الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:١٩ صباحاً

أسباب فشل الربيع العربي في اليمن ...

صالح السندي
الاثنين ، ١٩ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥٠ صباحاً
لا يختلف اثنان ان الثورة الشبابية اليمنية فشلت فشلا ذريعا , في تحقيق الأهداف المنشودة والغايات المرجوة التي قامت لأجلها ,إبان انتفاضتها الكبرى المتمثلة في اسقاط النظام كليا , قامت الثورة الشعبية ضد مقومات وعوامل نظام الفساد والقمع والبطش وكبت الحريات ونهب المال العام وضد الفساد المالي والاداري والقضائي وعدم المواطنة المتساوية والعدالة , وثار الشعب ضد الرشوة و نهب أراضي الدولة واستثمار الأموال العامة في قطاعات خاصة والكسب غير المشروع , قامت الثورة ضد منظومة ثقافية متكاملة من الفساد والحكم والتسلط الاسري البغيض , لم تقم ضد اشخاص معينين او ضد شخص الرئيس السابق بحد ذاته , فما كان الرئيس السابق الا ممثلا لنظام باكملة , وغطآءا لأمبراطورية قاهرة تعج بالفساد والتآمر , لذا لم تأت الثورة لإسقاط شخص الرئيس فحسب مع الحفاظ والبقاء على منظومتة الرئاسية والحكومية كاملة , وبنظرة متأنية ومتأملة نسرد هنا اسباب فشل الثورة الشبابية , في قراءة مستوحاة من الواقع و منبثقة من نتائج الثورة في ظل المعطيات والافرازات الحاصلة من انتفاء تحقيق كامل اهدافها .

1- أسباب داخلية محلية .
2- أسباب خارجية دولية.
1- الأسباب المحلية الخاصة يمكن محورتها وسردها في اطار محاور شعبية ومحاور سياسية.
المحاور السياسية بدورها يمكن تقسيمها الى محاور حزبيه موالية واخرى معارضة .

- لعبت الاحزاب السياسية المعارضة المنضمة للثورة دورا سلبيا كبيرا في تأخر المدٌ الثوري وقلة شعبيته وتلاشي زخمة المتنامي تدريجيا , حيث استفاد النظام السابق من هذه الورقة بالذات لتهييج مشاعر الشعب والاغلبية العظمى من الجماهير اليمنية ضد مخاطر الاحزاب المتسلقة على الثورة , وركوب الموجة الثورية لتحقيق اهدافها واجندتها الخاصة , معارضة بذلك طموحات الشعب للتغيير والحرية, وسعى النظام الحاكم جاهدا عبر وسائل إعلامة لتهييج المشاعر وإخافة المواطنين من تبوؤ تلك الاحزاب مستقبلا لأي مناصب ومراكز قيادية حساسة ومؤثرة تؤهلها في نهاية المطاف لفرض اجندتها ومصالحها الخاصة المتمثلة جديا في فرض رؤى وتطلعات وخدمة اهداف بعينها بعيدة كل البعد عن تطلعات الاغلبية الساحقة في التغيير وبناء الدولة المدنية الحديثة , حيث غلب على هذه الاحزاب المنضوية تحت مظلة الثورة والحاملة مشعل الثورة لاحقا التوجة الديني المتشدد وبما يتنافى مع اساسيات الدولة المدنية الحديثه من خلق مجتمع ديموقراطي حر.

مما لاقت هذه الحملة الإعلامية قبولا واسعا لدى الأغلبيه العظمى من المجتمع اليمني وانسحاب اكثر المكونات الثورية وتلاشي الحماس و الزخم الثوري وفقدان اي امل للتغيير في ظل وجود هذه الاحزاب المتسلقة على ظهر الثورة , التي بانضمامها الى الثورة وظهورها في مراكز قيادية وتنظيمية مدعومة اعلاميا واحيانا خارجيا زادت الامور تعقيدا وافقدت الثوره نقاوتها وصفائها المعهود .

