الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤٤ صباحاً

البرلمان يقر قانون الحصانة في بضع دقائق

د. علي مهيوب العسلي
الاثنين ، ٢٣ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
"إن التعديلات التي أجريت على مشروع قانون منح الحصانة للرئيس علي عبد الله صالح ،غير كافية،ولا تشمل النقاط الأساسية في مشروع القانون" منظمة هيومان رايتش

"أن مشروع القانون لا يزال يشتمل على نقاط تمثل رخصة للقتل،مشددة على ضرورة أن تقوم الحكومة اليمنية بالتحقيق مع كبار المسئولين الذين لهم صلات بجرائم خطيرة وألا تسمح لهم بالإفلات بجرائم القتل التي ارتكبوها!" في تصريح لمديرة برنامج الشرق الأوسط في المنظمة

فجأة وبدون مقدمات وعلى عجل وبصفة استثنائية إجتمعت الحكومة في الخميس الماضي وأقرت التعديلات التي أنتجتها والتي صادق عليها سفراء الاتحاد الأوروبي ودول الخليج بحضور النائب الذي يفَّصل له أن يكون رئيساً على اليمن ، لتحمل هذا القانون المعدل فجر السبت إلى البرلمان الذي و بصفة استثنائية أقره ببضع دقائق متجاوزا لوائحه وأعرافه دون أن ينظر هذا المجلس العتيد حتى إلى الديباجة التي هي مخلة لما كان يعرف بمجلس النواب اليمني الذي اوجِب عليه المصادقة على هذا القانون" الفضيحة "وقوانين أخرى لاحقة تخل بحكم الشعب نفسه بنفسه وأصبح اليمن للأسف يُحكم من خارجه بأدوات يمنية اقل ما يقال عنها أنها غير وطنية !!
إن رئيس الوزراء هو من تلا القانون على المجلس في مشهد تراجيدي مثير للشفقة ،ومجلسه كان قد اقر صيغة غير هذه المعدّلة وبعث بها إلى مجلس النواب بضغط من دول الخليج لإعطائه التأشيرة لزيارة تلك الدول ،لكن لم يتجرأ احد بقراءة ذلك المشروع طوال الأيام السابقة إلى أن عاد الوفد الوزاري من زيارته وجاء عرّاب المبادرة والآلية الحاكم الفعلي هذه الأيام في اليمن السيد بن عمر، و أجرى التعديل وتمت المصادقة عليه من قبل مجلس النواب .فما الجديد الذي طرأ على القانون وما هي الملاحظات عليه؟

ألزمت نفسي أن انتدبها لتعبِّر عن نبض الشارع الذي يئن هذه الأيام من كل عضو فيه حياة , والذي أصبح لا يطيق سماع أي من النظام الحالي الذي يحكم نيابة عن أسياده الأجانب والذي يشرِّع قوانين مفصلة على مقاس الذين أسرفوا في القتل ولازالوا !

إن هذه الملاحظات أرى أنها ضرورية لفهم ما يجري في اليمن من مؤامرات تعد له لتكافئ المجرم على ما اقترف من إجرام وتفتح الباب في المستقبل لمن يريد أن يجرم ، وكوني لست متخصصا في فهم القانون فإنني سأكتفي بنبض الشارع كما ذكرت آنفاً . إن نبض الشارع يلاحظ الآتي:

أولاً: يبدأ القانون باسم الشعب وان إصداره أيضا سيكون باسم الشعب , الشعب الذي يعلم وتعلم أيها النائب انه ليس من فوضك و ليس من وكلك و ليس من جعلك نائبا للرئيس و من ثم رئيسا توافقيا و لا يقبل الشعب اليمني أن يقر باسمه قانون حصانة لقاتل لا أنت ولا مجلس نوابك الذي قام مؤخرا بعد سبـــــــات عميق و يا ليته لم يقم ! إن الذي فوضك لم يكن الشعب , ولكن كانت المبادرة الخليجية سيئة الصيت بعد أن خرج الشباب ثائرا على النظام الفاسد و على قوانينه السابقة و اللاحقة و بعد أن اقروا لهم شرعية اطهر ألا وهي الشرعية الثورية !

أيها النائب إننا نعرف أن هناك البعض يحاول الإساءة إليك من خلال تقديم القانون وترشيحك لمنصب رئيس الجمهورية في نفس الجلسة ، لتنعكس عليك بالسلب فكن فطنا و دع عنك أجندة غيرك و اتبع أرادة الشعب !

