الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٢ مساءً

مصطلحات - مفاهيم وتعاريف مهمة للشاب الثائر (2-3)!

د. علي مهيوب العسلي
الخميس ، ٠٢ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٥٥ صباحاً
الانتخابات في الديمقراطية: حق الانتخاب في الديمقراطية هو حجر الأساس فيها. لأنه الوسيلة التي تمنح الشرعية السياسية للحاكم لإدارة الدولة لخدمة الشعب.إن استعمال حق التصويت هو ذروة المساهمة الديمقراطية وأكثرها تأثيرا على مستقبل الحكم. المهم أن يتجه أكبر نسبة من المواطنين إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يمثلهم لتسيير دفة الحكم. ولكن "أعداد" الناس غير كافية للمساهمة الديمقراطية،ولكن الأهم كذلك نوعية التصويت، الذي ينتج عن الانتخابات تغييرات جذرية قد تقدم أو تؤخر البلاد. لذا من الحكمة والواجب الوطني الإطّلاع اللازم على البرامج المعروضة للأحزاب ومرشحيهم لاختيار الأفضل عن معرفة.

إن أسلوب وطريقة الانتخابات تشابه كافة أنواع الانتخابات أو الاستفتاءات الشعبية من نقابية واجتماعية. تضع على المحك مستوى الوعي الديمقراطي ومدى تطوره. فوجود رقابة جدية للترشيح والانتخابات من قبل هيئات مستقلة محلية أو دولية تمكن الديمقراطية لأخذ مكانة مرموقة في قلوب المنتخبين، مما يؤدي إلى احترام المؤسسات التي يتم فيها الانتخاب ويحصل كل مرشح منتخب على شرعية كاملة.

ولتثبيت أركان الديمقراطية، على الحكومة المنتخبة أن تفي بوعودها التي قدمتها للشعب أثناء الحملة الانتخابية. هذا ينطبق أيضا على كل المؤسسات التي فيها انتخابات، كذلك من ضرورات الديمقراطية الشفافية في تسيير أمور الدولة والحوار الدائم بين الحاكم والمحكوم عن طريق وسائل الإعلام وجملة اتصالات منوّعة مثل حضور النائب أو الوزير بشكل دوري في دائرته الانتخابية ليعي مشاكل الناس في واقعهم اليومي لتكون قراراته وإجراءاته تمس مصلحة الناس الفعلية.


هناك منهجان أساسيان في نوعية الانتخابات النيابية:
1. النظام النسبي الذي يقوم على تناسب عدد النواب مع عدد منتخبيهم، مثلا 3 نواب لكل 100000صوت في منطقة ما أو على مستوى كل البلد. هذا النظام يشجع على تعدد كبير للأحزاب مما يصعُب معه الحصول على أغلبية برلمانية لتحكم بشكل فعّال، ويدخٍل عدم الاستقرار في الحكومة. لكنه يعطي مكانة وصوتا مسموعا للتجمعات الحزبية الصغيرة ويشجع ظهور الشخصيات القوية التي لم تتوفر لها الظروف السياسية لتعمل في النظام الآخر.

2. نظام الأغلبية يقوم على نجاح النائب في دائرته الانتخابية عند حصوله على أغلبية أصوات الناخبين أي 50%+.1 هذا النظام يشجع على التقليل من عدد الأحزاب، وتكون فيه الحكومة أكثر قوة واستقرارا.يمكن دمج هذين المنهجين بنسب معينة لتحاشي سلبياتهما كما هو مطبق قي ألمانيا مثلا.
فصل السلطات في الديمقراطية: لا يمكن تصور الديمقراطية اليوم دون فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بما فيها السلطة المعنوية الرابعة أي الإعلام.إن هذا الفصل هو أفضل الضمانات للنظام الديمقراطي.

السلطة التشريعية: السلطة التشريعية هي أساس السيادة في الدولة، فالمشرع أي المجلس النيابي، ممثل الشعب، له كل الحصانة لكي لا يقع تحت رحمة السلطة الحاكمة، فهو يشرع القوانين ضمن حدود مسؤوليته للقيام بكافة الأبحاث والدراسات والرجوع إلى اجتهادات أصحاب الاختصاص وإلى استطلاعات الرأي والحوارات والنقاشات العامة وأهمها المجالس البرلمانية التي تضم أفرادا من كافة الأحزاب لسماع مذكرات المواطنين. كل هذه الوسائل تصقل العقليات الديمقراطية وتقدم قوانين وحلولا أكثر نضجا.

