الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٧ مساءً

التنمية بين الطائفية المذهبية والفساد السياسي

إدريس الشرجبي
الاربعاء ، ١٤ مارس ٢٠١٢ الساعة ١١:١٠ صباحاً
إن مفهوم الفساد يختلف بحسب المنهجية العلمية المتبعة في تحليل ظاهرة الفساد فنجد السياسيين يركزون على الفساد السياسي ومن ابرز مظاهره إفساد الديمقراطية والنظم الانتخابية والفصل بين السلطات والعبث بالحريات العامة وحرية الرأي فيما نجد إن الاقتصاديون يركزون على التنمية والاستثمارات واليات الفساد في مجال العمليات التجارية والصفقات غير القانونية بينما يركز القانونين على الإحكام القانونية وإنفاذها واستقلالية القضاء ونزاهته والالتزام بالضوابط القانونية ومن هنا يمكننا القول إن مفهوم الفساد متشعب ويتداخل فيه السياسي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي والثقافي ويرى ماكس ويبر(Max Weber) إن الفساد"هو سلوك ينحرف عن الواجبات الرسمية لدور عام بسبب مكاسب (شخصية أو قرابة عائلية أو عصبية خاصة) مالية أو لمكانة خاصة أو سلوك يخرق القانون عن طريق ممارسة أنواع التصرفات من اجل المصلحة الخاصة" ،ونحنو في تناولنا لموضوع التنمية بين الطائفية المذهبية والفساد السياسي سوف نركز على المدخل الاجتماعي والسياسي والاقتصاد .

فلقد حرمت عدد من المناطق في بلادنا وخاصة الريفية منها من حقها العادل في الحصول على مشاريع التنمية وذلك بسبب الفساد الذي اتسم به النظام السياسي وعلى وجه الخصوص خلال المرحلة التي عقبة الوحدة المباركة فقد انتهج النظام سياسة انتخابية فاسدة جعلت من مشاريع التنمية بمثابة الجزرة والعصا معاً لإدارة المعارك الانتخابية وكسب الو لاءات فلم تكن هناك إستراتيجية وطنية للتنمية تخطط للاستثمارات في البلاد غلى أسسا اقتصادية واجتماعية وبيئية ،فكانت العديد من المشاريع بمثابة (الجزرة )التي توهب كرشوة ومكافآت لتحقيق مكاسب انتخابية أو لكسب ولاءات ومناصرين للحاكم وبالفعل تم تنفيذ عدد من المشاريع دون إي دراسات جادة في مناطق وأماكن غير مناسبة ولا تتوفر فيها مقومات النجاح من حيث الجدوى الاقتصادية غالبا ما فشلت (وهناك عدد من السدود الصغيرة التي لم تحتجز المياه كونها لم تصلها ولن تصلها بالإضافة إلى مشاريع الطرقات التي مرت لتخدم متنفذين بعيداً عن تجمعات سكانية كانت أولاء بها وكذلك بعض المدارس التي صار طلاب المنطقة التي أبعدت منها يكابدون المشقة للوصول إليها من اجل عيون الشيخ او المسئول بل هناك جامعات الدارسين فيها غالبيتهم من محافظات أخرى تكاليف معيشتهم شكلت عبئا على أسرهم وعناك العديد من مشاريع المياه التي أشعلت نار الفتنه بين أبناء عدد من المناطق تشهد على ذلك).وفي المقابل كان حرمان عدد من المناطق من مشاريع التنمية يمثل العصا الذي يعاقب به مواطنين تلك المناطق لعدم تأيدهم خيرات وممارسات الحاكم او الفاسدين المتنفذين ، وهذا الفساد قد تضررت منه بشكل عام معظم مناطق ومحافظات بلادنا.

إلا إن محافظة تعز وعدن لم يكن حرمانها للأسباب التي سبق ذكرها وحسب بل ان ممارسة الطائفية المذهبية من الحاكم وبعض المسئولين الفاسدين والطائفيين شكل عاملاً رئيسيا وقد أدرك أبناء تعز ذلك في وقت مبكر قبل الوحدة المباركة ،فقد لمس ذلك كل من كانوا قائمون على متابعة مشاريع التنمية والتطوير من أبناء تعز عند تمحيصهم أسباب رفض المشاريع التي يطالبون بها وتبين لهم الممارسة الطائفية المضمرة قبلهم بل والمعلنة بوقاحة من قبل بعض المسئولين في بعض الأوقات ، وجاءت الوحدة واستبشر أبناء تعز خيرا إلا أن ممارسات التهميش لهذه المحافظة استمرت بل ارتفعت خاصة بعد حرب 94م كما ساعد على ذلك سقوط عدد من أبناء تعز في براثين الحاكم الفاسد المستبد وتم شرائهم بالأموال الفاسدة وتحولوا إلى مدافعين وموالين للنظام بل أن بعض مثقفيهم تحمل وزر الدفاع على النظام حتى الرمق الأخير.

