الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٢٩ مساءً

اليمن والولايات المتحدة.. عقد صعب من العلاقات !

نصر طه مصطفى
الثلاثاء ، ٢٠ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
فتحت حادثة تفجير المدمرة الأمريكية (يو إس إس كول) على يد تنظيم القاعدة في عدن في شهر أكتوبر 2000م الباب على مصراعيه لصياغة جديدة للعلاقات اليمنية الأمريكية تقوم على أساس أمني بالدرجة الأساسية... لكن لأن الحادثة جرت في نهاية ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون لم يكن بإمكان إدارته إنجاز الآليات المطلوبة لهذه العلاقات، إذ في يناير 2001م كان الرئيس الجمهوري اليميني المتشدد جورج بوش الإبن يؤدي اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وكأي إدارة أمريكية جديدة كان لابد للرجل أن يدرس كل الملفات، وكان الجميع يدرك أن بوش الإبن يحتاج لدراسة واستيعاب أي ملف سياسي لأضعاف الوقت الذي كان يحتاجه سلفه الديمقراطي كلينتون...

وهكذا تأجل الملف اليمني حتى ما بعد حادثة 11 سبتمبر 2001م عندما بدأت إدارة بوش تلمح بأن اليمن هو هدفها الثاني بعد أفغانستان، وبسببها قام الرئيس السابق علي عبدالله صالح في نوفمبر من نفس العام بأهم زياراته للولايات المتحدة الأمريكية والتي أثمرت عن وقف مشروع استهداف اليمن وأسست للتعاون الأمني ورسمت مساراً جديداً لعلاقات البلدين...

كانت زيارة صعبة وكان الرئيس بوش في أقصى درجات توتره وانفعاله، فيما كان الرئيس صالح بالقدر نفسه في أقصى درجات قلقه وشجاعته في مواجهة رعونة نظيره الأمريكي، فقد كان يريد تجنيب اليمن مخاطر أي تدخل أمريكي مباشر كما حدث في أفغانستان، وكان المقابل هو تعاون يمني - أمريكي مفتوح بغرض استهداف القاعدة وقياداتها التي كانت مقيمة في اليمن... وقد نجح صالح في تجنيب اليمن ذلك التدخل المباشر الذي كان سيشعل حريقاً قد يصعب إطفاؤه.

بعد عام واحد من تلك الزيارة كانت القاعدة تضرب الناقلة الفرنسية (ليمبرج) على شواطئ المكلا، وجاء الرد أمريكياً مباشراً بامتياز من خلال قيام طائرة أمريكية بدون طيار بقتل أبو علي الحارثي، أحد كبار قادة التنظيم في اليمن في صحراء مأرب... وارتبكت القيادة اليمنية في كيفية التعامل مع هذا الحادث من النفي إلى تحمل مسئوليته إلى الإقرار لاحقاً بحقيقته، إلا أن الأجهزة الأمنية اليمنية عملت بجدية لاحقاً في تضييق الخناق على القاعدة ونشطت في هذا المجال خلال السنوات الثلاث التالية تقريباً...

واتخذت الدولة اليمنية وسائل شتى في التضييق على القاعدة من ضمنها الحوار والمعالجات الاجتماعية للتائبين منهم والاعتقال والرصد، ومن هذه الأساليب ما أعجب الإدارة الأمريكية ومنها ما لم يعجبها... لكن ذلك النشاط الأمني المكثف كان فعالاً إلى درجة أنه حد من مخاطر نشاط القاعدة كثيراً، رغم أن جبهتين جديدتين فتحتا على التوالي في عامي 2004 مع الحوثيين و 2005 مع الحراك الجنوبي... ووصلت علاقات البلدين إلى ذروتها بدعوة الرئيس صالح للمشاركة مع ثلاثة من القادة العرب الآخرين في قمة الثمانية صيف 2004م في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدا أن تلك الدعوة عبرت عن تقدير دولي كبير لنهج اليمن في الديمقراطية ومكافحة الإرهاب!

أعقب تلك الذروة انحدار تلو الآخر، فلا النهج الديمقراطي ظل كما هو، إذ بدأ نظام صالح منذ النصف الثاني من ذلك العام حرباً شعواء ضد الصحافة والصحفيين وصلت حد إصدار أحكام قضائية بالحبس رغم أنه – أي صالح – كان قد استبق مشاركته في قمة الثمانية بالتوجيه للحكومة بتعديل قانون الصحافة، بحيث يلغي عقوبة حبس الصحفي بسبب الرأي... وفي العام التالي فوجئ نظام صالح باستبعاد الإدارة الأمريكية لليمن من برنامج صندوق الألفية نتيجة عدم الإيفاء بعدد من الالتزامات والاشتراطات الخاصة بالاستفادة من مخصصات ذلك الصندوق ومنها محاربة الفساد وإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية... ويبدو أن نظام صالح قرر على ضوئها إعادة النظر في مستوى جديته في عملية محاربة القاعدة لاستقطاب الاهتمام الأمريكي مجدداً، فبعد تضييق الخناق الأمني عليها والذي أثبت فعالية كبيرة بدأت القاعدة تستعيد نشاطها شيئاً فشيئاً، لتعود العلاقات الأمنية إلى ذروتها مجدداً بين صنعاء وواشنطن، لكن من دون مستوى الثقة الذي كان يسودها من قبل.

جرت محاولات لاستعادة المستوى السابق للعلاقات عبر زيارتين قام بهما صالح لواشنطن في 2005 و2008، حيث عاد بعد الأولى لإنجاز العديد من الإصلاحات السياسية وإجراء تعديل حكومي واسع بغرض استعادة ثقة الإدارة الأمريكية لمحاولة العودة إلى صندوق الألفية والذي ترتب على استبعاد اليمن منه تخفيض حجم مساعدات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي...

أما الزيارة الأخيرة والسريعة في عام 2008م فقد جاءت في ذروة المواجهات مع الحوثيين بغرض تعزيز التعاون الأمني وتوديع الرئيس بوش الذي كان يستعد لمغادرة البيت الأبيض مع قرب انتهاء ولايته الثانية... ومع انتخاب الرئيس الديمقراطي باراك أوباما لم يكن لدى إدارته الحماس الكافي لعلاقات ثقة حقيقية مع نظام صالح بسبب إدراكها لحجم التلاعب الذي يقوم به نظامه وأجهزته الأمنية في الحرب ضد القاعدة وتمديد أمدها بغرض استمرار الحصول على مساعدات عسكرية وأمنية من ناحية وبغرض القيام بزيارة سنوية للبيت الأبيض تعزز من موقفه الداخلي ضد خصومه في المعارضة من ناحية ثانية... لذلك ظلت إدارة أوباما تتجنب دعوة صالح لزيارة واشنطن طوال عامي 2009 و 2010 بسبب توصلها إلى قناعة بعدم جديته في حرب القاعدة وفي إجراء إصلاحات اقتصادية ومحاربة الفساد وفي إجراء إصلاحات سياسية... وزاد الطين بلة حادثة الطالب النيجيري عمر الفاروق نهاية 2009م التي قررت عقبها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي وضع اليمن تحت ما يشبه الوصاية بسبب حالة الفشل والانهيار التي أوصلها إليها نظام صالح، فكان مؤتمر أصدقاء اليمن في يناير 2010م بلندن إيذاناً بمرحلة جديدة في العلاقات اليمنية - الأمريكية تحديداً، سنستكمل قراءتها الأسبوع القادم لنتمكن من استشفاف الرؤية الأمريكية ليمن ما بعد علي عبدالله صالح.