السلطة التنفيذية: هي التي تسيّر أمور الدولة ضمن حدود قوانين المشرع، ولها صلاحيات اقتراح مسودة قوانين جديدة لدراستها من قبل المشرع والموافقة عليها.إن هذه العلاقة بين التشريع والتنفيذ لا يصح بشكله الأفضل إلا في استقلالية الأول عن الثاني، ولكن حينما تحصل الحكومة على الأغلبية البرلمانية يؤدي هذا إلى اندماج مشبوه بين السلطتين، يلاحظ ذلك حتى في كثير من الحكومات الديمقراطية.. هذا الوضع يضعف من مزايا الديمقراطية ومن استقلالية السلطات، وللخروج من هذه الإشكالية، يجب تفعيل آليات قانونية لحضور فعلي وقوي للمعارضة لعرض سياستها أمام الرأي العام، ويمكن أيضا إدخال التصويت الحر في البرلمان دون الالتزام بالخط السياسي الحزبي في مواضيع تمس تعديلا دستوريا هاما أو أية مشكلة ذات أهمية بالشأن العام أو حتى الخاصة التي تمس كرامة الإنسان. ومن بديهيات الديمقراطية فصل السلطة السياسية عن "السلطة" العسكرية والأمنية وجعل مراكز القوى هذه تحت سيطرة السلطة الأولى بشكل كامل لأنها هي الوحيدة التي لها شرعية دستورية واضحة.

السلطة القضائية: مهمة القضاء الأساسية تحقـيـق الــعـــدل في المجتمع وتطبيق وتفسير القوانين على الحالات التي تعرض أمامه ، ويتمتع القضاء في الدولة القانونية باستقلال عن باقي السلطات في الدولة حتى يتمكن من تحقيق مبدأ المساواة أمام القانون ، ويباشر عمله بحيادية ، بما يضمن حسن سير العدالة . وتتكون هذه السلطة من الهيئات القضائية من المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وهيئات الادعاء العام والإشراف العدلي . ويمارس القضاء رقابته بموجب الدستور على السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال المحكمة الاتحادية العليا (المحكمة الدستورية كما تعرف في اغلب دول العالم ) ومحكمة القضاء الإداري ، التي تختص بالنظر في مشروعية القرارات الإدارية الصادرة من مختلف الجهات الإدارية ، ويمارس القضاء كذلك الرقابة على ذاته من خلال رقابة محكمة التمييز على القرارات والأحكام الصادرة من مختلف المحاكم .

لا شك في ضرورة استقلالية هذه السلطة لحماية الديمقراطية. على القضاء أن يكون مستقلا في كافة مستوياته عن أي ضغوط سياسية، اجتماعية، مالية، دينية، عقائدية...هدف القضاء الأساسي هو العدل تبعا للقانون.

إن لاختيار القضاة اعتبارا حيويا في الحياة الديمقراطية، فاختيارهم يجب أن يبتعد أكثر ما يمكن عن اللعبة السياسية الضيقة للحفاظ على استقلاليتهم. لذا من الأفضل أن يختار المجلس النيابي أعضاء المحكمة الدستورية العليا عوضا عن الحكومة. أما القضاة الآخرون فيمكن اختيارهم عن طريق أندادهم. ومن الأمور الملحة لضمان استقلالية القضاة أيضا هو في رفع مستوى رواتبهم لمزيد من الحصانة.