وكذلك الأمر بالنسبة للمحافظات الجنوبية فقد كان النظام ينظر إلى هذه المحافظات كفيد خاصة بعد حرب 94م فتم سرقة عدد من المشاريع بطرق عديدة من الفساد منها باسم الخصخصة وزج بعدد من العاملين في تلك المشاريع إلى جموع العاطلين كما تم نهب الأراضي في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية ووزعت بعضها من الحاكم كهبات للمتنفذين والفاسدين وفتحت شهيتهم ليتوسعون في فسادهم لنهب أراضي أخرى مملوكة للدولة وبعضها خاصة نهبت بالقوة من مالكييها أو المنتفعين بها، وكانت الممارسة الطائفية عنوان لذلك الفساد تخبر عنه هوية الفاسدين المغتصبين تلك الأراضي.

كما إن فساد الحكم وأعوانه لم يجعلهم يفكرون بالمشاريع الإستراتيجية العملاقة للتنمية لأنها لن تدر عليهم عوائد سريعة يمكن نهبها وكما أنها تتطلب استثمارات كبيرة هم لا يريدون دفعها من اجل التنمية في هذه المحافظات . ولتدليل على ذلك سوف نتحدث حول مشروعين من أهم المشاريع العملاقة للتنمية التي طلها فساد نظام علي عبد الله صالح وهما الأول مشروع ميناء الحاويات في عدن والمشروع الثاني هو مشروع تم تهميشه كسياسة طائفية ضد أبناء تعز هو مشروع توليد الطاقة بالرياح, فلقد وفرت ثورة 11نوفبر الشعبية مناخ الحرية فكشفت عن ممارسات الفساد دون خوف،فقد كشفت المقابلة الصحفية التي أجريت مع احد المستثمرين أوضح فيها أن رأس النظام ممثلا بشخص الرئيس لم يستجيب الشكاوي المقدمة من قبل صالح بن فريد الصريمة عن الشركة الكويتية الأمريكية لاستبعادها من فرصة المنافسة في الحصول على مشروع إدارة واستغلال ميناء الحاويات الذي قدم من خلال عملية فساد قادها رئيس الوزراء باجمال ليسلم المشروع لشركة مواني دبي وهي شركة منافسة لميناء الحاويات في عدن وليس من مصلحتها أن يتطور هذا الميناء باعتباره منافسا لميناء دبي وقد أوضح في تلك المقابلة إن العرض الذي لم يلتفت إليه والمقدم من الشركة الكويتية الأمريكية التي كانت تريد ان يكون ميناء عدن ميناء دولي ينافس المواني الدولية ومنها ميناء دبي و كانت تلتزم فيه بان يستقبل الميناء ملاين الحاويات وتتحصل بلادنا على ملاين الدولار وكانت قد قدمت ضمانات بنكية تلتزم بموجبها الدفع لملاين الدولارات عن الحاويات الداخلة والعابرة لتصل الى ما يزيد عن عشرة مليون حاوية في المرحلة الاولى لتصل الى ضعف العدد في المراحل التالية وفي حالة عدم دخول هذه الحاويات فان الشركة تدفع لبلادنا مقابل هذا العدد من الحاويات المحددة بالعقد سواء دخلت الميناء أم لا وضل الرجل في المقابلة يحتسب العوائد المالية التي كانت سوف تحققها بلادنا لتصل الى عوائد مالية تزيد على عائدا النفط في بلادنا وإنها قد تصل الى ما يزيد عن 25بليون دولار ناهيك على فرص العمل العديدة والكثيرة التي سوف يوفرها تشغيل الميناء وبين ان الميناء قد أصيب بالشلل وان عدد الحاويات التي في الميناء بعد إن تسلمته شركة مواني دبي قد تراجع عما كانت عليه قبل تشغيلها له وان عدد الحاويات تراجع من 530 الف حاوية قبل ان تتسلمها شركة دبي ليصل الى 34 الف في عام 2011 وان عقد التشغيل مع شركة مواني دبي لا يلزمها بدفع إي تعويضات في حال عدم دخول عدد معين من الحاويات مما جعلها لا تهتم بتشغيل وتطوير الميناء خدمة للمنافع التي تحققها في ميناء دبي وتقاطع المصالح بالنسبة لها واضحة وضوح الشمس . وبناء علي ذلك نقول إن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لم تحرك ساكنا برغم من استلامها ملف الفساد في هذه القضية في عام 2008م ولا بد لها ان تتبنى التحقيق في هذه القضية وانه وفقا لقانونها فان ما تنشره وسائل الإعلام يعد بلاغا وأي بلاغ أهم من هذا الفساد الذي يحتم التحقيق فيه وإعادة النظر في هذا العقد الذي حرم بلادنا من الاستفادة منه والذي إذا ما تم تصحيحه سوف يوفر لبلادنا موردا هاما وكبيرا وقد أوضح وزير النقل في حكومة الوفاق انه تم تشكيل لجنة لذلك نرجو لها النجاح.

