطلة ضده و بشهادة قيادات الأحزاب . و عليه يفترض أن يكون العقاب ضدهما مغلظا بحكم المناصب التي يشغلانها و كونهما استغلا منصبيهما للإضرار عمدا بالرجل.
طبعا هذا كله يمكن أن يحدث لو أن الخيواني و رئيس الجمهورية يعيشون في ظل دولة تحترم نفسها و قوانينها و تحترم حقوق مواطنيها و تكفل الحد الأدنى من نزاهة السلطة القضائية .
و حتى إذا لم يطالب الخيواني و أسرته بما هو حق ثابت لهم فسيكون لأي (عاقل !!) القطع بأن ما حدث من افتراءات و تلفيق للتهم الكيدية هو أمر تفترض مبادئ العدالة أن لا يمر دون محاسبة و إعمال للقانون بحق مرتكبيها .. فماذا إن كان قائلها هو رئيس الدولة ؟ .. لذا - و من وجهة أخرى - فإن عدم محاسبة الرئيس على اتهاماته للخيواني هو أمر يعتبر دليلا حياً و حاسما على أن فخامته هو المنتهك الأول لسيادة القانون و هو ما ينتزع منه أية شرعية (حقيقية كانت أو مزورة) للبقاء في منصب رئيس دولة العدل و والنظام والمساواة و سيادة القانون .. أليس كذلك؟!!


أسباب أم نتائج ؟
ما يعانيه الرئيس حاليا هو اكتشافه لصعوبة إنجاز ما يطمح إليه من توريث السلطة لإبنه من بعده و ما ترتب من تعقيدات في وجه هذا الطموح منذ تدشين الخيواني لحركة الرأي المعارضة للتوريث. و ما يعانيه الخيواني من الضغائن الرئاسية هو بناتج تصدره لقائمة المجاهرين برفض التوريث و بجرأة فادحة تميزه عن كثيرين إضافة إلى صفاته الأخرى التي منها صلابته و عدم رضوخه للتهديدات و المساومات, أقول هذا و لا أغمط زملاءه الآخرين ما بذلوه و يبذلون في سبيل ذات المبادئ النبيلة.

لكن ما يفاجئنا به الرئيس هو أنه كثيرا ما يتناسى كونه يحكم البلاد بموجب ديمقراطية صورية مقومها الأساس هو حرية الصحافة (رغم العراقيل و الخروقات التي نعرفها بسبب نسيان فخامته المتكرر).. و هي الركيزة الوحيدة إلى جانب التعددية الحزبية (التي هي أصلا كسيحة و لا تأثير لها على شكل السلطة و أدائها لأسباب يعرفها كثيرون).. و غني عن القول أن اعتقال الخيواني و مصادرة الحريات الصحفية ستكون نتيجته الأولى سقوط الركيزة الوحيدة التي تستند عليها إدعاءات سلطة الفندم بنهجها الديمقراطي و لا يترك من مجال للتباهي أمام المجتمع الدولي بديمقراطيتها الرائدة.
و إذن .. فما يجب أن يحدث هو إطلاق سراح الخيواني فورا و هذا قرار مناط بصاحب الفخامة شخصيا على الأقل كي يحافظ على شكل اللعبة الديمقراطية.......
.. كما أن سجن الخيواني سيعيد الصحفيين و أصحاب الأقلام الحرة إلى خيارات (رفع سقف حرية الصحافة) و هو ما سيفرض على السلطة مضاعفة قضاة المحاكم المتخصصة و نياباتها لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الصحفيين الذين سيتنافسون لتجاوز و اختراق ثوابت "الأسرة الحاكمة و أساطين الفساد" أو ما يسميه إعلام الحزب الحاكم بـ (الثوابت الوطنية)!




كلمة هادئة لـ (أخواننا اللي فوق) :-


الأقلام التي تعتبرونها مزعجة .. تركتْ لكم ولحزبكم صناديق الانتخابات و لجانها و نتائجها تفعلون بها ما تشاؤون ...و رضيت فقط بالجانب الأضعف من حقوقها الديمقراطية (أو بالأصح :الإنسانية) المتمثلة بحقوق التعبير و حرية الصحافة. و هي بالنسبة لأولئك تمثل خط الدفاع الأخير عن الذات و الرابط الوحيد الذي يربطهم بمعنى فكرة المواطنة و إحساسهم بآدميتهم .. و بدونها فلن يكون لأكذوبة ديمقراطيتكم الانتخابية ما يسترها في واقع يسحقه الفساد و الجهل و تصادر آدمية الخانعين له ممارسات شخصنة السلطة و الاستبداد الفردي.
و ليكن معلوما أن لا شيء نهتم به قدر حريتنا في الكلام .. لا يهمنا من يكون شخص الرئيس بقدر إهتمامنا بقدرتنا على التعبير عما نشعر به إزاءه و ما نؤمن به في مواجهة أفعاله . و ليكن معلوما قبل هذا أن الصحفيين لا يشكلون أي خطر على سلطتكم كوننا في مجتمع 70% منه يجهلون القراءة و 90% لا يقرأون الصحف أصلا .. و ما تبقى يضم نسبة كبيرة لا تعي ما تقرأه و لا تريد ذلك.. و إلى درجة يمكن معها القول أن ما يكتبه الصحافيون الناقدون لا أحد يقرأه سواهم (إضافة إلى أجهزة الأمن و موظفي وزارة الإعلام و كتبة التقارير ..).
يا فنادم .. إن بلادأ بلا وَعْي هي بلاد بلا شعب .. لذا فلا ترهقوا أنفسكم بمخاوف لا مبرر لها و لا شعب يدركها.. اتركوا الصحفيين يكتبون. هم فقط يكتبون لإنقاذ أنفسهم من الانفجار الدماغي و كي يخرسوا رغبتهم في التمرد على كل البذاءات من حولهم. و لا لزوم للتأكيد على أن الترهيب و السجن لن يكونا عائقا إزاء إرادة فكرة دافعها ضمير يرفض الخرَس.. خلاصة القول هي فكرة يؤمن بها الجميع و مفادها أنه حين تصادر الحريات و يمنع حق التعبير يتحول الوطن إلى سجن .. و يكون السجن وحده هو الوطن. و لن يكون وحده خيارنا الأخير.