إن الرجوع إلى السلطة القضائية في الأمور السياسية بشكل متواصل للبت في شرح القانون وحل الأمور الشائكة أو المستعصية يضعف السلطة التنفيذية والتشريعية لأننا بذلك نعطي الاعتبار الأول إلى هيئة غير منتخبة مباشرة من المواطنين ونخفف من قيمة السلطة المنتخبة. هذا يؤدي إلى "حكم القضاة" وإضعاف الديمقراطية بشكل عام، لكي نبتعد عن إقحام القضاء في الأمور السياسية، على النواب تحمل مسؤولياتهم كاملة وكتابة قوانين واضحة منسجمة مع بقية القوانين وغير قابلة لتأويلات متعددة.ولحسن إدارة الدولة الديمقراطية الحديثة يجب وضع رقابة قضائية تضاف على الرقابة الإدارية العاديّة على المؤسسات المتعددة في الدولة لكي لا تخالف القوانين وأنظمتها الداخلية.

الصحافة والديمقراطية: لا ديمقراطية دون صحافة حرة ومستقلة، مكتوبة كانت أو مرئية أو مسموعة، فالصحافة الحرة هي مدنية وليست حكومية في تكوينها تعكس بمختلف اتجاهاتها وجهات نظر الناس وتفكيرهم وتطرح عليهم آراء ومواضيع كثيرة للنقاش وتوضح وتشرح مشاكل المجتمع، كل هذا يؤدي إلى توعية كبيرة للمواطنين. والمصدر الأهم للثقافة السياسية لأكثر الناس تأتي غالبا من الصحافة.إن هذه المدرسة الديمقراطية حيوية لشحذ عقول الناس وضمائرهم للدفاع عن حقوقهم أمام جبروت الحكومة وغيرها من أصحاب السلطات المتنوعة من مالية إلى دينية...

يمكن أن تتحول حرية الصحافة من الايجابية إلى السلبية، فمن جهة، هي غير ملتزمة سياسيا، تعرض الأمور لصالح المواطن الحاضرة والمستقبلية دون مواربة وحسابات عن مكاسب و خسارات سياسية ، لكن من جهة أخرى عدم الالتزام قد يؤدي إلى تدهور في النقد أو متابعة الأحداث بشكل سطحي ومغري للجماهير دون أي جدوى إعلامية ودون مسؤولية اجتماعية.
إن الصحافة الحرة تضع فاصلا واضحا بين الصحافيين ومالكي الصحافة، لا دخل للمالك بما ينشر في الصحيفة. المسؤولية المباشرة تعود بالدرجة الأولى إلى الصحفي الذي يكتب تبعا لقناعته ، وبما أنه من الصعب الوصول إلى استقلالية كبيرة لكل الصحافيين، فمن المفضّل أن تكون ملكية الصحيفة للصحافيين أنفسهم كما هو الحال مثلا في الجريدة الفرنسية "لوموند". أو أن تكون لهيئة مستقلة عن الدولة كهيئة الإذاعة البريطانية أو راديو كندا. هذه الإذاعات الوطنية مستقلة عن الحكومة والأحزاب السياسية وتوجهاتها.تعدد مصادر الأخبار والتعليقات والمناقشات ضروري للحصول على معلومات صحيحة وسهلة الفهم. الصعوبة اليوم هو الوصول إلى اقرب مسافة من الحقيقة في بحر من المعلومات المتنوعة من حيث الكمية والنوعية.

وجود وزير للإعلام، كما هو الوضع في كثير من الدول العربية هو تعد سافر على حرية الرأي في هذه الدول. لأن "ضمانة" الحرية الأساسية للصحافة لا يمكن وضعها في يد الحاكم!
بزوغ الانترنيت وجملة المحطات التلفزيونية المحلية والفضائية فتحت أمام كافة الشعوب وخاصة المستعبدة منها من قبل حكامها، إمكانيات هائلة لا يمكن التكهن بتأثيرها على مدى عقود من الزمن. المواطن في هذه الدول في حال وصوله إلى هذه الوسائل سوف تتبدل نظرته إلى كثير من "بديهيات" سياسات بلاده بمقارنتها مع سياسات دول تحترم مواطنيها وتقدم لهم خدمات وشروط عمل وتتقيد بأخلاقيات تسيير الدولة دون نهبها وتخريبها عمدا أو جهلا.

يستطيع أي مواطن عربي مهما قلت ثقافته، أن يقارن بين حياته وحياة الآخرين والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظر وزراء الإعلام.