كما كشفت الكثير من الدراسات عن إمكانية توليد الطاقة الكهربائية بالرياح قام بها خبراء أجانب وان الشريط الساحلي الجنوبي الممتد حتى المخاء يوفر إمكانية توليد الطاقة بالرياح لعشرات الإلف من الميجاوات وعلى الرغم من أهمية الطاقة باعتبارها احد مقومات التنمية الحقيقية التي تسعى معظم الدول لتوفيرها الا ان القائمين على التنمية في بلادنا في عهد على عبد الله صالح لم تعر ذلك أهمية كما إن المسئولين على الكهرباء لم تكن لديهم إستراتيجية وطنية لتوفير الطاقة بل كانت رهينة بيد الحاكم تتولى تنفيذ مسرحية هزلية تتمثل في نصب أعمدة الكهرباء في هذه المديرية أو تلك بغرض كسب انتخابي لأصوات المواطنين في تلك المناطق التي يكتشفون انه قد تم الضحك عليهم بتمديدات أسلاك وأعمدة كهرباء غير موجودة أصلا.وهنا نتساءل لماذا لم يلتفت النظام إلى أهمية هذا المشروع والعمل على تحقيقه بدلا من إهدار الأموال في مشاريع كهربائية غير مجدية ومكلفة في حين ان مصدر الطاقة في هذا المشروع متجدد لماذا لم ينفذ من وقت مبكر وفوتت على بلادنا فرص عظيمة كانت سوف تدفع بعجلة التنمية قدما ليس في محافظة تعز وحسب بل في عموم اليمن،لقد كان الفساد السياسي والحقد ألمناطقي والمذهبي في عهد نظام علي صالح يقف حجرة عثرا أمام إي مشروع يمكن إن يستفيد منه أبناء هذه المناطق حتى وان كان مشروعا قوميا سوف يستفيد منه الشعب بكامله في عموم اليمن .
ومن هنا نقول ان من أولويات الملفات التي يجب ان تطرح على طاولة النقاش في المؤتمر الوطني للمصالحة هو ملف العدالة الانتقالية لتسوية كل الثارات والأحقاد التي أفرزتها الفترة الماضية كون هذه المعالجات لهذا الملف سوف تشكل المدخل الحقيقي والسليم لتحقيق الاستقرار والأمان وسوف يكون من السهل بعد ذلك تناول الملفات الهامة الأخرى والتي من أبرزها ملف القضية الجنوبية والقضية الحوثية بعيدا عن الشعارات العنترية (الوحدة أو الموت) وفتح المجال واسعا أمام كل المعالجات المنصفة والجدية سواء أكان منها الفدرالية او الوحدة الاندماجية ليس للمحافظات الجنوبية وحسب بل في إطار الأقاليم التي قد تحفظ للمواطنين أدميتهم وحريتهم وحقوقهم المتساوية بعيدا عن استغلالهم كرعية من الدرجة الثانية و التوجه الجاد نحو المشاريع الاقتصادية العملاقة للتنمية الوحدوية مثل مشروع ميناء عدن ومشروع توليد الطاقة بالرياح في منطقة المخاء بتعز ومشاريع التنمية الزراعية في أودية محافظة الحديدة وابين وغيرها من المشاريع التي يعود نفعها على كافة أبناء شعبنا على كامل التراب الوطني وتحقيق التوزيع العادل لمشاريع التنمية في عموم الجمهورية.