الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٢ مساءً

المدنية ..في ظلّ الإسلام

محمد حمود الفقيه
السبت ، ٢٨ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
يفهم الكثير من الناس على ان العلاقة بين المدنية و الإسلام علاقة متباينة ، و هذا ليس بصحيح بجميع الأدلة من الكتاب و السنة ، بعيدا ً عن الكراهية لبعض من يحملهم الإسلام على عاتقه .. أريد ان يتدبر البعض عن مفهوم المدنية و لماذا الكل ينشدها ان تكون حاضرة مع المجتمع الإنساني و على وجه الخصوص المجتمع المسلم .

الوقت ليس متسعا لتناول موضوع مدنية الإسلام ، و لكني سأتناول بإيجاز العناوين المدنية الإسلامية التي قد يتجاهلها البعض خاصة الذين يتلهفون لمصطلح _ المدنية _ فحينما نتحدث عن الإسلام ، نحن لا تحدث عن كلمة و احدة يحتويها الإسلام من ضمن محتوياته وهي ( الدين ) بل ان الإسلام هو في الاساس يعني لنا نحن بني الانسان ، دين و سياسة و اقتصاد و تجارة و صناعة و ثقافة و فكر و اجتماع ، و هكذا .. الخ

لكن مفهوم الدين ، يقتصر فقط على العبادة و العقيدة في المجتمعات التي ( ليس لها دين ) دينها يقتصر على أداء مجموعة حركات اليدين و الرأس داخل الكنيسة ليس إلا !!
أما في المجتمع الإنساني المسلم الذي يعيش تحت عقيدة التوحيد ، فإن الدين بالنسبة له ، حكم و تشريع و اقتصاد و قضاء و سياسة و صناعة و تجارة ، و علاقات إنسانية مع الآخرين دون التركيز على جنسهم أو عقائدهم المنحرفة عن الحق الإلهي ، و لهذا فإن مدنية الإسلام تعتبر من أهم متطلبات العصر الحديث ، و قد بين القرآن الكريم كتاب الله تعالى مفهوم التعايش مع الآخر أياً كان ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) صدق الله العظيم ، و قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاًِ ) صدق الله العظيم .

أيها المدنيون .. الى كل من ينادي بالمدنية و الحرية و الكرامة ، ألا يعي هؤلاء قول الحق تبارك و تعالى ، ألا يستحق سبحانه و تعالى الثناء ، لقد كرمنا نحن البشر على سائر خلقه ، و لا يمكنه سبحانه ان يتركنا نظل الطريق بحياتنا ، أرشدنا كيف ننظر الى بني الانسان اخوتنا من آدم رغم كفر البعض به و الحاد الآخرين !! هذه الآية وضحت مفهوم التعايش الذي ينشده المدنيون بين البشر ، و انه كلنا لادم و آدم من تراب ، فالتقوى هنا محلّ مواصفات و مقاييس لعبور الانسان الدار الآخرة ، و يتميز به الانسان عن أخيه في الانسانية الآخر .. و من شكر فإنما يشكر لنفسه ،
أما مفهوم الدين بالإسلام ، فهو كالتالي قال الله تبارك وتعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ ) ...و هنا حرية العقيدة ، رغم حاجة أي انسان كان لعقيدة التوحيد التي ستنجيه من عذاب الآخرة و تخرجه من ضلال الدنيا و ظلماتها الى نور الحق الصراط المستقيم ، و قد جعل الإسلام الانقياد الى هديه مدنياً دون ان يتدخل السيف ، ( راجع مراسلات النبي صلى الله عليه و سلم الى الملوك ) السيرة النبوية ..

و قد و ضح لنا إلله سبحانه و تعالى في كتابه حرية المعتقد رغم انه توعد من يخالف عن أمره ، قال تعالى : ( و هديناه النجدين ) و قال جل في علاه : ( فمن يعمل مثقال ذرة خير يره و من يعمل مثقال ذرة شرِ يره ) ، كثيرة هي الآيات و البينات في كتابه الكريم تدل على مدنية الإسلام .

