الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٨ مساءً
الاثنين ، ١٣ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
الأسبوع الماضي داخل إحدى مدارس التعليم الثانوي هنا في عدن ، كان كل شئ مأساوي يبعث على الشفقة والتقزز من ناحية ومن الحيرة والأسى من ناحية أخرى ، حين تجمع معظم طلبة المدرسة رافضين أداء امتحانات الفصل الدراسي الأول صاحب هذا الرفض سلوك عدائي من بعضهم تعدى ذلك من التلفظ على هيئة التدريس إلى تحطيم وتخريب كل ما وقع بين أيديهم من أثاث المدرسة وذهبوا ابعد من ذلك في تهديد بل والاعتداء على نفر من زملائهم ممن كانوا مستعدين لدخول قاعات الامتحانات لثنيهم عن ذلك . لماذا ؟ محاكاة لما يجري بالدرجة الأولى ، والمضحك والمبكي في نفس الوقت كان شرطهم الوحيد لدخول الامتحان هو السماح لهم بالغش !!! وحصل ما حصل ... وضرب المعلم كف بكف متسائلا بنبرة حزينة ماذا عسانا أن نفعل إنها نتيجة وليس سبب .

وأصبح من باب التندر والسخرية أن نردد قم للمعلم وفه التبجيلا ، والسبب ببساطة هذه المسافة الشاسعة بين هذا القول وذاك السلوك الذي يحصل خلف جدار تلك المدارس في ضل غياب أطراف كان يجب أن تكون حاضرة أطراف لا تستقيم لا تربية ولا تعليم إلا بها . بدلا من الامبالاه أو التعبئة السياسية والعنصرية والمناطقية ، وحالنا التربوي والتعليمي ينهار أمامنا ونحن إما غير مباليين أو مذهولين عما نراه ولم نستطع فعل شئ .

انأ لا أبالغ في ذلك إذ قلت كلما حشرنا السياسة بالتعليم ابتداء بالوظيفة وأشركنا أبنائنا من حيث ندري أو لا ندري بصراعات ايديلوجية ضيقة لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، صراعات تنمي لديهم العداء للأخر ، بدلا عن روح التسامح والإيثار و تشجيعهم للارتباط بمقاعد الدراسة حيث ذاك الهدف والجهد الذي يجب أن يتم التفرغ له .

وماريناه بالأمس في ساحة التغيير بكريتر من تلذذ في التخريب وإشعال النيران في مهرجان ( فرائحي ) بنشوة النصر على ( العدو ) ذكرني بما حدث في المدرسة والانتصار على الذات في مشهد يبعث على الشفقة والأسى .

الواقعتين لا يفرقوا كثيرا بالإخراج وازعم أيضا بالأسباب ، ففيهم ملامح فشل متشابهة وأجساد أنهكها الفراغ والضياع وعقول تشبعت من سموم من لا يكاد يجد عملاً له سوى صناعة العدو وممارسة الوصاية على الآخرين في ضل مستقبل ملبد بغيوم لا يستطيع هولاء المراهقين أن يروا إلا أضغاث أحلام أو أحلام يقظة إن شئتم .

واقعتين يتشابه فيها المنتصر والمهزوم ، والرغبة في التخريب والزهو في معارك خاسرة ، فالواقعة الأولى نصر على عدو وهمي وفي حقيقة الأمر هو هزيمة للذات وللقيم . وفي الواقعة الثانية نصر على عدو وهمي بل هي هزيمة لمدينة تعشق الجميع بلا استثناء .

نعم ما يجري هو منظر مؤلم وخصوصا ونحن نتغنى ليل نهار بمدنية أهل عدن وسلميتهم وثقافتهم .
لاشك هناك وقائع كثيرة من ذلك وما أحداث المعلا ببعيد ولا يهمنا هنا من المنتصر ومن المهزوم من الفاعل ومن المفعول به طالما لا منتصر والجميع مهزوم .

ما يهمنا هنا السؤال لماذا يفعل ذلك هولاء الشباب أو قل المراهقين عمريا أي أيادي عبثية تلك التي تحاول أن تزعزع الأمن وتجيش الشباب في معارك وهمية يدفع ثمنها جيل غادر المدرسة وان عاد عاد منتقما من طاولة الفصل ولوح الطباشير وأسلاك الكهرباء والمعلم الذي كاد أن يكون رسولا ،
والحديث ليس عن حالة حصلت هنا أو هناك ولكن عن ظاهرة جديرة بالتوقف والاتعاظ ،

اجزم لو تم إشعار التلاميذ بمظاهرة في وقت دوام مدرسي بغض النضر من صاحب الدعوة ، لن يبقى داخل المدرسة إلا بعدد أصابع اليد والأغلبية ستتجه إلى حيث يتم إشباع رغباتهم التدميرية ولا علاقة للسياسة هنا ، وان كان المحرك سياسي ولكن الأمر يتعلق بمحاولة تفريغ شحنات غضب من مجهول تحاول منابر إعلامية عديدة تشكيله بحسب أهوائها ومصالحها ، وهذا الامتياز لا توفره المدرسة حيث لا أنشطة هناك تستغل طاقته .
منذ عام جميعنا كنا فخورين بما قام به الشباب العربي في تغيير التاريخ الحديث لأنظمة ضلت واستفحلت حتى ظن الكثيرون بان إزاحتها ضرب من الخيال بسبب عشرات السنين وهي ترسخ وجودها وتبني أحصنة من البشر والحجر حتى تضل إلى ما شالله .
وتغير الوضع واكتشفنا بأنها كانت فقط بحاجة إلى اختراع جديد لوسيلة تثبت بان النمر أحيانا قد يكون ليس كذلك بل خدعة بصر أو سؤ تقدير .

وانفتح لنا بصيص أمل حيث رأينا تباشير التغيير قادمة رغم المحاولات المستميتة من البعض لا إجهاض ذلك الحلم الذي دماء كثيرة سالت من اجله ، والعودة لما قبل الحلم رغبتا في التمسك بمصالح ضيقة ومحاولة إعادة العجلة للخلف .
لذلك نقول أيها المتخاصمون لقد دفعنا الثمن أضعاف ، فقط دعونا نرى بصيص الأمل يتسع وكفوا أياديكم عن أبنائنا فمواقعهم الحالية غرف الدراسة وليس ميادينكم التي تفرغ الجهل والتطرف والمناطقية ، وساهموا في التقليل من الأمية والانتصار على الجهل وعلى القدرة على التفكير الحر بعيدا عن وصاياكم الشيطانية ، ومآربكم الضيقة ، ومعارككم التي تهدم ولا تبني شارع ، فما بالكم وطن .

دعوهم فقط يتعلمون ففي العلم وحده سوف يدركون حقيقة الربح والخسارة والمنتصر والمهزوم ، وماذا يعني التلذذ بانين الآخرين ، وحسرة مدينة ذنبها أرادت احتضان الجميع ، دعوهم حتى يستطيعون بعد ذلك بناء وطن .