بعد جمعة الكرامة ومارافقها من موجة انسحابات عديدة لمكونات العمل السياسي للنظام السابق وانضمام اكثر الشخصيات للثورة الشبابية , ولما عرف عنها في الأغلب من الفساد ونهب المال العام , وكانت من رموز واباطرة الشر في عباءة النظام القديم , وبتوجهها الى محراب الثورة كاستباق للعاصفة والبحث عن شرعية جديدة , وربما مراكز معينه وقادمة في ظل رحى التغيير , اعطت نفورا وتخوفا عاما من الثورة الشبابية , والذي اصبحت بنظر الكثيرين ثورة ملوثة فاسدة مثلها مثل النظام التي تنادي بإسقاطة , فكيف من يدعو الى المدنية الحديثه والتحرر كان حتى الامس القريب جزءاً لايتجزء من منظومة فساد متكاملة , في ظل إحجام الاغلبية المنضمة عن تقديم برآءة الذمم المالية من الفساد خلال العهد البائد واعلان التوبة الثورية النصوحة الصادقة , وتسليم الاموال المنهوبة , والاعتذار عن اية جرائم سابقة ارتكبت في عهد الرئيس السابق , اذن انضمام هذه العناصر المحسوبه على النظام القديم , اصابت الثورة في مقتل , واطالت من عمر الحسم الثوري, وأجلت الحسم الثوري , واحدثت نفورا شعبيا عارما واثقلت كاهل الثورة الوليدة وزادت من بطء تحركها ووهجها .

- الدور القبلي في ظل تناحر المشيخات والطائفية والمناطقية القبلية , التي هي من اساسيات الحكم السابق , وانضمام اكثر المشائخ من رموز العهد البائد , ومن تلطخت سيرتهم الوطنية بالفساد ونهب الاراضي والإتجار بالمال العام والكسب غير المشروع , حيث احسن النظام الاسري الحاكم استغلال هذا التحول المفاجئ بالذات لصالحة وتوظيفه التوظيف الامثل في شن حرب اعلامية ضد الرموز القبيلة المنضمة والمؤيدة للثورة الشبابية والتشكيك في مدى جديتها ومصداقيتها في إحداث التغيير , وتصوير الامر برمتة ان الثورة مجرد أداة لتصفية حسابات خاصة قديمة بين اقطاب القبيلة والأسرة الواحدة , وبرع النظام في استخدام ورقة القبيلة في حشد انصارة وجمع مؤيدية في مسيرات جماهيرية حاشدة متجهه من وإلى ميدان السبعين باعتباره رمزا لشرعية النظام والحكم الجمهوري وقبلة لأنصار الشرعية والوطن , مما نتج علية تباعا عزوف شريحة كبيرة من المجتمع اليمني في ظل الضغط الأعلامي المتفاقم والسياسي الممنهج عن الثورة الشبابية , وغالبا الانضمام الى الشرعية الدستورية والوقوف في صف الرئيس السابق , واعادة ما تملية وسائل الاعلام الرسمية في حربها الهوجآء على الثورة , وهذا ما حذا بالرئيس السابق تكرارا ومرارا بالقول مخاطبا الشباب بأن ثورتكم مسروقة , وهذا ما اثبتته الايام في ظل المبادرة الخليجية ومانتج عنها من افرازات وحكومة وفاق واخفاق لتحقيق الاهداف الثورية , ولوصول الاغلبية الى قناعات تامة ان الثورة فعلا سرقت وفي وضح النهار .