لقد جاء في الديباجة أن هذا القانون غرضه الحرص من اجل جعل أبناء الشعب اليمني يسهمون في مسيرة البناء والتنمية ! وتعليقي هل بإعطاء الحصانة ستجعل الشعب اليمني يهب للمساهمة في مسيرة البناء والتنمية ونحن نلاحظ من هذا القانون إعطاء الحصانة لمن عبثوا بالبلاد طيلة ثلاثة وثلاثين سنة وأعاقوا البناء والتنمية بمكافئتهم بتصفير العداد وإعطائهم الحصانة وكأنهم لم يرتكبوا أي جرم! هل باعتقاد المشرعين أن هذا سيكون دافعا للشعب اليمني للعمل ليل نهار ؟ أم أن المحاسبة والمحاكمة هي التي تجعل الشعب اليمني يكون يقظا وبالتالي لن يسمح بعد الآن لكائن من كان أن يهدر ثروته ويسرق عيشه بل سيقوم بتوظيف أمواله في التنمية وتحسين مستويات دخله ؟!

وما أدهشني في هذه الديباجة ما ورد " واحتواء للآثار التي نتجت عن الأزمة الداخلية التي حدثت في الفترة الماضية وما نتج عنها ! " هذا إقرار من أطراف العملية السياسية التي وقعت على المبادرة والياتها التنفيذية من أن ما جرى عبر سنة كاملة مضت هو أزمة سياسية وليس بثورة ،فإذا كان الأمر كذلك فلماذا انضم المشترك إلى الثورة وأعلن تأييده لها بل وعبر باسمها في اغلب الأوقات وهل أدرك الشباب الآن أن قيادة المشترك الذي وافقت على القانون ومن قبله المبادرة الخليجية قد خدعوا شباب الساحات ؟! أولم يحن الوقت أيها الشباب أن تتفقوا وتعلن قيادتكم المعبرة عنكم لتكملوا المشوار؟!

وأخيراً ختمت الديباجة بــ "وتجسيدا لروح التسامح الأصيلة في عقل الشعب اليمني ،ونظرا للمصلحة الوطنية " لم أجد جملة بالصياغة اليمنية إلا هذه الجملة , ـولكن السؤال الذي يتطلب الإجابة عليه إذا كان الشعب اليمني يتمتع بتجسيد روح التسامح وهي أصيلة فيه فلماذا ذهب المأزومين إلى الخارج ؟ ثم لماذا لا تعود القوى السياسية المختلفة لهذا الشعب المتسامح ؟؛ بل ذهبت إلى الآخرين ليتولوا حل أزماتهم السياسية ،ثم لماذا أعطوا الحصانة الكاملة لشخص واحرموا الآخرين منها ؟ أليس المساواة في الظلم عدل وهي قيم تدل على التسامح ؟!

ثانيا: جاء في المادة الأولى من القانون المقر من مجلس النواب يوم السبت "يمنح الأخ علي عبد الله صالح الحصانة التامة من الملاحقة القانونية والقضائية" لماذا ؟ ومن اجل ماذا ؟ مقابل ماذا ؟إذا كانت الإجابة من اجل تنحيه عن السلطة ومغادرته ارض الوطن ! فلماذا بخلتم على هذا الشعب أن تضيفوا هذه الجملة لتوضحوا أنكم ساومتم بدماء الشهداء مقابل إعطائه الحصانة كصفقة سياسية وليس لها علاقة بما جاء في الديباجة من جمل التسامح والمصلحة الوطنية . إن تحليلي لهذه الفقرة هو طلب قيادة المؤتمر هذه الحصانة لرمزه ليقود المعارضة في اليمن هذه الحصانة لا محل لها من الإعراب إلا في اليمن فقط وهذا ما يؤكد أن الرئيس لا يفكر بمغادرة اليمن وان غادرها لسبب ما فانه سيعود ولاشيء عليه بعد هذه المكرمة التي منحها له أصدقاؤه الخليجيون والغرب وأخرجها اليمانيون . كذلك جاء هذا القانون ليؤكد أن الرئيس مازال رئيسا وليس كما زعم بعض قيادة المشترك من أن الرئيس قد انتهى بعد توقيع المبادرة في السعودية.

