الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٠ مساءً

التقشف مطلوب..لكن كيف؟!

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
التقشف مطلوب..لكن كيف؟!
لا أظن أحداً اليوم لديه قدر ولو ضئيل من الحب والإخلاص للوطن لا يقدر الظرف الصعب الذي تمر به بلادنا في ظل هذا الانخفاض الهائل في أسعار النفط العالمية إلى درجة أصبحت تشكل تهديداً فعلياً لموارد البلاد التي تعتمد على إيرادات النفط بنسبة تتفاوت بين 75 إلى 80% ناهيك عن التراجع الحاصل في كميات النفط المنتجة
بسبب قلتها في الأساس وضآلة الاكتشافات النفطية الجديدة ذات الكميات التجارية فهي رغم تعددها لم تغط النقص الحاصل...

وذلك كله يعني أن تتجه الحكومة لإجراءات تقشفية جادة وفعلية وهو أمر طبيعي تقوم به كل حكومات الدنيا في مثل هذه الظروف، وقد رأينا بالفعل الإجراءات التي اتخذتها كثير من دول العالم في هذا الاتجاه كل بحسب طبيعة الظرف الذي تعيشه!

وإلى جانب الإجراءات التقشفية لابد أن تتجه الحكومة للبحث عن موارد جديدة وإضافية لدعم موازنتها وتخفيف الأعباء التي ستنجم عن الإجراءات التقشفية إلا أنه من المستحيل أن تنجح الحكومة – أي حكومة – في توفير الموارد البديلة بشكل فوري لتغطية نقص الموازنة لأن مثل هذه الأمور تحتاج إلى خطط وترتيب وإعداد ورؤى وجدية في التنفيذ، وقد سبق لي أن أشرت في مقال سابق إلى أجراس الخطر التي دقت خلال هذه الأزمة، وكشفت عن عمق الخطأ الذي وقعنا فيه بالاعتماد شبه الكلي على إيرادات النفط دون أن نبذل جهوداً جادة في البحث عن موارد بديلة...

لكني أتساءل هنا وبصدق وحرص وصراحة لماذا نلجأ في قرارات التقشف إلى الخصم من حقوق الموظف الذي يعيش في الأساس على هذه الحقوق ويكيف حياته البسيطة ومعيشته المتواضعة على مثل هذه الحقوق التي تشكل مساندة لراتبه؟!

لا أظن أن الحكومة تعتقد أن الموظف يمكن أن يعيش معززاً مكرماً على راتبه فقط وأن ما يستلمه من حقوق إضافية هي عبارة عن ترف ينبغي خصمه والحد من العبث في صرفه؟! ربما يكون تنفيذ مثل هذا الخصم أيسر وأقل كلفة وأخف صداعاً للرأس من المساس ببنود أخرى، وبالذات تلك المتعلقة بما يسمى الباب الاستثماري وهو الباب الذي تدخل منه شياطين الفساد الكبرى ودهاقنته الكبار، فيما الفساد الذي يمكن أن يحدث من بنود الأجور الإضافية والمكافآت وأي حقوق يمكن أن يستفيد منها الموظفون الكبار والصغار على السواء لا يعدو أن يكون صفراً على الشمال مقارنة بالهدر والعبث والفساد الذي يحدث عادة في المشاريع, إلا أن المشكلة أن الفساد الذي يحدث في هذا الأخير غير منظور الأرقام في أغلبه، وبالتالي لا تتمكن عيون الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد من الوصول إليه وإن كان منظور الأثر فيما نشاهده أمام أعيننا من خلال المشاريع المتعثرة أو العبثية التي تسترزق منها قلة قليلة بينما يستكثر البعض على الموظف مكافأة أو أجراً إضافياً تساند راتبه المتواضع...

وليسمح لي كل المعنيين بهذا الأمر بطرح سؤال بسيط برجاء الإجابة عليه: كم هو الحد الأدنى الذي يمكن لموظف عادي أو بدرجة مدير عام أو حتى بدرجة وكيل – شرط أن يكون نزيهاً – أن يعيش به حياة عادية يسدد منها الإيجار ومصاريف الدراسة والكسوة والأكل والشرب وبدون حساب كلفة القات؟!

*نقيب الصحفيين اليمنيين