أما الاتصالات الفردية عن طريق الانترنيت، رغم محدوديتها، فهي تحدّ من سيطرة الدولة على ضمائر الناس وغسل أدمغتهم. من الملاحظ عالميا أن نسبة الاشتراك بالانترنيت منخفضة في البلاد الديكتاتورية وهي تحت مراقبة مشددة.

لكل وسيلة حسناتها وسيئاتها. هناك ما ينشر في صحف عالمية أو إذاعات معروفة بموضوعيتها ونزاهتها وجدية عملها واستقلالها عن السياسيين والمنتفعين ماليا أو مذهبيا أو دينيا...ولكن هناك بالمقابل "فضائيات" لم تزل تعيش تحت مظلة رئيسها القائد الملهم أو تحت تأثر رجال الدين تبث جهلها ونفاقها لكل أطراف المعمورة. هناك أيضا زحمة التداخلات والمداخلات الهائلة العدد بالانترنيت. الضياع وإضاعة الوقت في هذه الحالة يؤدي إلى خمول في البحث الجدي والابتعاد عن النقد والتمحيص.ولكن مع الوقت يمكن للمواطن تحديد الطريق والمواقع والوسائل الأكثر نفعا والاستفادة منها ايجابيا. المهم الانفتاح الفكري دون متاهة ودون تحرك عشوائي أمام الانترنيت وغيرها من وسائل الإعلام.

الشفافية والحوار في الديمقراطية: للإنسان كل الحق في تحكيم عقله دون خوف أو محاسبة عشوائية من الحاكم أو المجتمع. حرية التفكير جوهر العمل الديمقراطية، الحد منه يفرغ الديمقراطية ويجعل منها شكل دون مضمون. المجتمع الديمقراطي مجتمع مفتوح، تعرض فيه الأفكار وتناقش علنا من المواطنين تحت حماية القانون. هذه الشفافية وعدم رهبة الحاكم هي عناصر حيوية في مجال الديمقراطية. الإنسان المنفتح والمحاور والمدافع عن حقوقه لا يبقي لنفسه حصيلة أفكاره ومواقفه بل يود نقلها إلى الآخرين لاقتناعه بما يفكر فيه وبما يفعله. إذا دخلت هذه العقلية الانفتاحية في مجالات السياسة والنشر والصحافة والفنون وغيرها، تكون هناك صحوة نوعية عند المواطنين يتجاوزون فيها حدود إمكانياتهم الضيقة لإيجاد حلول جماعية أفضل من الحلول "المنزلة" من دماغ السلطان مهما كان قادرا وقديرا، فحصيلة مجموعة الأفكار هائلة بالنسبة لأفكار فرد واحد.

أما السرية وعدم الحوار والانغلاق والصحافة الموجهة أو ما يسمى خبثا الصحافة "الملتزمة". واتخاذ القرارات ضمن حدود ضيقة وأقل ما يمكن من النقاش تؤدي إلى سياسات هزيلة لا تخدم المواطنين بل تخدم شلة من الحكام ومن يدور حولهم، كما يحدث غالبا في الأنظمة الديكتاتورية.

الحوار بين أناس أحرار، عامل أساسي لنضوجهم الفكري.

الحوار هو نقاش مفتوح بين الأفراد تبعا لبعض الأصول لعرض أفكار المشاركين وتجاربهم لتجاوز الانعزالية الفردية. الدخول في حوار مع الآخرين يغذي أفكار الفرد والجماعة معا وتصبح محصلة النقاش والحوار أكثر وأكبر وأعمق من مجموع الأفكار المطروحة قبل نقاشها ومقارنتها. أثناء الحوار تنمو الأفكار وتتطور بسبب دخولها في مجابهة سلمية ومقصودة مع أفكار مناقضة أو موازية أو متقاربة أو مكملة. هذه الحركة بين الفكرة وغيرها ترفع المتحاورين إلى مستوى أرقى من حيث فهم الأمور المطروحة.