2- الاسباب الخارجية والدولية يمكن تلخيصها في الدور السعودي- الأمريكي في اليمن وحفاظة على مصالحة الخاصة , وما تمخض عن الدور والتدخل المباشر من حصانة وعدالة انتقالية اعادت خلط الأوراق وتأزيم الوضع اليمني الداخلي في ظل تضارب المصالح الدولية , وفرض الاجندة الخاصة لسياسات معينة , ولعب الدور السعودي الخليجي الامريكي دورا هاما ومؤثرا في انقاذ النظام المتهاوي , وتحويل الامر برمتة الى مجرد ازمة سياسية مفتعلة بين اقطاب النظام الحاكم والمعارض , وتهميش الثورة ومكوناتها الشبابية , مما ساعد على خروج الرئيس من قمة النظام الحاكم وبأقل التكاليف والخسائر الممكنه وبحصانه كاملة , وكانت المبادرة الخليجية بمثابة طوق النجاة للنظام ولكل من تسببت ايديهم في قتل الشباب في الساحات, وتعتبر محطة انتظار مؤقتة واستراحة محارب للعودة مجددا من الباب الخلفي للرئاسة , ولعب الدور الخفي في تسيير الامور والنظام من خلف ستار , فالقوة والجيش والأمن والسلطة وحتى الان عمليا ما زالت في أيادي الرئيس السابق وأبناءة وأقربائة , والإجراءات المزعومة باعادة هيكلة الجيش تنصدم بتمسك النظام الاسري الحاكم بمراكز القوى , والامعان في استفزاز المشاعر الداخلية والشعبية بالظهور مجددا في وسائل الاعلام , وفرض خيارات القوة مجددا , ووضع الشروط والإملآءات بصور متعددة ومختلفة , مما يضع الساحة اليمنية مجددا على شفا جرف هار من التأزم واشتعال ثورات مختلفة تماما , وربما تساهم بصوره او بأخرى في اعادة الزخم الثوري لحيويتة السابقة , وربما ما حدث خلال الفترة الماضية من تجاذبات سياسية وانتخابات رئاسية مزعومة , كانت بمثابة مرحلة غربلة للنقاء الثوري مجددا , واعادة الامور والاحداث الى المربع الثوري الأول, وفرض خيارات اسقاط النظام كاملا , في ظل ضعف وفشل حكومة الوفاق الوطني في تثبيت الاوضاع الامنية وتحسين الاوضاع المعيشية وحل جميع المشكلات العالقة من احتياجات المواطن من الكهرباء والتأمين الغذائي والامني , وفرض هيبة الدولة وسلطة القانون في اكثر المحافظات اليمنية مع التزايد المتنامي لخطر القاعدة وفرض سيطرتها على اغلب المناطق في المحافظات الجنوبية والشرقية , ومع الإنحلال الامني شمالا وفرض السلطة المحلية في بعض المناطق الوسطى وإعلانها أقاليم شعبية .

فشل الحكومة الحالية في حلحلة الامور واعادتها لنصابها وتوازنها الحقيقي , بالتزامن مع تلاعب رموز العهد القديم في مقاليد الحكم والسياسة ومراكز صنع القرار دون هواده , يجر الوطن مجددا الى خيار الشباب للتغيير الكلي , هذا ان كان في الثورة بقية رمق ونفس للحياة والاستمرار والتصعيد والصمود , فبعد عام كامل من الإنهاك الثوري والتململ السياسي والتلاعب بمصير الشباب , وفرض الاجندة الخارجية والداخلية اصبحت الثورة الشبابية مجرد طيف عابر وحلم لم يتحقق وأمل بعيد المنال, واصابها الانهاك والارهاق الشديد , في ظل تأزم الاوضاع وانتهاج سياسة العقاب الجماعي سابقا وحاليا , اذن الى اين تتجة الامور في اليمن في غياب الحلول الثورية والسياسية التوافقية معا , وفي ظل وجود الأخطار المحيطة به من كل جانب لن تكون القاعدة اولها ولا وجود الرئيس السابق وابنآءة في اليمن آخرها , وهناك عامل هام جدا في تأخير الحسم الثوري لايمكن اغفاله , وهو انتهاج سياسة التجهيل الإعلامي الذي انتهجة النظام السابق على مدى سنوات حكمة المريرة من غرس سلوكيات الجهل وتمجيد الزعامات وصنع الأصنام وتفشي الأمية والوعي في المجتمع اليمني ككل , فاصبح المجتمع اليمني في مفهومة المعاصر رافضا كليا للتطور وغير قابل للتأقلم والإندماج مع متطلبات العصر الحديث من التقدم والازدهار المتزامن مع التحرر من قيود الأنظمة , وهذا بحد ذاته يعتبر سلاحا فعالا وناجعا لإطالة عمر أمد النظام الحاكم , والإستمرار في فرض سلطاتة اللامحدودة والمتنامية في وجود الجهل المطبق وتفشي عوامل الجهل والتخلف لدى مكونات واسعة من المجتمع اليمني , وهذا نتيجة حتمية لنتائج عقود تراكمية زمنية ومتسلسلة ومتشابكة ومتجذرة من فرض سياسات تعليمية خاطئة وفاشلة في مضمونها الحيوي وبنآء الانسان البنآء الصحيح واعتبارة ثروة قومية لا يمكن التفريط بها او تجاهلها ,إذن عوامل ومسببات بقاء النظام هي حد ذاتها عوامل فشل الثورة , المعارضة ودون ان تدري ساهمت في بقاء النظام وذبح الثورة , والقبيلة ساعدت على استمرار النظام بصور وحلل جديدة .

