الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٥١ مساءً

اليمن بعد الإنتخابات الرئاسية .. رؤية مستقبلية

صالح السندي
السبت ، ٢٥ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
ومرت الانتخابات بأحداثها المثيرة وغرائبها وعجائبها التي لا يتصورها عقل بشر , وأتت الصدفة التأريخية لتجعل من عبدربة منصور هادي رئيسا انتقاليا ولمدة عامين , في مرحلة حساسة وفارقة من تأريخ اليمن المعاصر , وما سنسردة هنا ليس على سبيل المبالغة بل قرآءة مفصلية ومستوحاة من وحي الواقع واحداثة وتداعياته المثيرة , تفرضة التطورات والتغيرات السياسية والشعبية المصاحبة للعملية الانتقالية من جميع جوانبها الثورية والشبابية والشعبية والسياسية والتنظيمية لمختلف التوجهات والحركات الموجوده في اليمن وخارجة دون استثنآء , وبعد ان رمى القدر بهادي في مرمى الاحداث وتشابكاتها وتعقيداتها المستمرة , نتطلع الان الى يمن الغد وماهي الصورة المرتقبة لليمن الكبير, وكيف ستكون الاوضاع عليه في ظل السياسات الجديدة القائمة , وعن مدى تأثير المحاور الداخلية والخارجية على مسيرة السلم الاجتماعي والوطني , وعن مدى ما ستحققة الانتخابات والمسيرة الحالية للوطن الى يراد لها ان توصف بالديموقراطية عنوة , في وطن تشتعل الاحداث فيه بلا تردد ولا ممانعة او رفض وبإستطراد شديد, ولن نسرد هنا عن مدى مصداقية الانتخابات او -النصر الديموقراطي والثوري- كما يحلو للبعض ان يسمية .

داخليا هناك ثورة شبابية شعبية مستمرة ورافضة للانتخابات والمبادرة الخليجية ومانتج عنها من افرازات وحكومات وانتخابات رئاسية , ممثلة من خمسة اقطاب وقوى فاعلة ومؤثرة لا يمكن تحييدها او اقصائها باي حال من الاحوال,

1-الشباب المستقل والقوى الشعبية مع بعض شباب الاحزاب الرافضين كليا للانتخابات

2- وهناك الحراك الجنوبي في الساحات وكقوة معارضة منذ زمن بعيد .

3- وهناك التيار الحوثي وجماعاته التي لم ينته ثأرها بعد مع النظام السابق عبر سنوات حكمة المريرة , ومانتج عن تلك الحروب الست من ضحايا ودمار وخراب , وتسويات سياسة لم تتم او تدم في ظل قدوم الثورة الشعبية معلنة انتهاء شرعية النظام السابق.

4-وهناك مكون ومقوم وعنصر اساسي متواجد ثوريا سواء في الساحات او مغيب سياسيا في المنازل وهو أسر الشهدآء والضحايا واولياء الدم المطالبين بإحقاق العدالة ,وكان الاغلب رافضا لمبدأ الانتخابات كليا , ويومها عبروا عن رفضهم القاطع بزيارة شهدآءهم في المقابر .

5- وهناك عنصر هام ورئيسي ولعب دورا مؤثرا و كبيرا خلال الثورة الشبابية وما قبلها وهو نسيج مركب مهاجر متكون من جميع الاطياف المعارضه المختلفة بالداخل , ويعكس الصورة الداخليه تماما , وله وزنة الاستراتيجي والهام والمؤثر في الرأي العالمي , وهو معارضة الخارج , التي اجتهدت خاصة في السنوات الاخيرة بصورة ملموسه وحيُة ونتج عنها مكونات وتنظيمات بصورة احزاب او هيئات او حركات منظمة ومعارضة, تضم في تياراتها المختلفه ومكوناتها العديد من رجالات السياسة والفكر والادب والثقافه ولها وزن لا يستهان به خارجيا , وتعتبر من نتائج سياسة التهميش والاقصاء والتهجير التى انتهجها النظام السابق , وكانت في الاغلب رافضة كليا للانتخابات بصورتها المطروحة .