ولكي يصل المتحاورون إلى نتائج إيجابية، على كل واحد أن يعرض أفكاره بشكل واضح وبكل حرية، دون أن يقاطع،وعليه أن يلتزم في البداية بموقفه مما طرحه دون تغيير مفاجئ لألا يتحول الحوار إلى متاهات لا يعرف الأفراد موقف بعضهم البعض، في حال الاقتناع من وجهة نظر ما، يجب إعلان ذلك ليتأقلم الآخرون مع الموقف الجديد، وعلى المحاور عدم استعمال البلاغة الكلامية أو رفع الصوت أو احتكار الوقت للتأثير على الآخرين. عليه أن يلتزم بحدود اللياقة الكلامية بعرض أفكاره بشكل مترابط ومفهوم، وعليه سماع الرأي الآخر بكل انتباه، فالسماع أصعب من الكلام، ومن المفضل للمحاور كتابة بعض النقاط الشخصية لمساعدة الذاكرة في جولة عامة حول الموضوع.
إن حقيقة الفرد الواحد المنعزل هي حقيقة هزيلة في عقل صاحبها، أما الحقيقة المفتوحة للنقاش والحوار في جلسات ديمقراطية يحترم فيها رأي الجميع، فهي تغني صاحبها والمجتمع، كما يحدث غالبا في المؤتمرات العلمية والفكرية والفنية المحضرة جيدا.

قد لا يخرج المتحاورون باتجاه واحد ولكنهم يخرجون بوعي أكبر للأمور المطروحة وبوعي أوضح لما يجمعهم ويفرقهم.المهم في الحوار أن يدور حول نقاط محددة دون تشعب كبير كي لا يتحول الحوار إلى متاهة مقصودة أو غير مقصودة تكون أسوأ مما لو لم يبدأ، فالأساس في الحوار هو فتح آفاق جديدة لتوضيح الأفكار والتجارب وإغنائها.

النقد في الديمقراطية: النقد عملية عقلية للكشف عن حسنات وسيئات أمر ما، فالنقد يفتح بابا واسعا لرؤية الموضوع المطروح من كل أوجهه بشكل منهجي أي بشكل منظم وجدي يبدأ بالتحليل والربط بين الأمور دون إغفال. إن النقد يتطلب الحذر الشديد لكي لا يتحول من العقل إلى العاطفة حيث ينزلق في متاهات وظلمات لا تمس الموضوع المطروح. فلذلك فان النقد عملية صعبة لا ضوابط دقيقة وشاملة لها، فالناقد رغم انفتاحه وحذره ينطلق من مكوناته الثقافية المحددة لكي يحلل الموضوع ويطلق حكما عليه. لذا فالإطلاع الكبير وتعدد النقاد ضرورة أساسية في مجتمع ديمقراطي. فمطالعة وجهات نظر متعددة يساعدنا على تخطي حدودنا الضيقة لفهم أعمق وأوسع وانضج لأي موضوع كان، ويساعد الناس في أكثر الأحيان الكشف على النقد الذي هو أكثر قربا من الحقيقة.

القول أن النقد يجب أن يكون ايجابيا وليس سلبيا كلام يؤدي غالبا إلى قمع النقد ومنعه، والنقد السلبي قد يكون أكثر ايجابية لأنه يظهر سيئات مخفية وهذا بحد ذاته عملية ايجابية، هذا القول يشابه بشكل آخر مقولة أن النقد يجب أن يكون بناء وليس هداما، وهذه المقولة تصدر غالبا عن جماعة القبول بالأمر الواقع والمحافظين، فالبنّاء أو الهدّام، تصور ذاتي وليس واقعا موضوعيا لا يتبدل، فكل نقد يوجه لسياسة ديكتاتورية مثلا يقال عنه من قبل أعوانها أنه هدام، ولكن هدام لمن؟ هو هدام لهذه الديكتاتورية بالذات ولكنه قد يكون عاملا بناء لنظام ديمقراطي، فالسلبية والايجابية، البنّاءة والهدامة هي انطباعات ذاتية تعكس إلى حد ما مصالح قائليها.إن المهم في موضوع النقد أن يستند إلى العقل والوقائع دون تحجيم أو تضخيم ودون إغفال أو كذب.

