الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣٠ مساءً

ثقافة الخيام .. وثقافة الدولة

فائز سالم بن عمرو
الثلاثاء ، ٢٨ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٣ صباحاً
من حظ الشعب اليمني العاثر ان يكون فريسة للشعارات والأطروحات المتناقضة فـ " النار تحاط بالنيات الحسنة " كما يقول المثل ، فقد ضاعت دماء وأهدرت أموال وضاعت غايات سامية تحت مسميات وشعارات متنوعة ومتناقضة ، وهذه الشعارات والخطابات تنوعت وتعددت ما بين شعارات دينية وخطابات ثورية ودعاوي نضالية وأطروحات إصلاحية كلها تلبس مسموح الفضيلة وتبشر بالمنّ والسلوى وتبيع الأوهام للشعوب وتدغدغ مشاعر وعواطف البسطاء وتوقع المزيد من الشباب في فرائس شعارات وخطابات الأحزاب والأصوليات .

حين انطلقت هذه الثورة أو ما يسمى بالربيع العربي والذي رفع شعارا غريبا اقصائيا وهداما " الشعب يريد إسقاط النظام " ووجه الغرابة يأتي من مدلول الشعار ، فمفهوم الشعب يقصد به الأحزاب الدينية والأصولية والقوى القبلية والعسكرية والمرجعات العنفية هذا ما اتضح للعالم بعد توقيع مبادرة الخليج وان لفظ الشعب والشباب كذبة كبيرة يتجدد كذبها عند البلوغ إلى كرسي الحكم ويصدق وعدها في كبد الميادين وسط آهات الشباب وتحسرهم على ثورة وشعارات ثورية إضاعتهم وجعلتهم بضاعة تباع وتشترى وسط تقاطع المشاريع ، ومن أوهام هذا الشعارات المطالبة بإسقاط النظام ومعنى النظام هي الدولة والمؤسسات والإدارة والمؤسسات الأمنية وإعادة دول الربيع العربي إلى عصر ما قبل الدولة .

الثورة في اليمن رفعت شعارات خيالية وباعت للشعب اليمني الأوهام وراهنت بعض القوى على التدخل الدولي وطالبت به ودعت للوصاية الدولية ولما فشلت وشاخت هذه المشاريع وإعادة اتفاقية الخليج واليتها التنفيذية المزمنة جميع القوى في اليمن إلى احترام المؤسسات والدستور والقانون وإعادة الخارجين عن الحوار إلى نهج الحوار والتوافق والمشاركة ظلت هذه الشعارات الخيالية في الساحات والميادين وفي خيام الشباب التي ظلت منصوبة وسط الشوارع وفي تقاطع الطرق تنغص على الناس حياتهم وتثار بين اللحظة والأخرى معارك بين شباب الخيام وفئات ثورية أخرى ، والسؤال الذي لم يجد له المواطن والمراقب العادي إجابة ما جدوى هذه الخيام والشعارات الثورية الزائفة التي ترفعها الخيام وشبابها ولا سيما بعد ان وقعت هذه الأحزاب على مبادرة الوفاق الوطني ، ولماذا تعامل مع المختلفين معها بالعنف والقوة والإقصاء ؟! ، فمتى سينتقل شباب وقادة هذه الأحزاب والقوامين عليها إلى منطق الدولة والمؤسسات والتغيير عن طريق الانتخابات وخاصة بعد ان هبّ الشعب اليمني لانتخاب رئيس توافقي يمثل مرحلة جديدة من الحوار والمشاركة والبحث عن الحلول لمشكلات اليمن وإخراج البلد من مأزقه ولا شك ان هذا الحوار القادم والذي سيناقش قضايا صعبة ومحل خلاف بين الأحزاب وتتباين وجهات النظر حولها لأنها تمثل تراكم فترات من الإهمال والتصرفات الخاطئة ، وهي ملفات تهدد بتفجير اليمن وإدخاله في الحرب الأهلية ، فباسم الوفاق والحوار الوطني الشامل يطالب كل عاقل ووطني هذه الخيام بمغادرة ثقافة الإقصاء والتمترس بالشوارع وبيع الناس أوهام الزيف والكذب الثوري ، فالمجتمع الدولي والإقليمي يطالب المرحلة التوافقية بحل قضية الجنوب حلا عادلا فالرئيس اليمني قدم مبادرة الأقاليم في مبادرة متكاملة لحل مشكلات اليمن التي قدمها في اللقاء الوطني بصنعاء بينما الآخرون لم يقدموا للجنوب إلا الاتهامات وخطاب ترفعي مفاده بان الرئيس القادم من الجنوب ورئيس الحكومة من الجنوب ووزير الدفاع من الجنوب . هذا الخطاب يا سادة لن يحل قضية الجنوب بل سيعقدها ويجعلها تستعر أكثر ، وهم منذ فترة توجه سهامهم وخطاباتهم نحو الحوثيين وتكفيرهم واتهامهم بآلافك فقضية الحوثيين لن تحل بالفتاوى التكفيرية ولا بالخطاب التحريضي ولكن ستحل جميع قضايا اليمن بجو من التوافق وتطبيع الحياة وطرح جميع المشكلات بشفافية بعيد عن الاتهام والشتم والتخوين واحتكار الوطنية والحقيقة .

تجاوز الشعب اليمني بانتخابات 21 من فبراير مرحلة مريرة من تاريخ الصراع السياسي والحزبي والمناطقي والقبلي أملا في استشراف غدا أفضل لدولة مدنية حديثة تكون المواطنة فيها شرفا وفخرا لكل مواطن يمني وحينها ستسقط جميع الرهانات وتتبخر كل المشاريع الصغيرة لنكون شعلة مضيئة كمثقفين وإعلاميين وأساسيين ونرتقي بخطابنا وكتاباتنا وخطابتنا وشعاراتنا عن القضايا الصغيرة ونحلّق في جو الوفاق والمشاركة في صناعة اليمن الجديد وتهيئة الأجواء للحوار الهادئ والمثمر والذي يؤسس لدولة وطنية مدنية تتسع لجميع أبناءها دون إقصاء .