الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١٩ صباحاً

جلاد القصر .. موظف بدرجة وزير !!

صالح السندي
الثلاثاء ، ١٣ مارس ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
عادت الكرة مجددا الى ملعب الرئيس , و سيكون الرئيس ورئيس الرئيس و رئيس الشيخ والوطن معا , مهلا هنا لم تنته القصة بعد , هذا ما يذكرنا بمأسآة وطن بأكملة , كانت هناك تجربة شخصية و حدوتة طريفة يتداولها رجال الأمن عن سر ذلك الشارب الكبير الغارق في الوجة الاشعث وهو يتبختر في خطواته والسوط لم يفارقه عند بوابة البحث الجنائي , وهو يلوح بعصاه ويهش بها على غنمة لكل من مر دون سلام , توقف فجأه والرتب العمودية تناثرت على كتفية وصدرة دون تنسيق و بغزارة و بلاهه شديدة , وفي ليلة وضحاها .. لم تشرق الشمس بعد إلا على رتب عالية ونجوم وطير وسيف بتار لا يرحم , وانتقل الضابط الصغير الى منصب مرموق لم نعد نقابله من ذلك الحين , كلما نسمع عنه بعدها انه اصبح جلادا للقصر بدرجة وزير .

وحينما سألنا عن سر ذلك التحول الكبير في حياة الضابط المحنك , قيل لنا انه ناسب بيت فلان , وبيت فلان هؤلاء هم من في القصر , ومن دخل القصر فهو ليس بآمن فحسب , بل ستفتح له ابواب الفردوس وخزائن السموات والارض , وفتحت له ابواب آزال وقصورها ونعيمها , وتدرج في المناصب مثل تقلب الرياح الموسمية و بسرعة شديدة , دون انتظار او تردد كان اسمة يلمع في وسائل الاعلام و تتصدر صوره الصحف والأخبار , و كان يحصد الألقاب العظام والنياشين والهدايا , ويسافر عبر القارات حاملا اسم اليمن , ونموذجا للشباب اليمني المثقف والصاعد .

كانت البداية .. حين ابتعث للخارج بعد فشله في الجندية , رغم صغر سنه وقلة خبراته , بعد ان اثقلت كاهلة سنوات التحصيل العلمي بإحدى الجامعات العربية , لم يكمل الدراسة وفر من السور الامامي في السنة الثانية واشترى شهادة مزورة ومن أعتق الجامعات , وكانت مكافأته من القصر إصدار صحيفة رسمية باسمة تتوج امجادة وتأريخة وبطولاتة , بل واصدار صحف عديدة -اللهُم لا حسد - ذيل اسمه تحتها بصاحب الشرف العظيم وبالخط العريض وبملكية خاصة , وصار ضابط الأمس منبرا من منابر العلم والثقافة في موطن الإيمان والحكمة , ومع مرور الوقت اثبت صاحبنا حسن الولآء والطاعة للقصر , ولم تفارق البسمة الطفولية محياه كلما قابل صاحب الفخامة ويفغر فاه ببلاهه شديدة , ويشخص بعينيه بجحوظ مريب , غير مصدق نفسه انه سيأتي اليوم الذي يقابله بل ويحدثه شخصيا بل ويرافقه في مختلف المؤتمرات والفعاليات والأسفار , وكان لا يكف دوما عن ذكر محاسن القائد الفذ , فتارة يتغني به في الخطابات واللقاءات , وتارة تسرد الصحف الخاصة به عنه المقالات والاخبار, وكانت الشيكات والملايين تصرف له دون حساب وبميزانية مفتوحة, لينعم بها في خيرات الوطن , ويسبح بحمد الزعيم ليل نهار ويقدسة , ويقيم الفعاليات على شرف حضورة بأقل التكاليف , وتذهب بقية الايرادات المهولة الى البنوك والحسابات الخاصة .

ونظرا لمواقفة المعطآءة في الصبر والطاعه , تم ترقيتة بسرعة قياسية ليصبح وكيلا ثم وزيرا , الثورة الشبابية اختزلت احلام الفتى الضائع فكان يبكي ليلا وجهارا نهارا , ويلوح بيدية لعدو مجهول وشبح يطارد احلامه ويقضُ مضجعة , وتم عرضة على اكثر الاخصائيين النفسيين خبرة طلبا للشفاء دون فائدة , حتى اخبر طبيب ماهر أن الشاب لدية حالة زهايمر من الربيع العربي سرعان ما تتكشف عنه بعد انقشاع هذه الغيمة بسلام , فالتجأ الى ركن إحدى فللة يحصد الايام والشهور خائفا وجلا , فحين كان الشباب يقتلون في الساحات طلبا للحرية والكرامة , كان هو يخنق العبرات ويحصى الايام طلبا للخلاص والمجد , من شبح الربيع العربي وازهارة الشائكة الموجعة , وكانت تصل الية الاخبار في عزلته وهو يخزن القات ويبتلع مرارته وحسرتة , اخبار تساقط الدول والعصابات والانظمة , فلم يتمالك نفسه من ان يخرج عينية لعله يرى بصيصا من النور والأمل , ينهي احزانه ويخرجة من حالته الرثة وشعورة بالإحباط والتخبط , جآءته دعوة من فخامته للمشاركة في ميدان السبعين وحضور المنصة لرؤية الخطاب الجماهيري الكبير لأنصار الشرعية , رفض بتردد ولكنه حاول جاهدا جمع قواة ورباطة جأشة تحت وطأة إصرار والده للمشاركة في المسيرة الشعبية الداعمة للزعيم الوطني والقائد الرمز , فخرج من بدروم فلته يرتعد الفرائص خائفا وجسا يتربص , يطالع الافق والنور كسجين خرج لتوه من سجنه بعد حبس طويل .