-المبادرة الخليجية و الانتخابات الرئاسية لعبت هي الآخرى دورا رئيسيا في شق الصف الثوري والاختلاف بين مكونات العمل الثوري والشبابي المستقل والحزبي , وخلقت فوضى ثورية عارمة ساهمت في اطفاء شعلة الثورة المتقدة , و أوجدت التناحر والاختلاف مما ساهم في تحطم كيان الثورة من الداخل تلقائيا , والاحتضار الثوري والانتحار على ابواب السياسة والتآمرات المحيطة بها من كل جانب , فبقدر ما كانت المبادرة تمثل مكسبا وانتصارا للنظام تعتبر خسارة جسيمة وضربة موجعة للثورة , ولم تنج الثورة من شباكها والوقوع في فخها فكانت القيادات الحزبية الشبابية الموجودة في الساحات تعتبر الأيادي الآمنة والمخلصة للاحزاب , وتنفيذ اجندتها واهدافها الخاصة , و تلعب دور ممثل سياسات الاحزاب وتوجية الساحات حسب الرغبات السياسية لخدمة الاحزاب , فيتم التصعيد عند اي ظرف سياسي طارئ , أو عند حدوث أية عثرة اوعقبة سياسية تواجة تلك الاحزب, لتحقيق مكاسب سياسية قادمة وورقة ضغط للنظام الحاكم لتقديم تنازلات معينة, ويتم الفتور والهدوء النسبي الثوري احيانا أخرى عند تحقيق هذه المكاسب , وهذا ماتم رؤيتة واستنتاجة مرارا مع كل مراحل الثورة ومسيرتها المتعثرة .

-الفئة الصامتة , لعبت دورا كبيرا في تسلسل الاحداث رغم صمتها ونأيها عن مسرح الأحداث والإكتفاء بدرو المتفرج , لعبت دورا اساسيا في اطالة عمر النظام واكتسابة شرعية زائفه , كون النظام السابق ووسائل اعلامة استثمر الصمت الشعبي المطبق لصالحه , والإدعاء بانة الممثل الشرعي الوحيد للفئة الصامتة والحارس الفعلي للشعب وحامي حمى ثورتي سبتمبر واكتوبر واهدافهما المجيدة , اغلب الفئة الصامتة تكونت نتيجة التسلسل الزمني واخفاق العامل الثوري مع انضمام اكثر الاحزاب والتوجهات السياسية والشعبية المختلفة الى الثورة الشبابيه , ومع زيادة تعقد الأمور والاوضاع المختلفة وتأزم حدة الاوضاع المعيشية والحياتية , اختارت شريحة كبرى من المجتمع اليمني الصمت ورؤية ما ستؤول الية احوال الوطن بلا مبالاه , وربما لاحقا ذهبت للإستفتآء على شرعية النظام الجديد والانتخابات الرئاسية خروجا وهربا من جحيم الاوضاع , والخشية من نتائج حروب اهلية وكارثية مستقبلا , مما ساهم فعلا في وأد الثورة الشبابية واحلام التغيير الوطنية , هذه العوامل مجتمعة مثلت المقصلة التي ذبحت الثورةعلى منصة الشعب وعلى مرأى ومسمع من العالم , وربما سينتظر اليمن بعدها عمرا مديدا حتى تنتج ثورة وطنية صادقة ومخلصة تنقذة من وحل الذل والعبودية وتطير به الى رحاب المدنية الحديثة وآفاق الحرية والتطور .