الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٢ صباحاً

نكبة 21 فبراير ...رؤية مستقبلية

صالح السندي
الأحد ، ١٢ فبراير ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ مساءً
سيسطر التأريخ هذا اليوم بمزيدا من الخزي والعار لليمن يضاف الي القوائم الطويله لنكبات والذل والمهانه التي يزخر بها اليمن , حين فشل أولا في تحقيق رغباته للحرية والتغيير والعداله والكرامة والمواطنة المتساوية , وحين فشل مجددا في اسقاط نظام الفساد كاملا بكافة رموزه واباطرته ومحاكمته كليا , وفشل ايضا في وقف مهزلة المبادرة الخليجية , وما نتج عنها من حكومة وفاق مدمجة وسياسات مفرُخه وليدة فرضت قرارات الخارج على الإرادة الشعبية والوطنية بالقوة والتدخل السافر , وألآن فشل جديد ونكبة جديدة في وقف تحقيق مهزلة الإنتخابات الرئاسية القادمه , ومن نكبة الى نكبة سيسطر التأريخ مزيدا من نكبات متجددة , وتأريخا اسودا قاتم اللون والرؤى والمعالم , وستتوج هذه النكبات مجتمعة يوم 21 فبراير القادم , بقدوم النظام بحلته الجديدة ولباس سياسي جديد وبمباركة شعبية عارمه , وكأننا نحيا في قصص شهرزاد والفارس المقنع واحلام الف ليلة وليلة , ولم نصحو بعد من غفوتنا وغفلتنا وجمودنا الذهني والعاطفي والسياسي وصدماتنا المتكرره في حلقات المسلسل التآمري الدرامي الطويل , إلا على مزيدا من النكبات والسقوط والانهزام والتهاوي .

نتذكر جيدا حين قامت الثورة الشبابية السلمية لم يكن ابدا احدى شعاراتها المستلهمة ترشيح هادي رئيسا للجمهورية المنتظره , ولم تكن احدى اهدافها الأساسية تأسيس الدولة المدنية الحديثه على انقاض نظام مستمر بكافة صورة ورموزه وفسادة , وحين انهارت دموع عتاب بنت الشهيد لم تقل رشحوا بابا هادي , بل قالت علي قتل بابا , وأنس الشهيد لم تغتال طفولته قذائف الهاون بلا رحمه ليكون مقاضاته ترشيح ممثلا وركنا من نظام القتل والإجرام , وتزكيتة لقيادة مرحلة جديدة , ودمآء الشهدآء حين نفتش عنها و نقتفي اثرها في زحمة الحياة السياسيه والتآمرية نجدها تنتظر الحكم والقصاص العادل المنصف , وما يتم الترويج له عبر الحمله الانتخابية من استفزاز لمشاعر أسرالشهدآء خاصة وللشعب عامة من الصاق صورة الرئيس السابق مع المرشح القادم في صورة توافقيه واحدة, ذيل تحتها بالخط العريض معا لنبني اليمن الجديد , بعد المعارضه الشديدة من صقور المؤتمرعلى آلية الحمله الإنتخابيه المنفردة , لهو قمة الإستخفاف والمهزله الإعلامية والدعائية الانتخابية العقيمة والرخيصة , بإقحام رمز النظام السابق الملوث في أية رؤية مستقبليه قادمة لغد اليمن الجديد الطاهر , استخفافا بشعب باكمله اولا بوضع مرشحا وحيدا لا غير , بما يتنافي مع مبدأ أي ديموقراطية منتخبة كخيار وطني لأية عملية سياسية توافقية , وثانيا استخفافا بأرواح الشهدآء من ضحوا بأنفسهم لأجل يمنا جديدا متمدنا متقدما , واستخفافا بآمال الشباب بأية تغييرات قادمه منبثقة من وحل الديموقراطية المزيفة , بفقدان مصداقيتها ومشروعيتها الدستورية والقانونية والشعبية .

