الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٧ صباحاً

الرئيس وبطالة ما بعد البرنامج

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
منذ سنتين وأنا إلى جوار العداد الرئاسي في "الصحوة"، أرقب بفزع تساقطنا مع تساقط الأيام.

أرقب ذهابنا في انتظار ما لا يأتي على ظهور الأكاذيب الصاهلة.

سلخ منا الرئيس عامين زيادة على العمر المسلوخ، قضى على عامين ولم يقضِ ما وعد، ما قضى على فقر ولا انقض على بطالة.

بدت فكرة العداد مزعجة للسرَّاق، سرَّاق الأقوات والأوقات، ناهبي الأحلام والأيام، بدت حركة ضد النسيان، محاولة تنشيط أسبوعية للحس العام بالزمن في بلد ما زال يتخبط في مؤخرة الوقت متأخراً في كل شيء ، رازحاً في الأخير من المكان والمكانة، بلدٌ: العيش فيه ارتقابٌ متبلدٌ مديد، خارج الزمن بعيداً عن أحلام المغادرة.

يلوح زمن اليمني مشاعا،ً قابلاً للسلب والنهب، قابلاً للاستباحة،قابلاً للتوقيف بحسب مزاج الواقف على الأمر، سيد المكان ومالئ الزمان, عرضة للتبديد والتبذير والصرف بسفه في مشاريع خاسرة وعمليات فاجرة، يُنفق كما لو أنه عمر حيوان نافق، مملوك لرب الحظيرة وراعي القطيع.

يغيب سؤال العمر في الدرب الطويل، فتغيب الغاية وتغيم الوجهة، يسقط الناس في الغيبوبة والغياب.

الأمر لا يتعلق بتعامل النظام فقط بل هو شأن عام ينسحب على الجميع أفراداً وهيئات وأحزاباً ومؤسسات، الدولة والمجتمع.

لا تتوقف حركة التغيير في المجتمعات إلا حين يتوقف حس أفرادها بالوقت.

لا تجمد الأحزاب إلا حين يكف أعضاؤها عن التطلع نحو عقارب الساعات التي لا تتوقف.

ولإن فاتتنا وعود الرئيس، فقد منحنا العداد الرئاسي فرصة لإنعاش حساسيتنا تجاه أعمارنا التي أكلها السراب ومضغها سأم الترقب.

هذا العمر المضاع هباء، هو عمر اليمن، عمرنا جميعاً، عمر أولادنا.

وما ضياعنا واغترابنا الآن، إلا مآل شتاتنا الطويل، وما تيهنا وفقداننا الأمل في المستقبل إلا امتداد لذاك الضياع.

الحاضر لا يشاد على عُمْرٍ مُهدَّم والآتي لا يأت الذاهبين.

هذا الخراب هو حاصل حطام الأزمنة، وركام الجموع المنومة، هذا الوطن المنهوب، حصاد سطو بدأ بأثمن ما نملك، بدأ بالسطو على الأعمار، وانتهى بالسطو على الأقدار.

هل نملك أن نطلب من الرئيس إعادة ما انتَهب حكمه من أعمارنا السائبة؟! هل نملك مطالبته بتعويضات عادلة عن هذا الهدر الجائر للحياة وبواعث النجاة ؟!

لابن عربي في رسائله باب "ما لا يعول عليه" حكمة نافذة تصلح للتعليق داخل القلب:" كل وقت محسوب عليك، أو لا لك أو عليك، لا يعول عليه" لا قيمة لزمن محسوب عليك ليس لك منه غير الأسى والندم.

ما قيمة أن يحسب زمنك صفراً، لا لك أو عليك، هذا يعني نفي علاقتك بزمنك، انعدام وجودك، هذا يعني أنه زمن ميت خلا منك، ومن نفخ روحك.

الزمن الميت يساوي العيش ميتا بلا روح ولا حياة.

زمنك الذي تعول عليه هو ما يحسب لك، ولـ"نتشيه" مقولة هي أكثر تحريضاً على يقظة الحس : "من لم يعش زمنه كاملاً لا يستحق أن يقال إنه مات لأنه لم يولد في الأصل".

هذا مقام يقتضي المساءلة والمراجعة والتأمل.

حين يصير الموت هو الحاكم والقائد والزعيم، يسهل تهديد المصائر واللعب بالأقدار، حين نعبر موتى تقودنا الجثث المتفسخة.

تصفير العداد حاصل معادلة وجودية صفرية، والوعود الميتة زاد صالح لأكلة الخواء والكذب المهيمن ناتج انسحاب الصدق والصادقين. والبرامج المغشوشة والفاسدة تجارة سوق غاشّ فاسد معطوب الإحساس.

الأمر أكبر من مطاردة وعود خطابية في مهرجان انتخابي تطلب من الرئيس ما يقدر على قوله لا ما يقدر على فعله.

ما هو فاجع: استباق الرئيس تصفير العداد بإعلان أذهلني عن متابعة العد التنازلي، وقفز بي صعوداً نحو أعلى المضحكات.

ما قبل شهور قال الرئيس: إنه حقق 75% من برنامجه الانتخابي، ولم تلبث أن ارتفعت إلى 80% وببركة متبرعين حريصين على إرضاء الرئيس وصلت إلى 85%.

ووفق هذه الحسبة الجنونية بالتأكيد اليوم قطع برنامجه السريع جداً نسبة الـ15% المتبقية.

برنامج الرئيس بسنتين" يا سهلتاه" سبق خارق يضاف لتاريخ الخوارق الرسمية، يكفي لأن تفتح له موسوعة غينيس للأرقام القياسية باباً جديداً يستوعب السبق في البرامج الرئاسية.

باقعة كبرى ملاحقتها أولى من متابعة عدَّاد الوعود.

أنت تنتظر وعوده الخطابية، وفجأة يدهس عقلك بتأكيده المتباهي والواثق أن برنامجه قد وصل بالكامل.

أكيد لبَّسوه طاقية إخفاء "عوبلية"، أو ربما حققوه في غير اليمن!! من يدري.. لعلهم غلطوا..!! وأنجزوه في "كنشاسا أو بركنافاسو"..

طيب وماذا سيفعل الرئيس في الفترة القادمة؟! فترة ما بعد إنجاز برنامجه السبَّاق والذي انطلق بسرعة مليون حصان حاكم.

أتحدث بروح مشفق متبطل ذاق طعم البطالة ومرارة الادعاءات الباطلة.

ماذا سيفعل الرئيس في سنواته الأربع القادمة؟! هل سيجلس متبطلاً على كرسي الرئاسة بعد أن "كمّّل البرنامج؟!

اطرح عليه اقتراحا شريرا أتوقع أن يكافئني عنه، اقترح عليه أن يحقق برنامج بن شملان، لن يصعب عليه وقد حقق برنامجه في سنتين متجاوزاً كل الصعاب التي تخنق اليمن والعالم.

يغريني سبقه هذا بفتح شهيته الإنجازية لتحقيق برنامج "أوباما" أيضاً وما استطاع من برامج الرؤساء والحكام المتعثرين والفاشلين.

فرصة لتحقيق كل ما يمكن أن يطرح من برامج مستقبلية منافسة، وعلى نحو يضمن قطع الطريق عليها باعتبارها محققة سلفاً, وخالية من الجديد والتجديد.

كم هو سهل إطلاق الأكاذيب الهائلة في مجتمع ذاهل ،مسترخ، لا يعد ولا يحصي، لا يحسب ولا يحاسب، لا يثور معلناً يوم الحساب.

ولبرنامج الرئيس حكايا وبقايا تكشف عمق النكبة وزيف النسبة..