القى قائد الحرس الخاص به التحية وساقه الى سيارته الخاصة مع مرافقية وحراسة مشددة , وفي منصة السبعين بدت صورته ومنظرة وقد اصفر وجهه وتصبب عرقا , وعلت جبينه علامات الوجوم , وهو يقف خلف القائد وهو يلقي خطاب التهديد والوعيد وحرمة الإختلاط , ولم تغب عنه تلك الابتسامة العابسة وهو يزيح احد الحضور من امامة ليظهر للجمهور الغفير انه موجود وما زال حي يرزق , وكان موقنا بقرارة نفسه مدى الكذب والافترآءات بشرعية النظام الزائف, ولكن كان امله الوحيد ان قوة المال ونفوذ السلطه ستفعل مفعولها السحري وستجنبة مستقبلا ويلات السقوط والمحاكمة , وكانت الآمال لا تغيب في ظل وجود المبادرة الخليجية واطروحات الانقاذ , واستغل تلك الفرصة الثمينة والمماطلة ليهرُب جميع الاموال المنهوبة الى خارج الوطن , في بنوك ماليزيا والمانيا وأمريكا, والشنطه جاهزه لوقت الطوارئ , وحين تحين ساعة الهرب سيهرول مسرعا الى المطار قبل ان تجني الشرعيه الثورية ثمارها , ولكنها طالت وتبددت معها آمال التغيير, وبدأ يتنفس الهواء الطلق وتعود له انفاسه مجددا , ويستنشق عبق الحريه بفتور شديد , متمنيا ان يدوم الحال هكذا.


فلم تعد السلطة تعني له شيئا بقدرما كان يهمة التحرر والخلاص والهروب من شبح الاعدام وسياط الموت والسجن , خاصة بعد ان ثبت تورطة في قتل العديد من شباب الساحات , وإدارته لعمليات القمع الممنهج ضد الشباب في الميادين والمسيرات والمظاهرات , وكانت بصماته لاتخفي في كل جريمة تتم إبان الانتفاضة الشعبية , رغم ما كان عليه من الجبن والانهزام ولكن كانت له أيادي في كل مكان تدير عملياته ومؤامراته ويصرف لها المال العام لقتل الشعب بلا هوادة .

وحين حان موعد التوقيع على المبادرة الخليجية تنفس الصعدآء , فالحصانه قادمة وستبعد عنه مستقبلا المحاسبة والمسآئلة والملاحقة القضائية , يالحسن الحظ وسعد الطالع وبدا له ذلك اليوم تأريخيا ولن ينسى ابدا , ووقُع الرئيس السابق على المبادرة واعلن عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني , ولأول مرة يخرج من منزلة يجوب شوارع صنعاء في إستحياء وتأمل , وذات ليله وبينما هو غارق في بحر الأمان والأماني , يرسم الخطط والآمال وما سيحققه مستقبلا من تلك الأموال الطائله والتجاره الرابحة والمشاريع الإستثمارية العملاقة , أتاه اتصال من القصر يخبره بأن عليه القدوم فورا لأمر عاجل وهام , ذهب وهناك امام بوابة الصالة الداخلية استقبلة الرئيس السابق بإيماءة تعجب وإعجاب وهز كتفه بامتنان مشيرا له بالدخول , لم يكن وحدة لقد كانت الاقرب الى دعوة مائدة عشاء عائلية , اجتمع فيها علية القوم وقادة اركان الامن والحرس الجمهوري , و قيل له انه تم ترشيحة لمنصب وزير في الحكومة القادمة , كان وقع المفاجئة عليه ثقيلا جدا , وصعق لهول الصدمة وتلفت يمينا ويسارا لعلها مزحة ثقيلة , او ان يشير عليه احدهم بانها مجرد دعابة سياسيه عابرة , ولكن وقف الجميع في صمت وانهالت عليه اسمى التهاني والتبريكات بمناسبة تولية المنصب الجديد , وزير مره واحدة , هذا مالم يخطر على باله ابدا , جمع بقاياه واحمر وجه خجلا وحياءا وابتسم ابتسامة طفوليه تنم عن البرآءة والوداعة , وانحنى وهلُل وكبُر.

وفي صباح اليوم التالي توجة الى وزارته شاكرا النعمة الألهية ودعوات الجد والجدة , التي اوصلته الى هذا المنصب ما كان له ابدا أن يحلم به يوما ما , وفي داخله ممتنا جدا للثورة الشبابية وللربيع العربي , وأنبُة ضميره وعاتب نفسه مرارا كيف اساء الظن بالثورة والتغيير , فلولا هذه الثورة الشبابية والتضحيات الجسام , لما تقلد هذا المنصب وتبوؤ هذه المكانه العالية , وردد بداخله وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم , واستقبل استقبال الابطال عند بوابة الوزارة , ومن مكتبة رفع سماعة الهاتف ليخبر صديقه القديم بعجائب الازمان وغرائب الاحداث وقابله على الطرف الآخر صوت ناعس استيقظ من نومه للتو , وبارك له المنصب الجديد وقال بنبرة لا تقل دهشة وغرابة : لا تستغرب يا صديقي وانا تم تعييني وزيرا وانا نائم , لم اسمع بالخبر الا من الاخبار , ومن سته اشهر وانا نائم وخارج نطاق التغطية ولا اعرف عن الدنيا شئ , و بين المدكا والسرير يصحو المرء في اليمن وهو وزير !!