وحين يساق الشعب اليها مرغما مكرها تحت وطأة سياسة العقاب الجماعي وقمع الآلة العسكرية , وفرض خيارات القوة السياسية والأمنية والإعلامية , وضيق سبل الحياة المعيشية , آملا في مخرجا ساقته اليه احزاب اللقاء المشترك متآمرة مع النظام لاجل مطامع ومكاسب سياسية وقتية , لتعتبر بحد ذاتها في مقياس الأمم و معايير النزاهه الاخلاقيه والعالمية في أدبيات السياسة و ثقافة تعامل الحكومات مع شعوبها والقوانين والاعراف الدوليه , سابقه خطيرة في قتل وإنهاك شعبا باكمله سياسيا واقتصاديا , وتشريده وعقابة والامعان في اهانته وتعذيبة وإذلالة , وفرض سطوة العقاب الجماعي في حرمانه من ابسط الحقوق وادناها من سبل الحياه الكريمة , وتوفير مقومات البنية التحتية والأساسية .

إن الديموقراطية الجديده التي يتشدق بها النظام حاليا تعد سبقا خطيرا وانتهاكا جسيما في قانون الاعراف الديموقراطية لتحقيقها وانجاز الغايات المنشوده منها , فكيف تبنى هذه الديموقراطيات الوليدة على مبادئ و أسس دكتاتوريات قديمة مستبدة , وكيف تضاف لها شرعيتها المكتسبه خارجيا المخضبه بدمآء الشهدآء ومعاناة الاغلبيه الساحقه من الشعب اليمني , دون أدنى اية اعتبارات اخلاقية او سياسية للأمانة الملقاه على اعتاق المسؤولين في الدولة اليمنية , وكيف يراد تحقيقها في ظل رفض اكثر المكونات الشعبية والجماهيرية المستقله منها والحزبيه والسياسية والأغلبيه الثورية المستقلة , وكيف يتم فرضها فرضا اجباريا وحلا وخيارا مطروحا لا بديل عنه اكراها في ظل اوضاع امنية وعسكرية متردية ومتأزمة , وفي ظل تنافي ووجود العنصر الامني والاستقرار , فكيف أذن سيتم اثبات مصداقيتها والجدوى من اقامتها اذن ؟!

ولعبت وسائل الاعلام المختلفه و الصحف الحزبيه دورا بارزا ومؤثرا بصورة مباشرة في التعتيم الاعلامي والاستغفال الشعبي العام , وتمرير الحمله الانتخابيه وتسويقها بشعارات رنانه وديموقراطية عاليه , كما تمر تمرير المبادرة الخليجية على غفلة من الزمن , متبعة سياسة الخلاص والتحرر و إخراج الثوره من عنق الزجاجة الى فك التمساح , منتجة بذلك جيلا جديدا من المتحزبين الجدد ولائهم للحزب أولا قبل الوطن , بتفكير سطحي ضيق و محدود , وخيارات استثنائية في رفض الآخر , وبنية ثقافيه ضعيفة هشة متباينة ومتناقضة , ولدت الاختلاف والتناحر الحركي بين مكونات العمل الثوري والشبابي في الساحات , وما يحدث في كريتر عدن والمعلا وقبلها في الضالع والجنوب بشكل عام من استهداف الحراك - الرافض للانتخابات - والاعمال التخريبية والقتل من قبل عناصر الاصلاح بإيعاز من قادتهم في صنعاء لتمرير الانتخابات , وتأليب الشارع الرافض للانتخابات ضد المكونات الرافضة لفرض خيار الانتخابات امرا واقعا لا بد منه , ونشر أجوآء من الفوضى والتخريب لشرعنة الانتخابات وجر الناس اليها باعمال استفزازية رخيصة , واستخدام ادوات تآمرية بحته , بتغطية اعلامية ودعم مالي كبير , لهو قمة الإسفاف والإستهانة بقيمة الشعوب والوطن .