المدنية السياسة في الإسلام تعني الشورى ( و أمرهم شورى بينهم ) و هنا يشترك كل مواطن في صناعة القرار السياسي ، عن طريق المبايعة ( الديمقراطية ) سواء برفع الأصبع !! أو بالتوجه الى صناديق الاختيار .

أما المدنية في القضايا الاجتماعية و هنا ما يركز عليه المهتمون بالدعوة الى المدنية ، فأنا أقول لهم : لا تخشوا الإسلام عندما يشاركنا حياتنا ..

وما يضير لو ان أحدكم غسل يديه و رجليه و وجهه خمس مرات باليوم و الليله !! و مايضيره لو انه ابتعد عن شرب الخمر و ابتعد عن طاولة الميسر !! و هل يرضى أحدنا أن يعيش في وحل الفحش و البغي كما هي الأنعام !؟؟ حدثوني بربكم ما هو الشيء المزعج في الذي يؤرق حياة البعض بالإسلام ؟ حرم الإسلام الخمر و أحلّ سبعين شرابا ، حرم الزناء و ما أدراكم ما الزناء !!؟ و أحل أربع نساء كي لا يكون عند الله حجة للناس ، سبحانه العظيم الكريم ، يتخيل الانسان بنفسه الضعيفة الطامعه أن ما لدى الناس ليس كما لديه ، و لأن الله تعالى يعرف خاصية مخلوقه الضعيف ، أحل له أربع نساء كي يعرف أنّهن كما الواحدة من حيث المتاع و الشهوة !! كره له الميته و من منا يحمل عقل في رأسه و قلب بين جنبيه يستطيع أن يستسيغها من فمه !! ؟

مدنية الإسلام نحو المرأة : لم يمنع الإسلام المرأة من العمل و مشاركة الرجل في الحياة ، إنما حفاظاً على هذا المخلوق الضعيف رهيف القلب رقيق الفطرة ، جعل الله بينها و بين الرجل تباين في الحياة كتباين الخلق بينهما ، فالعمل الذي لا تستطيع أن تأخذ المرأة بناصيته .. أوكله الى الرجل ، كالقضاء مثلاً ، و مهمة الحاكم ( الرئيس ) كذلك ، ليس بمقدور المرأة أن تستمر للعمل بهما ، و لهذا يحتاجها المجتمع الإنساني كمربية و معلمة و طاهية و غير ذلك من الوظائف التي تتماشى و مجهودها بين المجتمع ، و لاحظ معي أخي القاريء ، أن الله الذي خلق الزوجين الذكر و الأنثى ، قد وضعها الى جانب الرجل في أكثر من موضع قرآني ، ( المؤمنين و المؤمنات ) و قال تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) ، أليس مدنيتكم المزعومة التي تريد أن يكون الإسلام مغلقاً عليه في المساجد ومحاصراً حول أركان الكعبة ، ستقدم لنا حياة طيبة بديلة عن حياة الله الطيبة ..!؟

إذاً فمدنية الإسلام خير من مدنية غيره ، و الدليل ، قال تعالى ( و لا تجسسوا و لا يغتبّ بعضكم بعضا ) أنها منتهى حرية الفرد ، و قال كذلك : ( ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) أليست المدنية الحقة أن يعيش الانسان حر ببيته حر بفكره و حر برأيه ..؟

قال صلى الله عليه وسلم : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) صدق رسول الله .
و أخيراً ، لو أن من استدرك حكم الناس بالإسلام و احكامه و معانيه الساميه و جعل هذا الدين القويم يلتمس حياة من يحكمهم ، لشعر الناس بالسعادة الحقيقية في الدنيا و ساقتهم الطيبات الى الآخرة ، و انظرو الى آخر كلام الله تعالى ما أرفعه و ما أكرمه قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) فليس بعد كلام الله كلام ، و ليس بعده حكم ، وليس بعده بيان ، سبحانك رب العزة عما يصفون و الحمد لله رب العالمين ...