الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٣٧ صباحاً

الثورة ,,, مشروع الوطن الكبير

عباس القاضي
السبت ، ٠٤ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
كنت قد تناولت موضوعا من قبل, شبهت به الثورة بالسيل الهادر , يكون في البداية مثاليا في امتزاج مكوناته, يمضي بقوة وعنفوان إلى غايته, فإذا تباطأ أو ركد أصابه التفكك ,,كذلك الثورة إذا طال أمدها بدأت تظهر فيها أمراض المجتمع.

والمعروف أن الثورة الشبابية الشعبية بدأت بكل مكونات المجتمع , بدءا بالأكاديمي مرورا بالمرأة والطفل والكهل وانتهاء بالقبيلي والجندي, فلم تكن حكرا على السياسي أو المعارض التقليدي.

لكن التعقيدات التي أفرزتها عقود من الحكم الضعيف حينا والقاسي أحيانا أخرى..فقد كان هشا يكاد يختفي عندما تستدعي الظروف وجود دولة قوية, لذلك وجدنا " التقطعات " وأصبح الثأر قضية مستفحلة, وامتدت الأيادي للفساد بأمان..وكان قاسيا أمام المطالب المشروعة, كان يسجن ويختطف ويقتل خارج القانون, فطال الأمد لثلاثة عقود ونيف, في العقد الأول أذاب الشحم, وفي العقد الثاني أكل اللحم, و في العقد الثالث فتت العظم, وجد النظام نفسه بعيدا عن تحقيق دولة, ذات مؤسسات لبناء وطن تنشده الجماهير...فبدأ يبحث عن مكاسب شخصية وعائلية.

والثورة في عنفوانها لم يغب هذا المشهد من مكونات الثورة, وأخص بها البعض من الذين جاءوا من شمال الشمال أو من جنوب الجنوب,,كونهم الداعيين لمقاطعة الانتخابات الرئاسية في الـ 21 من فبراير 2012مـ , وهؤلاء وإن كانوا يتقاسمون مع بقية المكونات المعاناة من هذا النظام, إلا إنهم لا يبحثون عن مشروع الوطن الكبير, كل يريد من الثورة ,أن تحقق له أهدافه, التي إن تحققت, فإنها كارثية.

تصوروا معي بماذا يفكر الحوثيون, ورغبتهم بتمرير مشروعهم الذي يتناقض مع الثورة والجمهورية, بهيمنة مذهبهم ووصايتهم على الشعب,, وإلا فإن الثورة بنظرهم ناقصة لم تكتمل, الأمر الذي جعلهم يصرحون على الملأ بأن النظام المتهاوي كان أفضل من ثورة, لم تمكنهم من تحقيق مآربهم, والمضحك المبكي أنهم يتباكون على شهدائنا , ويتهمون الآخرين بأنهم خانوا دماءهم, وهم من ضحوا بدماء أبناء صعدة وسفكوا دماء أبناء القوات المسلحة, بستة حروب عبثية, ليس لها أي هدف, بدليل أنها كانت تبدأ بتصريح, وتنتهي باتصال هاتفي , وكل مرة يعقدون صلحا مع النظام, لم ينوحوا فيها على قتلاهم ولم يشقوا لهم الجيوب ولا يطالبون بالقصاص. لقد اصطدم الحوثيون بإجماع الثوار على مشروع الوطن الكبير, بدلا من مشروعهم الكهنوتي المذهبي, لهذا نقول لأبناء صعدة وغيرها : احتشدوا في الـ21 من فبراير لتمزقوا خيوط العنكبوت الفارسي, الذي يدعو للمقاطعة.

أما الحراكيون في الجنوب فليسوا سواء, فهناك الحراكيون السلميون الذين سبقوا الثورة بثلاث سنوات, أصحاب مطالب مشروعة التي لا تختلف عن مطالب كافة أبناء الشعب اليمني, غير أن لهم خصوصية بعض الشيء نتيجة الأوضاع المعقدة التي مرت بها الفترة منذ قيام الوحدة حتى الآن وخاصة ما نتج من حرب صيف 94 , ولأن نظام الحكم كما أسلفنا جمع بين الهشاشة والقسوة, فإن القضية كانت تسير من سيء إلى أسوأ .

خطأ النظام في إدارة الدولة وسعت الهوة, وأتاحت الفرصة لمن لهم مطامع ومشاريع صغيرة, أن يقلبوا الطاولة, ليس على النظام, ولكن على الشعب اليمني كله, بتهديد وحدته, مصابون بعمى الألوان, لا يفرقون بين حاكم وشعب, يرددون عبر وسائل الإتصال المتاح لهم: إن أبناء الشمال قد ظلم أبناء الجنوب, واستباح أرضهم, وإن الاستعمار البريطاني أرحم من استعمار اليمنيين لأبناء الجنوب العربي, كما يحبون أن يسموها, أصوات نشاز مقيتة, كبارهم يريدون أن يتاجروا بالقضية الجنوبية, يوعدون دول وحكومات أن تكون لهم ميزات لدى الدولة المستعادة, ليجنوا من ورائها أموالا طائلة,, والصغار منهم مجرد أبواق, لا يدركون لعبة الكبار.

أما الغالبية من أبناء الجنوب, وهم صناع الوحدة الحقيقيين, فهم من انتصروا للشعب اليمني في حماية الوحدة صيف 94 فلولا أبناء الجنوب الشرفاء, ما استطاع جندي أن يدخل مدينة, بل استقبلوهم بالزغاريد والورود.

وهم الآن في الساحات والميادين , يتقاسمون مع بقية المدن اليمنية نفس الظروف, ويهتفون نفس الشعار, يستعدون ليوم الـ21 من فبراير ليتخلصوا من نظام أساء للوحدة , وأيضا من أفراد محسوبين على أبناء الجنوب, نَصَّبُوا أنفسهم أوصياء عليهم.

ومن حسن الطالع على الثورة والثوار أن يكون المرشح للرئاسة التوافقي, من أبناء الجنوب, وتحت إشراف حكومة وفاق وطني, يرأسها واحد من أبناء الجنوب , ليكون ردا عمليا للذين يطالبون أن تُحْكمَ الجنوبُ بأبناء الجنوب...فقد سَلَّمنا لهم حكم اليمن كلها ..ونكون بهذا قد ألقمنا أفواههم بحجر.