الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥٧ صباحاً

الإرهاب الانتخابي : الصندوق من أمامكم والحرب من خلفكم !!

د . أشرف الكبسي
السبت ، ١٨ فبراير ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
يبدو واضحاً لكل متتبع وقارئ للشعارات الإنتخابية الحالية سواءً عبر وسائل الإعلام المختلفة أو عبر الملصقات في الشوارع والساحات ، أنها تنطلق في مجملها – عن وعي أو دون وعي- من دعوة للمشاركة في الإنتخابات بإعتبارها مخرجاً وحيداً من مأزق الإقتتال والحرب الاهلية ، ومن ابرزها (صوتك يحمي اليمن) ، و (نعم للامن والإستقرار) ، ولسان حالها يقول : إما أن تنتخبوا مرشحاً وحيداً ارتضاه وعينه فرقاء المبادرة الخليجية أو تأهبوا للموت والضياع والتشريد ..!!
وإذا كان من المقبول واللائق التسليم بخوف الأفراد وتقديمهم التنازلات واستسلامهم للابتزاز احياناً إيثاراً للسلامة ، فإن ذلك قطعاً لايليق بالشعوب الحرة ، وإلا لما قامت ثورة واحدة في التاريخ ضد دكتاتور أو مستعمر ...

فهل يدرك اولئك أنهم يقدمون – برفع تلك الشعارات- مشهداً مخجلاً يكون الشعب اليمني فيه رهينة اختطاف سياسي ، فإما أن يقبل خياراتهم أو أن يموت !!

ثم إن تلك الحرب الأهلية المزعومة لا تمثل خياراً شعبياً بحال من الاحوال ، فالثورة الشبابية اثبتت سلميتها لعام كامل ، ولم نسمع يوماً اتهاماً لشباب الثورة المستقل بالمشاركة في اعمال عنف مسلح على الرغم من تعرضهم لآلة القتل والتنكيل ، والتي حصدت ارواحهم واحلامهم في سياق صراع بين طرفي النظام السياسي (سلطة ومعارضة). وهذه الاطراف – ومن يهيمن عليها خارجيا - هي من ارتضى المبادرة خياراً ومخرجاً يجنبها الإقتتال على قاعدة الوفاق النفعي واقتسام السلطة ، وليس للخيار الوطني والشعبي أي ثقل في ميزان الإختلاف والإتفاق هذا ، فهل يسلم الشعب اليمني بأن اختلافهم حرب ودمار ، واتفاقهم وصاية وفرض أمر واقع ..!!

إننا لسنا ضد الإنتخابات ، ولكننا ضد إقحام الشعب في محاولة عبثية لإضفاء شرعية شعبية على لعبة سياسية ، تقع مسؤولية نتائجها – سلباً أو إيجاباً – على اطراف اخذت على عاتقها – قسراً – تمثيل الشعب وقيادته واتخاذ القرارات المصيرية نيابة عنه ، فهي من وقع المبادرة في الرياض دون استفتاء ، وهي من اعطى الحصانة بالرغم من الرفض والمعارضة الشعبية الواضحة ، وهي من ألغى حقاً دستورياً في الترشح والمنافسة ، وما مشروعها الانتخابي المزعوم إلا كمن يطلب يد العروس بعد عقد القرآن !!

وهي في ذلك كله تتبنى خطاباً لا يحترم عقل الشعب ووعيه ، فتارة تهدد – ضمنياً - بعصا الحرب الغليظة ، وتارة أخرى تسوق شعارات ثورية لم تؤمن بها يوماً ، مثل الدولة المدنية الحديثة ، دولة العدل والرخاء والاستقرار، وهو ما تكذبه الشواهد الموضوعية ، فأبرز مشكلات الوطن والمتمثلة في اطراف هي: القضية الجنوبية وقضية صعدة ومطالب الشباب المستقل ، لازالت كما هي ، ولم تشملها بنود صفقة الرياض ، إلا من قبيل الوعود بإشراكها في حوار وطني مستقبلي، على أمل أن تسلم هي الأخرى بالأمر الواقع يوماً ما ..

إننا لم نتمكن يوماً من إبداء الرأي أو المشاركة في صياغة قرار الحل السياسي القائم والممثل في نقل السلطة إلى النائب، فهو أمر فرضته قوى الهيمنة الداخلية والخارجية ، ولكننا وبالتأكيد نمتلك الإرادة الحرة والقدرة على رفض المشاركة في (الإنتخابات) وذلك للاسباب الموضوعية التالية:

• تمثل انتخابات فبراير مسرحية هزلية لا أكثر، فمهما كانت نسبة المشاركة ، فالنتيجة تمثل أمر واقع لامفر منه وهو تنصيب النائب رئيساً للبلاد للفترة الإنتقالية القادمة.

• المشاركة في هكذا انتخابات يعد وبلا شك إقراراً شعبياً بقبول وصاية السلطة والمعارضة – ورعاتهما الإقليميين والدوليين - على القرار الوطني حاضراً ومستقبلاً.

• من دواعي الحكمة اليمانية ، عدم وضع البيض كله في سلة واحدة ، فعدم المشاركة لا يعطل المسار السياسي ، ولكنه مع ذلك يضمن بقاء المسار الثوري ، بوصفه كابح وطني ورقيب شعبي على الأداء الرسمي والحكومي خلال الفترة المقبلة.

• عدم المشاركة يهدف إلى إيصال رسالة واضحة للساسة في الداخل والخارج ، بحدوث تغيير حقيقي في الوعي المجتمعي لا يقبل معه لغة الإبتزاز والإستغفال ، فقد آن الآون لتغيير الخطاب السياسي ، بما يضمن تسمية الأشياء بمسمياتها فالإنتخاب شيء والإستفتاء شيء آخر ، وصفقات التسوية يجب أن لا تقوم على الثوابت والحقوق الوطنية..

ختاماً ... إذا الشعب يوماً أراد الإنتخابات ، فلابد أن تكون حرة ونزيهة وشفافة ، قائمة على التنافس بين مرشحين يتمتعون بنفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات ، لا يمثل أياً منهم صنم يعبد ، أو زعيم يمجد ، أو صورة تخلد ، فهم – كما نحن – ليسوا إلا راحلين والوطن باق..!!