جميع هذه الاقطاب والقوى ستلعب الدور المؤثر والبارز مستقبلا في رسم السياسات اليمنية المعارضة , وستصنع بثقلها السياسي والشعبي والحركى نقطة فارقة في التأريخ اليمني المعاصر, اذا لم يتم الاستجابة الفعليه والكلية لمطالبها واهدافها واشراكها في العمل السياسي , او تحقيق مطالبها التي تتعلق غالبا بسقوف مرتفعه من المطالبه بمحاكمة الجناة وتجميد الارصدة ومحاكمة ناهبي المال العام والحفاظ على استقلال وسيادة الوطن ورفعته وعظمتة بعيدا عن التدخلات الاقليمية والدولية , وسياسة الإملاء من الخارج وفرض نظام الوصاية والتبعية والاستفراد بالسلطة ومقاليد الحكم , هذه القوى مجتمعة هي الضامن الوحيد والاكيد لإستمرار الثورة واعادة الروح اليها , والسير بها قدما الى تحقيق اهدافها , بعد ان تخلفت اكثر القوى الشعبيه والسياسية وتساقطت مع مرور الوقت تباعا في طريق المسيرة الاصلاحية الوطنية والثورية , وانسحابها من العمل الثوري او وجودها بشكل صوري , إما بسبب تحقيق اطماعها ومكاسبها السياسيه وغاياتها , وإما بعد ان اصابها اليأس والإجهاد بعد عام كامل من الثورة المضنية , وإما بسبب الاوضاع الكارثية وسياسة العقاب الجماعي المفروضة على الوطن ككل .

إذن إن تجاهل اي عامل من تلك العوامل الاساسيه والشعبيه يعتبر انذارا مبكرا لولادة ثورة وثورات أخرى وليدة , وربما بصور جديدة وقادمة , ويوحي بان جذوة الثوره مازالت مشتعله وممكن ان تتحول بركانا يوما ما , وتصحو من تحت الرماد , وتعصف بكل الاوراق السياسيه والترتيبات القائمه وتقلب الطاولة على كل المتلاعبين في أروقة صنع القرار ,اذا لم يتم معالجة كافة القضايا العالقة على ارضية وطنية قوية ملبية كامل الاهداف والشروط لتحقيقها , ستدفع حكومة الوفاق وخلال الفترة الانتقاليه الى المزيد من التأزم والفشل السياسي والنظامي , وما لوحظ جليا خلال العملية الانتخابية من تهميش الكادر الشبابي الحر , ورفض رأية وسلوكياتة الثورية الرافضه للانتخابات والمبادرة الخليجية , صنع فجوة كبيره وحدة خلاف بين الاطياف الثورية والساحات وهذا ما بدا جليا خلال يوم الاقتراع والتصويت , وما نتج عنه من صدامات بنيوية وتحتية قوية جدا , كانت واضحة بصورة اكثر في المحافظات الجنوبية والشرقية , من صدامات وسقوط العديد من الضحايا والقتلى والجرحى , بغض النظر عن المسببات والدوافع , ومن ورآء تلك الاعمال والفوضى وما نتج عنها من قتل وسقوط ضحايا , إنما هو مؤشر قوي لوجود موجة رفض شعبي عارم للانتخابات في تلك المحافظات , وهذا ما عمقتة الانتخابات الصوريه في نفوس أكثر الجنوبيين من الانفصال والمناداه الى فك الإرتباط , وبنفس السياسات المتبعة زمن الرئيس السابق وعلى نفس المنوال من التهميش والاقصاء والانكار وعدم سماع المطالب واحقاق الحقوق المشروعة وإيجاد الحلول , في اطار سلسلة طويلة من انتهاك الحريات ومصادرة الحقوق وفرض القوة العسكرية والامنية على تلك البؤر المتقدة بنار النقمة ورفض مبدأ القوة وفرض السيطرة عنوة ونهب الاراضي والتحكم في مدخرات الجنوب لمنافع شخصية , وإستشرآء الفساد المالي والإداري بصورة كبيرة , وهذا ما يجعل طرح أية خيارات مستقبلية في إطار أية تسويات سياسية او خطط مستقبلية دون النظر الى مطالب الاخوة في الجنوب المشروعة , يعد ضربا من الجنون السياسي والاندفاع الى الهاويه والانهيار الحتمي , ربما لا تجدي معه تباعا الكونفيدرالية في ظل فشل الفيدرالية والوحدة الاندماجية مستقبلا في أسوأ الحالات , وسيكون شبح الانفصال قائما وربما تتوارثة الاجيال بالشعور بالغبن والظلم القائم , وهذا ما نراة واضحا في تلك الاصوات المنادية والثائرة في وقتنا الحاضر اكثرها اجيال شابه من جيل الوحدة , وفي رسالة واضحة بعد التلاعب والتهميش انسحبت اكثر المكونات الجنوبيه من ساحات التغيير شمالا لتقابل بالورود والحفاوة جنوبا , هذا الملف يمثل بحد ذاته ركنا اساسيا وهاما في اية مصالحات وتسويات مستقبلية وقائمة , وغض النظر عنه سيولد الانفصال الحتمى كما حدث في جنوب السودان .

