الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢٨ صباحاً

الإنتخابات الرئاسية ... البدائل والحلول

صالح السندي
الخميس ، ٠٩ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
قبل ان نغوص في مفهوم الإنتخابات الرئاسية القادمة , وما يمثلة جدوى إقامتها وسبر أغوارها , يجب علينا اولا فهم المعني الكلي لمصطلح الديموقراطية ومبدأ الإنتخابات عموما , الديموقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه والتعددية السياسية وحرية التعبير والتداول السلمي للسلطة , وكانت الانتخابات او الشورى هي الطريق الأمثل للوصول الى تحقيق الديموقراطية الكامله المتوازنة في اغلب الدول المتقدمة والنامية على حد سوآء , إلا أنه في شعوب العالم الثالث انحصر مفهوم الديموقراطية على النخب السياسيه والليبراليه , فاصبحت ديموقراطية ليبراليه تقضي بحكم الفئات القليلة والنخب على الاغلبية العامة من باب حمايتها والحفاظ على مصالحها , من الخطأ الشائع استخدام الديموقراطية الليبرالية بمفهومها الحر الناضج , وهذا ما نتج عنه تباعا الاتجاه الى الديموقراطية الشعبية , والصين نموذجا يحتذى به في الاتجاه الديموقراطي الشعبي الصحيح , وصارت الديموقراطية العربيه - جزافا - كالقفز في مسبح خال من المآء , ومن الأسس الاساسية ومفاهيم الديموقراطيه الحية وثقافتها الحقيقية المجردة .

وما يحدث في اليمن -إجمالا- نوعا من الديموقراطية الليبرالية المزيفة المغلوطة تماما , حيث انحصر الحكم وعلى مدى عقود طويلة في فئات معينة وأسر خاصة توارثت الحكم توريثا وورثتة بمساندة الثقافه الاجتماعية والقبلية الطاغية التي انتجتها هذه السياسات الاقصائية لحكم الشعب عبر سنوات طويلة , وتلك الوجوة السياسية المألوفة وعلى مدى عقود لم تتغير او تتبدل , حتى هرمت في مجال السياسة الداخلية , مستمدة شرعيتها اما من النفوذ القبلي او المالي او عن طريق شريحة عريضه من الانصار والاحزاب والقواعد الشعبية , التي رضت بحكم الاقلية وتمجيد الزعامات والقيادات , بواسطة ثقافة ناقصة لااخلاقية خلقت من الافراد ابطالا ومن الحكام طغاة , مستقاه من التراكم الاعلامي لتمجيد الرؤساء والزعمآء منذ خمسينيات القرن الماضي , وهذا ما يتم تداولة هذه الايام مجددا في وسائل الاعلام المختلفه والحملة الرئاسية الانتخابية عن مرحلة الانقاذ , واخراج اليمن من مرحلة الركود الى مرحلة النماء الاقتصادي والمعيشي والنهضة السياسية المرجوة .

وتم تصوير الامر برمته ان الانتخابات الرئاسيه هي العصا السحرية المنتظرة التي ستنقذ اليمن من الانهيار الحاصل والواقع المرير , وتقتلع اليمن من بين انياب التمزق والتشتت والانقسام , وهذا ما يتناقض مع مبادئ الديموقراطية والدولة المدنية الحديثه , فالدول تبقى والزعامات ترحل , ولكل زمان دولة ورجال , فمصير الامم لا يقيد باشخاص معينين , واقدار الشعوب لا ترتبط بالافراد , واستقلالية الاوطان لاترتهن للخارج , وللاسف ما يحصل الان من تحايل وخداع سياسي باسم الديموقراطية ما هو الا لعبه سياسية قذرة مخطط لها , انتجتها المبادره الخليجية والارتهان للخارج والجوار , وضعف الامكانات والثقه السياسيه الوطنية , فحين قامت الثورة الشبابيه باهدافها السامية والشعبية , كان الهدف الاسمي هو تغيير النظام واجتثاث الفساد ومحاكمة رموز العهد البائد , هذه الاسس والقواعد الصحيحة لبنآء يمن جديد متقدم مزدهر خال من الفساد والتمزق , الخيار الثوري التغييري السلمي هو الخيار الانجع والفعال في التغيير في اي مرحله راهنه او قادمه من مراحل الوطن , والعودة الى تصحيح المسار قبل فوات الأوآن لهو الحل الأمثل لعلاج المرحله الحاليه والمستقبلية .