فهي ليست انتخابات تنافسيه لعدة مرشحين ليتم المبالغه الاعلامية والدعائية فيها إطلاقا , واستنفار أكثر الأرآء والصحفيين والكتاب لخدمتها والصلاه على باباها وتمجيدها والتوجه الى قبلتها وتقديسها , والافراط في التخريب والفوضي و بث روح الرعب والذعر بين الاهالي والسكان لإنجازها , هذه الروح التآمرية الرخيصة البائره لم تستخدم حتى في سياسات العهد البائد التآمرية , ولا في زمن الحكم الأسري الرشيد السابق المنحل جزئيا , نقول للاصلاح وقياداته .. كفى وهونوا على انفسكم , فالأمر لا يستحق كل هذا العنآء والضحايا , ومبروك لكم الفوز مقدما يا سادة يا كرام , فالمرشح التوافقي غيابيا عن توافق الشعب مرشحا وحيدا لاغير, وسيفوز حتما وستمر الانتخابات بالنصرالاكيد , مثلما مرت المبادرة الخليجيه والحصانه والعدالة الانتقالية , ومثلما تم بيع دمآء الشهدآء في سوق النخاسه السياسية السودآء , وتم قبض الثمن مجموعة مناصب ومراكز سياسية مرموقة , ستمر الانتخابات -طوعا ام كرها- وسنشهد الاحتفالات الصاخبة والافراح العارمة ومظاهر الابتهاج الحزبي المقيت , والألعاب النارية والانتصارات الديموقراطية العظيمة , وستحتفل صنعاء واليمن بقدوم الزعيم القادم والمحرر الفذ والمنقذ العظيم .

لذا لا داعي للمبالغه والقلق السياسي والاستخفاف بالشعب اليمني العظيم , وامتهان مشاعرة الحضارية والتأريخية والإنسانية , فلا ديموقراطية تأتي بالاكراه والإذلال وفرض مبدأ القوة عنوة , ولا حريه تشترى بالثمن , وتورد من الخارج عبر مبادرات وقناعات خارجية لا تخدم الا مصالحها فحسب , ولا تنظر الا لمستقبل يحسب لها لا عليها , ويترجم طموحاتها ومنافعها , واذا كانت تلك القناعات السياسية الداخلية بالتغيير السلمي فقط عبر صناديق الانتخابات , والاقتراع الحر والمباشر , فلماذا تم إذن إقحام الشباب والشعب والوطن باكملة في اتون ثورة مفتعله قدم الشباب زهور حياتهم فدآءا لها , وقدم الوطن المزيد والمزيد من الانهيار وتدنى الاوضاع المعيشيه والحياتيه والاوضاع الكارثيه , دفع فاتورتها فقط المواطن البسيط لتقبض الثمن مجموعة من الاحزاب مقاعدا وزاريه زائلة .

حتى ألآن لم تحقق حكومة الوفاق الوطني أي تغيير ملحوظ او ملموس في شتي جميع جوانب الحياه المعيشية والسياسية والاقتصادية والأمنية , وتبخرت تلك الوعود بالتغيير والإصلاح والانفراج الكلي للأزمة وذهبت أدراج الرياح , فهل يا ترى ستحقق الفترة الانتقالية القادمة غاياتها , وما تصبو الية القيادات الحزبية مجتمعة بالتغيير للافضل , في ظل وجود الخيارات الامنية والعسكرية القاهرة في يد الرئيس وأقاربة و شبكات محسوبياته , ومماطلة التسويف بالاصلاح العسكري والامني الذي يعتبر من اهم الجوانب الاساسيه للتغيير ,والأرضية المناسبة لإجرآء اية انتخابات نزيهه قادمة , يضع مصداقية الانتخابات وشرعيتها على المحك , فورقة الجيش والقيادات العسكريه والامنية وكافة الاجهزة الاستخباريه ستظل الورقة الرابحة والأخيرة في يد الرئيس وابنآءه وفلول النظام السابق للضغط على أية تغييرات قادمة , ولكسب المزيد من الحصانات والضمانات المرجوة , ورؤية الى ما ستصير إلية الاوضاع المستقبليه بما يتناسب مع خدمه مصالحها واجندتها الذاتية الوقائية , واستثمارها الاستثمار الصحيح في الخروج الآمن والسلمي تباعا , مالم ستنقلب الى كارت حارق يحرق الوطن باكملة.

