الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٢١ صباحاً

اعترفوا بالقضية الجنوبية واعتذروا وأعيدوا الحقوق

عارف الدوش
الثلاثاء ، ٢٨ فبراير ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٣ صباحاً
كنت كتبت هذا الموضوع قبل الإنتخابات الرئاسية المبكرة وأجلت نشره حتى لا يندرج تحت بند المواد التحريضية لعدم المشاركة في الإنتخابات وها أنا أقوم بتنقيحه ونشره وأقول بالفم المليان كوني ممن عاش وتعلم في بداية طفولتي وشبابي في مدينة عدن التي لها دين علينا جميعاًُ نحن أبناء مناطق الأطراف القريبين من عدن فقد عاش فيها آباؤنا وأجدادنا وتعلموا فيها ونهلوا من تسامحها ومُلئت قلوبهم بمحبتها ومن محبتها، أقول بصراحة: افهموا الجنوبيين بشكل صحيح وبداية الفهم الإعتراف بقضيتهم التي بدأت مع أول يوم من دخول قوات 7/7 /1994م لمدينة عدن وبقية مدن الجنوب، يومها قال العقلاء في قمة نشوة المنتصرين للوحدة قالوا: «المنتصر مهزوم» لكن تم استقبال ذلك على أنه حديث انفصاليين مغلف حتى وإن كان قائله شمالي المولد والسكن والإقامة والمصالح، وكلنا يعلم ويتذكر أن عدن ومدن المحافظات الجنوبية تم إباحتها للمنتصرين بالحرب اللعينة في صيف 94م وحتى “ أكباس الكهرباء والمراوح وقيل حتى الملابس الداخلية كانت تباع في مدن المحافظات الشمالية بعد الحرب، وكانت قد صدرت قبل ذلك فتاوى التكفير والتخوين لتبرر القتل والإباحة والنهب باعتبار المحافظات الجنوبية بلاداً تم فتحها وبها اشتراكيون وشيوعيون ملحدون كفرة وانتشر على نطاق واسع نص فتوى نسبت الى الشيخ الدكتور عبد الوهاب الديلمي وهو أحد قادة حزب الإصلاح لكنه مؤخراً نفى صلته بها وأعلن تحديه لمن يستطيع أن يثبت انها له وهذا أمر من وجهة نظري لسنا بصدد مناقشة صحته من عدمها ولا نريد نثبت أو ننفي ومما جاء في نص الفتوى التي وزعت بعد حرب صيف 94 اللعينة “إننا نعلم جميعاً أن الحزب أو البغاة في الحزب الاشتراكي اليمني المتمردين المرتدين هؤلاء لو أحصينا عددهم لوجدنا أن أعدادهم بسيطة ومحدودة، ولو لم يكن لهم من الأنصار والأعوان من يقف إلى جانبهم ما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه في تاريخهم الأسود طوال خمسة وعشرين عاماً، وكل الناس يعرفون في داخل المحافظات الجنوبية وغيرها أنهم أعلنوا الردة والإلحاد والبغي والفساد والظلم بكل أنواعه وصنوفه، ولو كان هؤلاء الذين هم رأس الفتنة لم يكن لهم من الأعوان والأنصار ما استطاعوا أن يفرضوا الإلحاد على أحد ولا أن ينتهكوا الإعراض ولا أن يؤمموا الأموال ويعلنوا الفساد ولا أن يستبيحوا المحرمات، لكن فعلوا ما فعلوه بأدوات، هذه الأدوات هم هؤلاء الذين نسميهم اليوم المسلمين وجاء في نص الفتوى «أجمع العلماء أنه عند القتال بل إذا تقاتل المسلمون وغير المسلمين فإنه أذا تتمترس أعداء الإسلام بطائفة من المسلمين المستضعفين فإنه يجوز للمسلمين قتل هؤلاء المُتترس بهم مع أنهم مغلوب على أمرهم وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخ والأطفال، ولكن إذا لم نقتلهم فسيتمكن العدو من اقتحام ديارنا وقتل أكثر منهم من المسلمين ويستبيح دولة الإسلام وينتهك الأعراض، إذاً ففي قتلهم مفسدة اصغر من المفسدة التي تترتب على تغلب العدو علينا، فإذا كان إجماع المسلمين يجيز قتل هؤلاء المستضعفين الذين لا يقاتلون فكيف بمن يقف ويقاتل ويحمل السلاح»