الديمقراطية وحل الصراعات في المجتمع: ستبقى التناقضات المتعددة موجودة في كل المجتمعات البشرية نتيجة لتضارب المصالح لفئات الشعب الواحد الموجودة حتى في أصغر خلية اجتماعية، ولحل هذه الصراعات، إما بالعودة إلى شريعة الغاب؛ الأكبر والأقوى والأغنى هو الذي ينتصر وله " الحق" لأنه يملك القدرة على السيطرة؛ فالقوة هي التي تصنع الحق، وإما التحول إلى سلوك أسلم يأخذ بالقانون العادل للتحكيم في الخلافات الاجتماعية،وإن سيادة القانون هذا لا يمكن تطبيقه إلاّ في الأنظمة الديمقراطية فقط ، لأن الجميع سواسية أمام القانون، لا امتياز لأحد على الآخر ولأن هناك آليات لحصول الفرد على حقوقه بشكل مشروع، فإطاعة القانون في الأنظمة الديمقراطية لا تلغي الصراعات بل تحد من عنفها وتقلل من سلبياتها المضرة والعقيمة ، لأن الناس يلجأون إلى تحكيم قوة القانون وليس إلى قوة الأفراد.

إن إطاعة القانون في المجتمع الديمقراطي فضيلة اجتماعية وأخلاقية لأن للقانون قيمة تعلو على الفرد لأنها لمصلحة كل الأفراد في المجتمع، فالقانون يحدد أصول معاملات الناس ما بينهم وكيفية حل خلافاتهم بشكل سلمي، وإطاعة القانون يرفع من قيمة المواطن لأنه يشارك الآخرين في الحفاظ على السلام الاجتماعي وهو دليل قاطع على حسن سير الديمقراطية ، فتربية المواطنين على سلوك وأخلاقية ديمقراطية تهذبهم لمعرفة حدودهم في معاملاتهم مع الآخرين.

دور المثقفين والفنانين في التوعية الديمقراطية: الفلسفة والعلوم الإنسانية والفن تمكّن ممارسيها المستقلين والأحرار، فهم المشاكل الإنسانية فهما متعمقا وجليا ومتعدد الجوانب، فهم قادرون على نقل رؤيتهم وتصورهم للأحداث بشكل أكثر وضوحا، ودورهم الثقافي هام للغاية لمساعدة مواطنيهم ليخرجوا من انعزالهم المفروض عليهم قسرا في أغلب دولهم ومجتمعاتهم العربية وخاصة في ميدان الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.إن حرية المواطنين يجب أن يكون لها القيمة المطلقة في الدولة واعتبارها يتجاوز حدود البلد والسيادة الوطنية.

وجود الانترنيت أعطى للمفكر العربي داخل بلاده إمكانية ممتازة لنشر أفكاره بشكل واسع وطرح أفكار جديدة واستراتيجيات لتغيير ديمقراطي بطرق سلمية، لكن الكلام بحرية داخل الأنظمة الاستبدادية، يحتاج إلى شجاعة كبيرة ، لأن "مخابرات" هذه الدول هي دائما "ساهرة" وجاهزة لإسكات الأحرار، بالإرهاب والسجن والتعذيب وحتى القتل.

بالنسبة إلى المثقفين والفنانين العرب الذين يعيشون خارج العالم العربي، فهم يستطيعون توعية المواطنين العرب سجناء الأنظمة الاستبدادية، بالكلام والنشر، للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان على كل منبر وفي كل مناسبة، هم أكثر حرية من إخوانهم داخل البلاد العربية ولهم إطلاع وعلم وتجارب واقعية في مجتمعاتهم المتقدمة، فشهاداتهم عن ميّزات الديمقراطية لها تأثير كبير على المحرومين منها. إن دساتير الديمقراطيات تحمي المفكرين والفنانين العرب فيها من أي تعد على حرية آرائهم.

بدائل الديمقراطية: ما البديل عن النظام الديمقراطي؟ بديل الديمقراطية نقيضها أي النظام الديكتاتوري الشمولي والسلطوي، علمانيا كان أو دينيا، الذي يملي على الناس في كافة أنشطتهم نوع التفكير والسلوك، هذا النظام يدوم بدوام أصحابه وسلالتهم من عشيرة أو ملّة أو طائفة أو فئة...