اما بالنسبة لأسر الشهدآء فوجودهم في العملية الوطنية التغييرية دافعا قويا وعاملا رئيسيا وهاما لاسقاط النظام كليا , وضمان استمرار الثورة , ومحاكمة القتلة والجناة وتحقيق العدالة , وهذه الشروط والمطالب لن تتحقق كليا في ظل وجود الجناة في قمة الهرم السياسي والسلطوي , يتمتعون بحصانه وعدالة انتقالية مفروضة , لم تراع ادني مقومات الانسانية في طرحها وصيغة بنودها ونصوصها , ان الاعداد المهولة للقتلي والجرحى التي نتجت فقط خلال عام من الثورة تركت ورآءها أوليآء دم وطالبي حق , لن تجدي معهم التسويات السياسية نفعا , ولن تغريهم الاموال والمبادرات المطروحه من العدالة الانتقالية وبنودها وغيرها , ولن تشفع لدمآء ضحاياهم الوساطات والتهدأة , والمماطلة و تسويف الامور والحلول الوسطية , هناك ثورة شهيد صغيرة تشتعل في بيوت الآف الضحايا والأسر , مع الايام ربما تصنع في مجملها ثورة كلية عارمة وتكوُن نواة متجددة لثورات جديدة تسمى ثورة الشهدآء , ان اغفال المبادرة الخليجية والحكومة وبرامج التسويات والتحالفات القائمة لهذه المسألة على وجة الخصوص تحديدا , ولُد الرفض الشعبي العارم للانتخابات , و خيار التمترس ورآء الثورة واستمرارها والمطالبة بمحاكمة الجناة , ورفض المتاجرة بدمآء الشهدآء والمزايدة بها في أتون السياسة وانفاقها المظلمة المتشعبة, لذا اذا لم تتحقق العدالة الالهية بالقصاص العادل سنتوقع المزيد من الثأرات وعمليات الانتقام والبحث عن الجناه في جنح الظلام والثأر , وتسود حالة من الفوضى الإجتماعية , بما تؤثر سلبا على الامن والسلم الاجتماعي والوطني , وتضع وطنا باكملة على شفا جرف هار من الانهيار والتهاوي.