قد يكون الكلام عن الثورة الان متأخرا نوعا ما كون الفترة الزمنية الطويلة والانقسامات واختلافات وجهات النظر حالت دون الوصول الى حلول مرضيه ومقبولة من جميع الاطراف قد ارهقت العمل الثوري واخرجت الثوره كليا من مضمونها الحقيقي ومسارها الصحيح , وقد يكون الامل تبدد فعليا في أي تغيير قادم باسم الثورة الشبابية الشعبية السلمية , التي اصبحت ربما حلما واملا لم يتحقق كليا بكامل اهدافه وتطالعاته ورؤاة , وفي ظل انخراط العمل السياسي والثوري معا عن طريق الاحزاب , مما سبب تبدد اللوحة الثوره الصافيه وتلاشيها , واصبحت لوحة مشوهه خليطة الالوان والتوجهات , مما سببته احزاب اللقاء المشترك من ضربة موجعه وقوية في عمق التيار الثوري واصابته في مقتل , حين ركبت موجة الثورة الشبابية للوصول الى كرسي الحكم , واستخدمتها مجرد أداة ووسيلة لتحقيق مطامع وغايات ومكاسب سياسية لاغير , وحين تنكرت للشعارات والاهداف الثوريه الصريحه والواضحه بمحاكمة النظام بكافة رموزه وتغييره جذريا وبناء الدوله المؤسسية الحديثه .

وهذا ماخلق نوعا من اللبس في المفاهيم الثورية والمصطلحات السياسيه حتى ألآن , فالنظام كان بمفهومه سابقا متمثلا في الحزب الحاكم وحكومتة ونظامة كاملا , والان النظام ناتج عن اندماج سلطة ومعارضة في تشكيل نظام توافقي وطني , فالنظام الحالي اصبح خليطا متداخلا من المكونات الحزبيه الحاكمه والمعارضه في بوتقه واحدة, تخدم توجهات بعينها قاسمها المشترك الصراع لأجل البقاء , وحين تشابكت المصالح , وفي ظل التصادم الاهداف الثورية مع اهداف الحكومه التوافقيه , ولد انقساما ثوريا فاضحا انهك الثورة الشبابية واطال عمرها حتى هرمت , وولد صراعات داخليه عجل بزوال الحلم الثوري الجميل , عن طريق التاثيرات والتدخلات المتكرره للاحزاب عن طريق اياديها في الساحات وقياداتها الشبابية , لفرض سطوتها و خيار المبادرة الخليجية والانتخابات الرئاسية لفرضها امرا واقعا وخيارا لا بد منه , دون احترام الأرآء الشبابيه المستقلة عموما , التي فجرت الثوره اصلا , وكانت النواه الحقيقيه للتغيير في اليمن , ودون وضع اية اعتبارات سياسية للخيارات الاخرى المطروحه للتغيير جماهيريا .

مما حذا بتحويل الثورة الى ازمة , وهذا اللبس الحاصل في المفاهيم ... تعريف النظام , والثورة ...والأزمة , انما هو نتيجة حاصلة وحتمية لاشتباك المصالح وتناقض المفاهيم وتداخل العمل الثوري والسياسي الذي ساقتة احزاب اللقاء المشترك , وهي بذا تنتهج نهج النظام الديكتاتوري من الاقصاء والتهميش والحملات الشرسة ضد المعارضين خاصة من الشباب الحر الثائر والمستقل , تارة بالتخوين وتارة بالعماله وتارة اخرى بالارتهان للخارج , وبذا إحياء نار الفتن الطائفية والمذهبية والحزبية , وتحذو بذلك حذو النظام البائد , وتنتهج دون ان تدري مسببات سقوطه ونهايته , حينها نتسائل كيف ننشد الدوله المدنية الحديثه المستقلة في وجود هكذا سياسات إقصائية قائمة على أسس ضعيفه غير صحيحة ؟؟ فكيف سيكون الحال ان حكموا فعليا وتبوءوا مركز القيادة كليا ؟؟