إيرادنا لأهم ما جاء في نص الفتوى التي تم إعادة نشرها مؤخراً في الفيس بوك ليس من قبيل نبش الجراح خاصة وأن مياهاً كثيرة جرت منذ 94م حتى اليوم وتم تأسيس “المشترك” بين خصوم الأمس فتناسوا الجراحات على مختلف المستويات السياسية والثقافية ولكن هناك من يعمل بين الجماهير في مدن المحافظات الجنوبية ويعيد كل شيء الى تلك الفتوى والى تحويل الوحدة من مشروع تقدمي سلمي الى مشروع عسكري قسري ومن هذا المنطلق نقول : افهموا الجنوبيين بشكل صحيح فهم مقهورون ومغلوبون ومنهوبون ومبعدون من وظائفهم ومتعبون منهم المرضى الذين لم يقدروا على شراء العلاج ومنهم المبعد من عمله وغير ملاقٍ لقمة العيش، افهموهم واعترفوا أن لهم قضية عادلة مائة في المائة كما قال رئيس الوزراء الأستاذ محمد سالم باسندوة والبداية تكون من خلال الاعتراف العلني الصريح من قبل أطراف حرب صيف 94م المشئومة بأن هناك قضية جنوبية عادلة، والأمر يتطلب الشجاعة والبدء في الأعتراف المقرون بالإعتذار صراحة وإعادة المنهوبات والحقوق وكل ما تم السيطرة عليه بالنهب أو الشراء بالحيلة سواء من املاك الأفراد أو املاك الدولة ونحن نعلم أن الجبال والسواحل وحتى مجاري السيول تم الإستحواذ عليها وكله باسم الإستثمار وهو الغائب الأكبر كما تم الإستيلاء بطريقة تعسفية أو عن طريق الأوامر الرئاسية العليا باعتبار أن أراضي عدن وما جاورها أبين ولحج وفي حضرموت أغلبها أراضي دولة ومنشآت عامة ومزارع تعاونية ومصانع قطاع عام والأمر لا يتوقف على ذلك بل تم الإستحواذ على اموال الحزب الإشتراكي ومقراته في الداخل والخارج “ مزارع ومقرات”

لقد بدأ الحراك السلمي الجنوبي عام 2007م سلمياً ومطلبياً وسقط اكثر من ألفي شهيد وما يزيد على خمسة آلاف جريح وعشرات الآلاف من المعتقلين الذين حوكم العشرات منهم في محاكم استثنائية بينما قضى البعض نحبه تحت التعذيب في سجون السلطة كما قال النائب البرلماني عيدروس النقيب رئيس كتلة الحزب الإشتراكي في البرلمان، ولكن استمرار غي السلطة المصرة على عدم الإعتراف بفشلها ليس على مستوى الجنوب بل على مستوى الوطن اليمني كله الى اليوم برغم خروج الناس في ثورة شعبية عارمة تطالب أركان السلطة وقادتها بالرحيل فأسقطت رأس النظام وهي مستمرة لإسقاط بقية النظام، فعدم الإعتراف بالخطأ وتجاهله هو مصيبة القادة الفاشلين فلم نجد فاشلاً ليس على مستوى قادة الأوطان إنما أي فاشل في أي مكان وفي أي مستوى يعترف بأخطائه فأول خطوة باتجاه مشوار الألف ميل هو الإعتراف بالقضية الجنوبية وبأنها عادلة والإعتذار العلني بكل الوسائل والطرق من القادة والأحزاب والمثقفين والمنظمات لابد أن يأخذ الإعتذار طابعاً وطنياً كل من شارك أو سكت عن قهر وظلم ونهب واضطهاد وقتل الجنوبيين عليه ان يقدم الإعتذار لهم ومن يستطيع ان ينكر أنه لم يكن مشاركاً فالذي لم يقاتل ولم ينهب ولم يسرق ظل ساكتاً ولم يدين وان أدان بصوت منخفض ليرضي نفسه فقط أو اصدقاءه.