لذا فالتصويت على الانتخابات تصويتا للمبادرة الخليجية والحصانه والعدالة الانتقاليه بشكل غير مباشر , وإضفآء شرعية مكتسبة للنظام المخضرم القديم الجديد , ورسم سياسات اليمن المستقبلية حسب الأهوآء السعودية الخليجية عبر الايادي المتنفذه والسياسات المتبعه في اليمن والمنطقه ككل , وما تم فيه التسويق عبر الانتخابات الرئاسيه بانها المنقذ والمخرج الوحيد لليمن , والتحرر من شبح الحرب الاهليه , إنما هو رؤية مغلوطة تماما , لا ندري عن اية حرب اهليه يتحدثون؟ والجيش كله ومراكز القوى والثقل السياسي الفعلي بأيدي الرئيس واقاربة , والاحزاب السياسية مستسلمة كليا للنظام القديم وتحت عبائتة , وقوى المعارضة ألآن مدمجة في صف النظام تماما , والشعب ملُ من التناحرات السياسية والحروب والصراعات , فلن تكون هناك ابدا أية حروب أهلية قادمة يخشى منها او يروج لها تجار الحروب , بل هناك حصانة كامله قادمة لنظام باكمله قدمت على طبق من ذهب وعن طيب خاطر للقتله والمجرمين , لن يجد النظام خيرا منها للإفلات والخروج الآمن والهروب من مطاردة العدالة والقصاص , والمماطله ماهي الا استمرآء لكسب المزيد من الوقت لتثبت الحصانه وتأكيدها , اذن لن تكون هناك حربا اهلية , فلماذا اذن استخدام هذه الورقة لتخويف الشعب المنهك , وإرعابه وتخويفة لكسب رهانات سياسية واصواتا انتخابية مرتعشة خائفة وجلة, لا ولن تصنع يمنا متقدما ومزدهرا وآمنا نحلم به .
ويتم التخويف عادة بعودة نظام على صالح فاما ان تنتخب هادي او الرئيس السابق ونظامه , وتم الطرح بغباء شديد انه لا خيار امامكم الا احد الامرين واحلاهما مر , ونصف الشر خير من الشر كله , هل يعقل هذا ؟؟ هل هذه هي أسس الديموقراطية الحديثة وبنآء الدولة المدنية , فعلي صالح لن يعود إطلاقا لعدة اعتبارات محليه ودولية , واما نظامة فموجود فعليا وبغطآء شرعي , فلماذا يتم التخويف المطلق و استخدام هذه الورقه الدعائية للترويع والضغط بإمعان وإصرار شديدين.

- كتبت في مقال سابق عن الإنتخابات الرئاسية..البدآئل والحلول ,, اتمنى لمن يريد المزيد من وضع صوره كليه ومجملة في هذا الموضوع الرجوع الى المقال , واختتم المقال بأبيات شعرية جميلة ومعبرة مقتطفة عن لسان حال الواقع اليمني المعاصر ,, للشاعر أبي الاحرار الزبيري , واتمنى العودة للقصيدة كاملة تحت عنوان ,,رثـــــــآء شعب ,,

ما كنتُ أحسِبُ أني سوفَ أبكيهِ
وأنّ شِعْري إلى الدنيا سينعيهِ

وأنني سوف أبقى بعد نكبتهِ
حيّاً أُمزّق روحي في مراثيه

وأنّ من كنتُ أرجوهم لنجدتهِ
يومَ الكريهةِ كانوا من أعاديه

ألقى بأبطاله في شرّ مهلكةٍ
لأنهم حقّقوا أغلى أمانيه

نبني لك الشرفَ العالي فتهدِمُه
ونَسْحَقُ الصَّنَمَ الطاغي فتبْنيه

نَقْضي على خصمكَ الأفعى فتبعثُهُ
حيّاً ونُشْعُلُ مصباحاً فتُطْفِيه

قَضَيْتَ عُمْرَكَ ملدوغاً، وهأنذا
أرى بحضنكَ ثُعباناً تُربّيه

تشكو لهُ ما تُلاقي وَهْو مُبتعثُ الشْـ
شَكْوى وأصلُ البَلا فيما تُلاقيه

أحْلى أمانيهِ في الدنيا دموعُكَ تُجْـ
ـريها، ورأسُكَ تحت النّيرِ تُحْييه

وجرحُكَ الفاغر الملسوعُ يحقِنُهُ
سُمّاً، ويعطيه طِبّاً لا يداويه

يعيشُ في النكبةِ الكبرى ويجعَلُها
درساً إلى مُقْبِل الأجيالِ يُمليه