وللفصل والبت في اختلاط المفاهيم.. هناك ثورة شعبيه فعلية ضد النظام باكملة , وهناك ازمة سياسية بين السلطه والمعارضه , وهناك نظام قائم الان متشكل بين اقطاب العمل السياسي المعارض سابقا والحاكم حاليا , وهذا ما جعل الاغلبية المستقلة التصحيحية لعمل حملة انتقادية واسعة ضد سياسات التجهيل الاعلامي والدعائي الانتخابي بكل صورة واشكالة , والسعي لشق الصف والتهميش والاقصاء من قبل النظام الحالي بحلته الجديدة , وحين تم طرح هذه الرؤى من قبل التيارات المستقلة قوبل بهجمه شرسه منظمة من القيادات الحزبية وصلت لحد التخوين والعماله , فكيف كانوا حتى الامس القريب شركاء العمل الثوري , ورفاق الدرب واليوم صاروا خونه وعملاء , لمجرد رفضهم الانتخابات الرئاسية والمبادرة الخليجية , ومانتج عنها من حكومة وفاق وطنية .

ولإثبات المصداقية تم طرح ووضع آليات ورؤي عملية صادقة عن البدائل والحلول التوافقية المجدية عوضا عن الجري ورآء مهزلة الانتخابات الرئاسية , الخيار هو العودة الى اهداف الثورة السلمية الاساسية وتطبيقها التطبيق الكامل بكل حذافيرها وبنودها واهدافها , وسيكون تحقيقيها على الاقل حاليا اسهل من ذي قبل لانكماش وتلاشي اكثر المعوقات النظامية المستحدثة لتحقيقها , من إنتفاء مبدأ التوريث , وتنازل الرئيس - حد أقل صوريا - مكرها عن سدة الحكم , وفي ظل وجود الثورة المؤسسية العارمة , وانضمام اكثر قوات الدفاع الجوي )ثورة صقور الجو ) للشعب وخياراته للتغيير والحرية والتحرر من الحكم الاسري الانفرادي , وتساقط شبكات النظام البائد ومحسوبياته تباعا , وترهل النظام وهشاشته من الداخل وتفككه إداريا , كل هذه العوامل ستجعل من المتاح بل من الممكن المؤكد العودة الى منارات الثورة المجيدة واثباتها فعليا على ارض الواقع وتطبيقها , وتحقيقها على الخارطه السياسيه والوطنية , ودمج جميع عناصر ومقومات التغيير الإيجابي في صميم المرحلة القادمة , الأجوآء الان ملائمة اكثر من ذي قبل لإحقاق العدالة الشعبية - وليس الانتقالية - بمحاكمة المجرمين والقتلة وتطهير الوطن من براثن الفساد وبؤر العماله , واعادة اموال الشعب وتجميد الارصدة , وتأسيس القضاء العادل القادر على تصفية الجسد اليمني من الامراض والأوبئة والعلل ومحاكمة الفاسدين , وتسوية الاوضاع العسكريه والامنية لقادة الجيوش , والعوده بها الى الشعب لخدمته وحمايتة وحفظ الأمن والاستقرار , وبنآء الأسس الصحيحة القويمة والقوية والمتينة لبنآء الدوله اليمنية المدنية الحديثة المرتقبة .

