السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٤١ صباحاً

المشايخ آل الأحمر

رضوان محمد السماوي
الاربعاء ، ٢٩ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
أُسرة مؤثرة في الشأن السياسي اليمني لمدة تقارب الأربعمائة سنة والملاحظ أنها لاتتحرك ضد الأنظمة إلا حينما تلسعها نيران التهميش والإقصاء , فعند ذلك تتذكر قيم الحق والعدل ورفع الظلم والمعاناة عن الضعفاء والمساكين يظهر ذلك جلياً من خلال تتبع الوقائع التاريخية لمواقف هذه الأسرة مع أنظمة الحكم المتعاقبة من مقال لي بعنوان مملكة الظل بتاريخ 6/7/2011

كثر الحديث في الآونة الأخيرة من قبل بعض الباحثين والكتاب والصحفيين عن دور قبيلة حاشد وأسرة آل الأحمر تحديداً في المشهد السياسي اليمني حتى وصِف الشيخ عبد الله الأحمر بأنه صانع الرؤساء وهذه حقيقة يفاخر بها الشيخ نفسه وإن بطريقة غير مباشرة ؛ يتضح ذلك من خلال كتابه المعروف ( مذكرات الشيخ عبد الله الأحمر ) وكذا في العديد من المقابلات التلفزيونية والصحفية .

المتأمل في تاريخ هذه الأسرة يجد أن تأثيرها السياسي ظهر في اليمن في العام الهجري 1141هـ كما أشار إلى ذلك العلامة الأكوع في كتابه( هجر العلم ومعاقله في اليمن) وذلك في سياق ترجمته للشيخ علي بن قاسم الأحمر والذي تزعم هو والنقيب ناصر جزيلان حملة كبيرة من قبائل همدان ( حاشد وبكيل ) لمناصرة الإمام محمد بن إسحاق المهدي على الإمام المصور الحسين بن فاسم بن حسين .

إلا أن هذا الدور اختفى ولم يظهر على مسرح التاريخ حتى جاء الشيخ ناصر بن مبخوت بن صالح من مصلح بن قاسم بن علي بن فاسم الأحمر والذي وقف إلى جانب المنصور محمد بن يحيى حميد الدين الذي توفي عام 1322هـ ، وقف إلى جانب ولده الإمام يحيى وقال كلمته المشهورة لعلماء قفلة عذر عندما وجدهم يميلون إلى ترشيح إمام آخر ( يا سادة يا قضاة ما بش معانا غير سيدي يحيى ) فبايعوه رهبة لا رغبة كما قال المؤرخ الأكوع ، فكان الإمام يجله ويقدره ، وكان أكبر عون للإمام يحيى وكان يلقبه بعضد الدين .

تحولت هذه المناصرة إلى المنابذة من ابنه الشيخ ناصر بن ناصر مبخوت الأحمر متعللاً بأن الإمام يحيى يتبع هواه ويخالف ماتعهد به عند مبايعته ، من القيام بالحق والعدل وصارت الأمور بينهما في شد وجزر إلى أن لحق هذا الشيخ بالملك عبد العزيز آل سعود عام 1346هـ وبقي فيها إلى أن توفي عام 1362هـ .

ظهر الدور السياسي للشيخ حسين بن ناصر مبخوت الأحمر والد الشيخ عبد الله وتابع المنابذة للإمام يحيى وحدثت بينهم المعارك ثم عادت العلاقة إلى التحسن مع الحذر فكل متربص للآخر كما ذكر ذلك القاضي الأكوع في كتابه سالف الذكر .

ولما ذهب الإمام أحمد إلى إيطاليا للعلاج عام 1379هـ حدثت اضطرابات في تعز وصنعاء فاضطر ولي العهد محمد البدر أن يستنجد ببعض مشايخ اليمن ، فهب الشيخ حميد بن حسين الأحمر ( عم حميد الأحمر المعاصر ) على رأس قوات كبيرة من حاشد وغيرها فدخل صنعاء في موكب مشهود ، والهدف من ذلك مناصرة ولي العهد . وتأكيد الولاء ، إلا أنها سرت في الناس إشاعة ، أن هذا مظاهرة وإرهاص لزوال الإمامة وقيام نظام جمهوري ، مما أفزع الإمام أحمد والهاشميين ، فأخرج الإمام أحمد فريق من الجيش بقيادة العميد عبد القادر أبو طالب بالذهاب إلى حاشد والتنكيل بقادتها وزعمائها ؛ حتى يسلموا الشيخ حسين الأحمر وظلت الأمور متوترة بين الطرفين إلى أن انتهت بإعدام الشيخ حسين وولده حميد وحبس الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر إلى أن قامت الثورة اليمنية سنة 1962م .

يقول العلامة الأكوع : ( إن حاشد كانت وما تزال ترجح في ميزان القوى المتصارعة التي تنحاز إليها لتماسكها تحت قيادة واحدة ).