ان التسلسل في سياسة التهميش والامعان في ركوب موجة الثورة , ونسب إليها أية عمليات سياسيه ومكاسب حزبية انتصارا لها , لهو مدعاة للأسف والحسرة , فلا نظام سقط كليا , ولا محاكمة عادلة تحققت , ولا اموال اعيدت للشعب او جمدت , كلما في الامر ان الصورة الكلية تغيرت اعلاميا فحسب , وعاد النظام بحلة سياسية جديدة ولباس وطني جديد وبحصانة كاملة , لم تحدث إطلاقا في تأريخ الثورات العالمية وعلى مدى التاريخ البشري ,و حتى في أدبيات تأريخ ثورات الربيع العربي المعاصر , ان ثورة تنتصر ليخرج منها الحاكم الظالم منتصرا بكامل الصلاحيات وتقدم له الحصانة المطلقه على طبق من ذهب , ومثال حي على ذلك في الثورة المصريه , فحتى الان اخواننا في مصر لم يعترفوا بكمال ثورتهم في ظل الحكم العسكري القائم , رغم وجود الرئيس السابق في قفص الاتهام ومحاكمته ومحاكمة اركان نظامة , لكن هذه الاجرآءات لم تشبع الشبق الثوري الحر المتطلع للحرية , وحينما نقل الرئيس المصري السابق صلاحياته لنائبة انتفضت مصر عن بكرة ابيها رافضة رموز النظام السابق وطالبت باسقاطة كليا وتحقيق العدالة الثورية واهدافها , وفي اليمن نعتبره نصرا ثوريا محققا , توُج ومن سخرية الاقدار وعجائب الازمان بجمعة وانتصر الشعب.

من جهه اخرى رفض التيار الحوثي وتخوينة وتهميشة وعدم الاعتراف به سيجر بالوطن الى مرحلة جديدة من الانقسام والتمزق في ظل عزوف اكثر الساسة في طرح هذه القضيه كموضوع وطني مهم يجب مناقشته بعقل وروية وطرح الأسباب والمسببات والمشاكل والبحث عن الحلول الجذرية المجدية والنافعة ,ان التعبئة الخاطئة الي انتهجها النظام البائد لبث روح الفرقه بين ابنآء الوطن الواحد , عادت جلية وواضحة في سياسات النظام الجديد , اذا لم ينظر اليها بعين العقل والمحاسبة والمحاكمة واتباع اسلوب الثواب والعقاب , وفتح ملف الحوثيين على مدى ستة اعوام وستة حروب كاملة ومعالجة قضاياها , سيجر الوطن مستقبلا الى نفق مظلم خطير ونهاية مسدودة , سيؤثر بشكل سلبي على محافظات شمال الشمال , وقد تولد صراعات وحروب طائفية وفتن مذهبية ورفض لأية حكومات مستقبلية , وستكون منطقة ملتهبة بالاحداث والتغييرات التي لا يحمد عقباها , لذا يجب عدم الاستهانة بهذا المكون الذي له قوتة وقاعدتة الشعبية وانصاره , واثبت فعليا على مدى عام من الثورة وحتى الآن حسن النوايا والالتحاق بالركب الجماهيري ,وانتصاره للإرادة الشعبية ضمن هويتة اليمنية.

أما ما يخص معارضة الخارج اذا لم تكن هناك نظرة جادة ودفعة قوية الى حوار وطني شامل وتسويات سياسية مرتقبة قائمة فقط على اسقاط النظام السابق بكل رموزة ومكوناتة , و تحقيق مطالب معارضة الخارج والبحث عن الأسباب والحلول الجذرية الجدية , برؤيه منصفة وصادقة وعادلة , وبروح وطنية عالية متسامحة , وفتح صفحة جديدة للمُ الشمل اليمني بكل مكوناته مؤيدية ومعارضة لبنآء يمن الغد , لن تتحقق كليا الا بتحقيق اهداف الثورة السلمية , وتطلعات الشعب اليمني العظيم , وفي حالة طرح خيارات اخرى وبديلة ومهدئات وقتية ومسكنات زمنية غير مجدية , واذا لم يتم اقتلاع النظام من جذورة كليا , سنتوقع المزيد والمزيد من الثورات والانتفاضات والمعارضة الشديدة والمستقبل المجهول , في التسلسل الزمني للاحداث في الجمهورية اليمنية , لربما لن تتوقف عند حدود معينة وقد تجر الوطن الى كوارث وخيمة ونتائج لا تحمد عقباها .