رغم كل سلبيات الديمقراطية فهي أرقى من النظام الديكتاتوري وأقرب إلى أماني الشعوب المتعطشة إلى الحرية والحياة الكريمة، فسلبيات حكم الفرد والفئة ظاهرة بوضوح، هذا النوع من الحكم يعمل لصالح فئة صغيرة بالدرجة الأولى، ويضع بقية الشعب تحت الوصاية ولا يعتبره راشدا لتسيير أموره وتقرير مصيره، ولكن هذا النظام عن طريق غسل الدماغ عن طريق أبواقه الإعلامية يدعي الإصلاح والعمل لخدمة الشعب!
عندما تُستبعد الرقابة على الحاكم يصبح من السهل الانزلاق إلى ميدان التعسف وهدر طاقات البلد والعنجهية والسياسات غير المعقولة، كما رأينا في رومانيا شاوشيسكو وفي كثير من بلادنا العربية وفي بقية العالم الثالث.

الديكتاتورية مكتفية بنفسها ومشبعة من ذاتها تملك الحقيقة والرشد والمؤهلات للحكم المطلق لصالح الشعب، في هذه الأجواء المغلقة يصبح الكذب وتلفيق الحقائق والنفاق والمحسوبية الثقافة المنتشرة عند الحاكم ومن يدور حوله من المنتفعين.

إن موضوع التحول إلى الديمقراطية في الأنظمة الديكتاتورية تكمن أساسا في إرادة الناس وشجاعتهم، كل تحول ما، يتطلب مجازفة وتضحيات كبيرة ،فإرادة التغيير عند شعوب أوروبا "الشرقية" في التسعينات من القرن العشرين مثلا، تمت ونجحت بشكل سلمي، تبعا لإستراتيجية التثقيف الديمقراطي المتواصل والعصيان المدني والمظاهرات والإضرابات.

أما في دول العالم الثالث فالطريق أكثر صعوبة لقلة وضعف الثقافة الديمقراطية ، لأن تبديل أو تطوير الفكر والسلوك عملية شاقة وطويلة تحتاج إلى وعي كبير وصمود أكبر، فالقوى الفاشية التي "تملك" البلد وتستفيد من تسلطها السياسي والاقتصادي لن تتنازل عن "مكاسبها" وامتيازاتها بل سوف تقاوم بكل ما تتيحه لها الدولة من جبروت للبقاء و ستحاول القضاء على المطالبين بالتغيير والإصلاح، رغم هذه الصعوبات الجّمة، هناك بوادر ايجابية مساعدة لتسريع الوعي الديمقراطي للشعوب المقهورة ، فالإعلام العالمي، بلا حدود، أصبح متوفرا لكافة سكان الأرض لمساعدتهم لمقارنة الأنظمة فيما بينها وتبيان الفروق الكبيرة في احترام حقوق الإنسان.إن العيش في نظام ديمقراطي حديث العهد، لا يعني أن مشاكل البلد سوف تحل تلقائيا وبشكل سحري، بل قد تتحول الأمور، غالبا في بداياتها، إلى صراعات طبقية ودينية...

تبعا لمصالح أصحابها، ومن المحتمل أيضا، بسبب سوء الإدارة السياسية والاقتصادية، إلى إحباط الناس من الديمقراطية التي لم تجلب معها تغييرا مرتجى،الديمقراطية تحتاج إلى عمل متواصل وإلى وقت طويل وصبر أطول، فثمار الديمقراطية لا تجنى على المدى القريب، فهي ثقافة تهذب الفكر والسلوك للعيش مع الآخرين واحترامهم رغم الخلافات العميقة بين طبقات المجتمع سياسيا واجتماعيا، وقبول مبادئ تحول السلطة من فريق إلى آخر بشكل سلمي، وايضا تحرر العقول من الخوف يخلق أجواء أكثر ملاءمة لمقاومة إعادة الاستبداد والعمل لإصلاح الأمور في الدولة الديمقراطية الفتيّة. إن كان من الصعب إيجاد حلول شاملة وسريعة في النظام الديمقراطي فإنه من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل، كما يبرهن لنا التاريخ الحديث، إيجاد حلول سليمة ودائمة في ديكتاتوريات سياسية وعسكرية تفرض حكم الأقلية عن طريق الأقلية ولصالح هذه الأقلية.