وبالرجوع إلى مقابلة صحفية أجراها الصحفي جمال عامر مع الشيخ عبد الله الأحمر لصحيفة الثقافية عام 2002م وأعاد نشرها في صحيفته الوسط بتاريخ 22 سبتمبر 2004م .

نأخذ أهم المقتطفات التي تدلل على الدور المؤثر لهذه الأسرة في تغيير الرؤساء بدءاً من السلال وانتهاء بعلي عبد الله صالح ، فبالنسبة للسلال قال الأحمر : أنه حاد عن الثورة وّسلم الأمر للمصريين وبالنسبة للانقلاب على السلال قال الأحمر أنه كان في فريق ذلك الانقلاب وعلى رأسه ، وشرح كيف بقي في خمر سنة كاملة وعمل " جمهورية ثانية " هنالك وعن دوره في اختيار القاضي الإرياني والترتيب له قال الأحمر : أنه كان ممن رتب للإرياني وفي مقدمتهم .

وقد سأله المحاور : ومع ذلك لم يدم شهر العسل بينكم كثيراً وسرعان ما اختلفتم ؟

أجاب الأحمر بأن العسل دام كثيراَ وكثيراً ، ولكنه اختلف مع الإرياني عندما عمل من نفسه مظلة للاشتراكيين والشيوعيين .

وعند سؤاله عن الحمدي وهل كانت له قناعة في اختيار الحمدي ؟

أجاب : نعم كنا مقتنعين بإبراهيم الحمدي ، وكان عمي سنان يعتبره ابنه وأقنعنا به ونحن مقتنعون لأن مواقفه كانت جيده من التخريب في المناطق الوسطى .

وعند سؤاله : هل كانت تربطك به علاقة شخصية ؟

أجاب : لا لم تكن تربطني به علاقة شخصية ولكن كانت علاقة مواقف وهذه المواقف هي التي جعلتني أقف معه

س : إذاً ما الذي تغير لتقف ضده بالشكل الذي تعرفه ؟

أجاب : هو خدعنا عمي سنان رعاه الله هو من دهف لكي أقدم استقالتي من مجلس الشورى وكانت غلطة كبيرة لأن الشرعية كانت في مجلس الشورى فانخدعنا بإبراهيم الحمدي وسلمنا الأمور كلها بيده .

س : ماهي الأسباب الحقيقية أو الخفية لخلافك مع إبراهيم الحمدي ؟

أجاب : الخلاف بدءا بعد أن صفى العناصر القبلية من الجيش بيت أبو لحوم ومجاهد أبو شوارب .

س : هل كنتم تبحثون عن رئيس صوري تسيرونه أنتم لتبقى القبيلة دولة الظل والشيخ رئيس فعلي ؟

أجاب : هذا لم يكن هدفنا وليس ما كنا نبحث عنه رئيس نسيره نحن .

نختار رئيس يمشي في الخط والطريق الذي يحفظ للناس كرامتهم ويصون للناس تقاليدهم ويحفظ للشعب عقيدته وأخلاقه ويصون الثورة والجمهورية ومبادئها .

فهذه كانت أهم الأدوار التاريخية لهذه الأسرة وبالبحث والمناقشة الموضوعية لما ورد سابقاً يمكن الخروج بالنتائج التالية : أن آل الأحمر أُسرة مؤثرة في الشأن السياسي اليمني لمدة تقارب الأربعمائة سنة والملاحظ أنها لاتتحرك ضد الأنظمة إلا حينما تلسعها نيران التهميش والإقصاء , فعند ذلك تتذكر قيم الحق والعدل ورفع الظلم والمعاناة عن الضعفاء والمساكين يظهر ذلك جلياً من خلال تتبع الوقائع التاريخية لمواقف هذه الأسرة مع أنظمة الحكم المتعاقبة .

فالشيخ ناصر مبخوت الأحمر، ناصر الإمام المنصور محمد بن يحيى حميد الدين، ووقف إلى جانب ولده الإمام يحيى بن محمد حميد الدين وقال كلمته المشهورة ( يا سادة يا قضاة ما بش معنا غير سيدي يحيى ) .

فهذه الكلمات تقوم على العصبية والنفعية والعاطفة التي ربما تكون نتاج لمصالح شخصية متشابكة نجمت عن التحالف مع الإمام المنصور والد الإمام يحيى ، والمخالفة للمنهج الزيدي وطريقته في تنصيب الأئمة والدعوة إليهم ، فبايعوه رهبة لا رغبة كما ذكر المؤرخ الأكوع .

هذه العلاقة لم تستمر بين الإمام يحيى والشيخ ناصر بن ناصر الأحمر ، الذي نابذ الإمام ؛ بحجة أنه يتبع هواه ويخالف ما تعهد به عند مبايعته من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحلال الحق ، وتحريم الظلم ، ولا ندري هل يقصد مبايعة والده للإمام ، أم مبايعته هو للإمام .