ثالثاً : ما جاء في المادة الثانية من هذا القانون "تنطبق الحصانة على المسؤولين الذين عملوا مع الرئيس في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية فيما يتصل بأعمال ذات دوافع سياسية قاموا بها أثناء أدائهم لمهامهم الرسمية ولا ينطبق ذلك على أعمال الإرهاب " رغم ما في هذه المادة من خبث ودهاء سياسي ،ورغم أن هذه المادة أتاحت لمن يريد أن يلجأ إلى القضاء إلا أن المادة الأولى قد ضمنت لمن ترفع عنهم دعاوي قضائية الحصانة على اعتبار أن الرئيس سيتحمل المسؤولية فسينسب إليه أي فعل قد يتهم فيه أي مسئول.إن كلمة "تنطبق" و "أعمال" و "دوافع سياسية" و"أعمال الإرهاب" تحتاج إلى تفسير وتوضيح ولربما تحتاج كل منها إلى مواد لتوضيحها .تحليلي الخاص لهذه المادة انها جاءت لتحمي عائلة صالح من المحاكمة كون ذكر فيها" ولا ينطبق على أعمال الإرهاب" وكون هذه العائلة قد دربت واعدت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب فهذا النص يعفيها من المسألة وإذا كان كلامي هذا غير صحيح فإنني أتمنى من الأساتذة القانونين والفلاطحة السياسيين أن يظهروا على وسائل الإعلام ويتبرعوا في الكتابة في الصحف لكي نعرف مغزى كل كلمة قيلت في هذه المادة!

وقد ينطبق على تفسير هذه المادة من أن ما جرى في جمعة الكرامة مثلا انه جرى بدوافع سياسية بينما ما جرى في جامع النهدين هو عمل إرهابي. إن هذا التكييف سيكون مضرا جدا للعملية السياسية المستقبلية وسيفتح الباب للقتل والقتل المضاد وبهذه الصيغة فلا المصلحة الوطنية تحققت ولا التنمية ستتحقق!ثم إنني أتفهم مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية أن تقوم بأعمال ما بدافع سياسي بمقدار الفعل ، ولكني لا افهم أن مؤسسة الدولة المدنية يمكنها القيام بأعمال مثل القتل بدافع سياسي ،فليتق الله كل مشرع وكل سياسي .فما هذه الصيغ التي تجعل قتل الشباب في جمعة الكرامة فعل سياسي ؟! إن هذا اليوم الذي اصدر فيه هذا القانون لهو يوم حزين لشباب الساحات ولأنين الجرحى ولشهدائنا الأبرار ولكل أحرار العالم ،حتى بن عمر قد أبدا انزعاجه من هذا القانون وقال بما معناه ليس من اجل هذا القانون أتيت!

رابعاً:ورد في المادة الثالثة من القانون "على حكومة الوفاق الوطني تقديم مشروع بقانون أو مشاريع بقوانين إلى البرلمان حول المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية....الخ.وفي اعتقادي إن كاتب المشروع قد أدرك حجم المشكلات التي قد تحدث من تطبيق المادتين الواردتين سابقا "فقام يكحلها فأعماها"، كيف ذلك؟ أقول كان الواجب على الحكومة أن تشْرع أولا بفتح الحوار الوطني ثم ما يتوصل إليه الحوار الوطني يُسن بقوانين ،أما أن يُحصَّن القاتل ثم تسن قوانين مصالحة وطنية فليس واقعي, بل أن المادتين السابقتين لهذه المادة تتعارضا كليا مع بعضها فالعدالة الانتقالية تقتضي أولا المحاكمة ثم تشكيل لجنة تقصي الحقائق ،ثم إصلاح المؤسسات التي كانت سببا لما حصل من أحداث وأهمها القضاء ،ثم إقرار التعويضات التي تجبر الضرر لمن تأذوا من النظام السابق،فأين نحن من كل ذلك فلا محاكمة ستتم وان تمت فهي شكلية لان القضاء غير نزيه ويحتاج إلى سنوات لإصلاحه ولم يعمل هذا القانون اعتباراً لأسر الضحايا ،إذاً هذا القانون في المحصلة غير مجدي ولا يشكل مخرجا لازمة المأزومين بل قد يفاقم الأوضاع ويجعل اليمنيين يدخلون في فوضى عارمة إذا لم تتدارك أحزاب اللقاء المشترك الموقف وتعيد دراسة موقفها عند تعرض هذا القانون لأي اختراق من قبل بقايا النظام وان تعلن للشعب اعتذارها وفشلها وان تحرر الساحات من الوصاية وتجعل الشباب يشكلون قيادتهم وأنا واثق من أنهم سينجزون ثورتهم وسيحققون كامل أهداف ثورتهم بأقل التكاليف إن شاء الله تعالى!