صحيح العنف مُجرم - بفتح الميم - ومدان ويسبب الضرر للحراك الجنوبي السلمي لكن احيانا كثيرة هناك أصابع محلية وأقليمية تريد تصفية حساباتها في الوطن والمنطقة فتختار المكان المناسب الذي يكثر فيه الاحتقان لتمرير مخططاتها ومشاريعها وايصال رسائلها الى الأطراف التي تريدها وهذا أمر معروف ومتداول في كل مناطق الصراع والاحتقان ومن يستطيع ان ينكر أن عدن ومدن الجنوب مناطق احتقان وصراع منذ انتهاء حرب صيف 94م اللعينة، لكنا نرفض العنف ولا نريده وسيلة لتحقيق الأهداف لأنه لم يعد العنف من الوسائل التي تحقق الأهداف حتى مع الإستعمار الخارجي فما بالنا عندما يكون الأمر يتعلق بظلم ذوي القربي ومن يتحدث عن تحرير الجنوب وعن الجنوب العربي والجنوب للجنوبيين يعيش في مرحلة ما قبل ثورة اكتوبر المجيدة والجميع يعرف ان مثل هذه الدعوات كانت صادرة عن القوى الإنعزالية الإنفصالية يومها وهي نفس القوى التي تعيد إنتاج خطابها اليوم وهي اليوم قوى تمتلك المال والسلاح والأرضية المهيأة لـ“ الاحتقان” مثلما أفشل ابناء اليمن من الجنوب والشمال عندما التفوا على قاعدة مشروع وطني تقدمي يعلي من شأن المواطنة والحقوق دعوات تلك القوى الإنعزالية والإنفصالية ومشاريعها الصغيرة في الماضي قادرون اليوم على افشال دعواتها ومشاريعها على قاعدة نفس المشروع الوطني التقدمي الذي يعلي من شأن المواطنة المتساوية والحقوق ، كثيرون يتذكرون كيف كانت تنادي وتعمل تلك القوى الانعزالية والانفصالية في عدن قبل الإستقلال وكانت ترفض قبول ابناء الشمال في المدارس وتعمل على ترحيلهم وعدم السماح لهم بالتعليم فجاء الاستقلال والمشروع الوطني التقدمي ليجعل اليمنيين سواسية في عدن وغيرها من مدن اليمن جنوباً وشمالاً.

يضاف اليوم استحقاقات أقليمية الى دعوات ومطالب القوى الإنعزالية سواء كانت في الجنوب«انفصالية» أم في الشمال «حوثية مذهبية» وفي بيئات “الاحتقان” تلعب أصابع المتصارعين محلياً وأقليمياً ويخفت المشروع الوطني التقدمي الجامع وهنا يبرز استخدام العنف وانتشار السلاح وتلتبس الأفكار وتختلط المطالب والحقوق وأولها الحرية والإعتراف بالخصوصية مع دعوات الهدم ويصبح العنف سيد الموقف برغم انه لا يحقق الأهداف هو فقط يقتل ويدمر لكنه لا يعيد الحقوق ولا يوصل الحرية المطلوبة للجميع وإنما ينتج حرية القهر والظلم مرة أخرى بطريقة جديدة.

وأخيراً إذا فهمتم الجنوبيين صح واعترفتم بقضيتهم كما هي واعتذرتم لهم علنية وبكل الطرق فدعوهم بعد ذلك يقررون ما يريدون سترون أن الجنوبيين أُناساً وحدويين من الدرجة الأولى وأكثر الناس عاطفة ومحبة لليمن الديمقراطي الموحد ولأبناء اليمن من أي مكان جاءوا الى عدن وتذكروا بأن عدن احتضنت ابناء اليمن من كل مكان ووصل شماليون الى قمة الحكم فيها وعاش فيها الهنود«البينيان» والصومال و اليهود والفرس والمسيحيون والمسلمون من كل المذاهب وكانت فيها المعابد والكنائس الى جانب المساجد والزوايا والقباب فعدن ليس لديها مشكلة مع الدين أو مع المذاهب أو مع الألوان أو مع اللهجات والمناطق إلا منذ ان شعرت بالظلم والقسر والضيم وفرض الوحدة قسريا بالأسلوب العسكري والنخيط.

والله من وراء القصد والهادي الى سواء السبيل .. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.