والمؤكد أن المقصود مبايعة والده وحمله للعلماء على تلك المبايعة وقولته المشهورة تلك ، فإذا كانت التولية بالأساس قائمة على التعصب والعاطفة ، منافية للموضوعية ولشروط المذهب الزيدي وإجراءاته في التنصيب لمثل هذا المقام العظيم ؛ فكيف يمكن المنابذة بحجة عدم القيام بالعدل والحق ، وإذا كان قد ظهر له مؤخراً ، فهذا يدلل أن والده لم يحمل العلماء على البيعة للإمام يحيى ؛ إلا بدافع المصلحة الشخصية، ولما انعدمت هذه المصلحة وتقلص النفوذ ، بدأت المنابذة من الشيخ ناصر بن ناصر الأحمر الذي خرج من الموالاة إلى المعارضة وتأليب القبائل على الإمام .

على نفس المنوال سار الشيخ حسين بن ناصر الأحمر وابنه حميد وان كانا فد مالا إلى الصلح وتلطيف الأجواء مع السلطة الإمامية ومحاولة كسب الود؛ خصوصاً حينما لاحت لهما الفرصة بصرخة الاستغاثة التي أطلقها ولي العهد محمد البدر عندما سافر الإمام أحمد إلى إيطاليا للعلاج سنة 1379هـ .

فلبى على الفور هذا النداء الشيخ حميد بن حسين الأحمر على رأس قوات كبيرة من حاشد وغيرها ، فدخل صنعاء في موكب مشهود في محاولة لكسب ود الإمام ورأب الصدع وردم الهوة التي بدأت تتسع واستعادة جسور الثقة مع الإمام أحمد ولمتسائل أن يقول ما الدافع لذلك غير المصلحة الشخصية ، فإذا كان الشيخ ناصر بن ناصر الأحمر قد قال عن الإمام يحيى أنه يتبع هواه ويخالف ما تعهد به عند مبايعته من العدل والحق ، فكيف يقوم بذلك الإمام أحمد ؛ مع انه أكثر بطشاً من أبيه .

ولولا المبادرة من الإمام أحمد لتقليص نفوذ هذه الأسرة بتحريض من الهاشميين لكان كل شيء على ما يرام ولما تمرد هؤلاء على الإمام أحمد ولا على الإمام يحيى ، يؤكد ذلك ما قاله الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في مقابلته مع صحيفة الثقافية عام 2002م والتي قال فيها أن تجاوب المشايخ مع الثورة كان للانتقام لمقتل والده وأخيه .

برز هذا الدور بعد ثورة سبتمبر فالمتابع لكل المتغيرات التي حدثت في رأس القيادة الهرمية للدولة يجد أن للشيخ الأحمر المسنود محلياً من قبيلته ومن جماعة الإخوان المسلمين وإقليمياً من المملكة السعودية دوراً رئيسياً ومحورياً في الضغط على الرؤساء بدءاً بالسلال ووصولاً إلى علي عبدا لله صالح ، وكانت الذرائع تتخذ أسباباً عدة فمن الرفض للتدخل المصري في اليمن أيام السلال ، إلى الخوف على ( الإسلام ) ومحاربة المد الشيوعي واليساري أيام الإرياني إلى أن ظهرت الأسباب الحقيقية لكل هذه التحركات والضغوطات من خلال الأسباب التي أبداها الشيخ في اعتراضه على الحمدي وأنه أبعد القيادات العسكرية القبلية من آل أبو لحوم ، وأبو شوارب مع أنه أصبح رئيس حزب البعث في اليمن بعد ظهور التعددية السياسية وفي هذا تقليص لنفوذ القبيلة التي يرى الشيخ الأحمر أنها مفجرة الثورة والأحق بغنمها وقطف الثمار .

فكانت ثمرة هذا النضال من الشيخ الأحمر هو الرئيس علي عبد الله صالح ، والذي جاء كما يقال في المثل الشعبي ( على الأضراس ) فكان ذلك التحالف المريب ، والذي استمر ما يقارب العقدين ولكن عندما بدء الرئيس صالح يمهد للتوريث وما سببه من التهميش لهذه الأسرة بداءت الخلافات تطفو على السطح إلى أن وقع المحذور وتبنى المواجهة هذه المرة أولاد الشيخ الأحمر، حسين وحميد تحديداً ، خصوصاً بعد تهميش حسين واستبعاده من اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام ، بداءت نذر المواجهة في الحملة الانتخابية لمرشح المعارضة للرئاسية فيصل بن شملان وتتوجت هذه المواجهات بإعلان هذه الأسرة الانضمام للثورة السلمية التي تفجرت على أيدي أبناء هذا الشعب ، والدعوة إلى إسقاط نظام صالح ورحيله والقبول ببناء دولة قوية تقيم الحق والعدل على الصغير والكبير حسب تصريحاتهم .