وكانت التصورات إبان بزوغ فجر التغيير بتشكيل حكومة انتقاليه توافقيه , تضم كافة اطياف الحراك السياسي اليمني والشبابي الحزبي والمستقل , أوتكوين مجلس رئاسي انتقالي ووطني شريطة ألايضم احدا من رموز النظام البائد , لاقت القبول والإرتياح الكبير من اكثر اطياف العمل السياسي والثوري الشعبي المعارض بكل مكوناته , وكان السير في خطى منوال هذه الاطروحات والمبادرات يمثل النهج الصحيح والسوي لخلق البدآئل وخنق النظام داخليا وإفقادة الشرعية المكتسبه خارجيا , لولا المبادرة الخليجية ومانتج عنها من حصانه وعدالة انتقاليه خلطت الحابل بالنابل وافسدت الروح الوطنية التواقة للتغيير وشقت الصف الثوري واكسبت النظام قوة قاهرة قادرة على الاستمرار واضافت له شرعية جديدة بغطآء دولي وحزبي , حينها التقط النظام المنهار انفاسة مرة اخرى من التهاوي والانهيار , واعاد توازنة داخليا والوقوف على اقدامه مجددا , وصاراكثر قوة وبطشا وبأسا , ومثل التسليم والاستسلام في منتصف الطريق تحت وطأة سياسة العقاب الجماعي وقمع الآلة العسكرية مرحلة انقاذية للنظام وخنوعا للقوة وهروبا للامام , وفرصه ذهبيه سانحة لكسب الكثير من الحصانات والضمانات للهروب من الملاحقة القضائية الجنائيه الدولية والمحلية العادلة , وهذا لا يحدث الا في اليمن , ان يعترف القاتل بالقتل والجريمة ويريد حصانة مشروعه ويفرض شروطة , وتهدى له على طبق من ذهب !!!

ان انكار التكتلات السياسية المستقلة , وتهميشها والضرب بها عرض حائط الاقصاء , لهو الاعلان ببداية فشل جديد لأية اتفاقيات وتسويات سياسيه مستقبليه قائمة على انكار اطياف الشعب المختلفه وفئاتة المتنوعة, ومدى تأثيرها على الواقع الوطني وتثبيت الأمن والاستقرار , وخيارات الاعتراف بأية تشكيلات حكوميه مستقبلية , فحين يتم اغفال الحراك الجنوبي كمقوم ومكون اساسي في التغيير الوطني ممثلا للقضيه الجنوبية , لهو خطأ سياسي فادح يقود الانتخابات الرئاسية المنفردة الى مواجهه حقيقية مع الشعب , وفي ظل رفض هذا المكون للانتخابات يمثل طعنة قوية للنظام وتشكيكا في مصداقيته , بما يتربت عليه مستقبلا تحول اليمن الى الكونفيدرالية - على أسوأ الاحوال - في حال فشل الفيدرالية والدولة الواحدة الإندماجية , وكذلك اغفال الجانب الشبابي المستقل الرافض كليا للانتخابات الرئاسية يمثل ضربة اخرى لشرعية الانتخابات واقامتها والجدوى منها .

وإقصاء التيار الحوثي الذي شارك منذ فجر التغيير والثورة واثبت حسن النوايا مرارا ضد نظام القمع والقتل والإجرام , ليمثل في حد ذاته مشكلة متشعبة متجذره لاقصى شمال الشمال , لمكون له قوته وشعبيته وانصارة , ورفضه يعني العودة الى زمن الصالح من التسويق للحروب والصراعات والفتن والتفريق بين أبناء الوطن الواحد , بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبيه والفكريه والمذهبيه ,ان العدالة الانصافيه تحتم علينا النظر بعين واحدة وعادله ومنصفة للمجتمع اليمني ككل , لاخراجة من تراكمات الماضي الديكتاتورية والتعسفية الثقافية المغلوطة , والسير به قدما الى مرحله جديدة من التسامح والتصالح الوطني القائم على العدالة والانصاف والمساواه والتداول السلمي للسلطة , واخراج الوطن من عنق الزجاجة والاوضاع الاقتصادية المتردية والنهوض به , وكل هذا لن يتحقق في ظل ديكتاتورية جديده وليدة و منبثقه من ديكتاتورية نظام سابق بكل مخلفاته وثقافاته التآمرية , حينها فقط بصمتنا وتهاوننا سندفع الثمن باهضا , ونجر الوطن دون شعور الى ويلات الأسوأ والانهيار الحتمي , وخلق مشاكل جديده الوطن في غنى عنها , اذا لم تحل جميع القضايا الوطنية الان بروح وطنية صادقة وعادلة , وتوفير الارضيه المناسبة والاساسيه والمتينة لخلق حكومات وانتخابات قادمة , سنقف عاجزين مستقبلاعن الخروج الآمن من جميع تبعات السكوت والسياسات الخاطئه تجاه وطن يئن من اقصاة الى أقصاة , لن تكون الانتخابات الرئاسية وحدها فحسب هي الحل الوحيد للخروج به الى بر الأمان !!!