الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٠٥ صباحاً

الحروب في اليمن.. مقاولات في الداخل لممولين في الخارج

د. أحمد عبيد بن دغر
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
لعلكم تذكرون كيف انتهت حرب صعده الخامسة، وكيف تمكنت مكالمة تلفونية ( من فخامته) أن توقف نزيف حرب دامية أخفقت كل الوساطات الداخلية والخارجية في إيقافها، يومها كان قرار وقف الحرب من جانب السلطة قراراً وطنياً بامتياز، في الوقت الذي كانت دعوات المعارضة لوقفها وحث طرفي الصراع على الجلوس إلى مائدة الحوار بمثابة خيانة وطنية من وجهة نظر السلطة، وحين وقفت الحرب فعلاً ذهب إعلام الحزب الحاكم يروج بأن المشترك مستاء من عدم استمرارها، و بأنه منزعج من توقف آلة الحرب في القتل والدمار، وكأن المشترك هو المسئول عن إعلان تلك الحرب وليست السلطة ذاتها التي ظلت تخوض الحرب تلو الأخرى دون أن تعير المعارضة أو الرأي العام أي اهتمام.

السلطة ما برحت تلوح بسيف الوطنية والمصالح العليا للوطن في وجه كل من يخالفها الرأي، فحين تذهب إلى الحرب فالمصالح العليا للوطن هي من يسوقها إلى ساحة الوغى، وحين تقرر وقف الحرب فالمصالح الوطنية ذاتها هي من يرغمها على قبول الاشتراطات المذلة، والإذعان للمطالب المجحفة بحق الوطن، وكله في سبيل الوطن!!

لكن دعونا نسأل أولئك المطبلين والمزمرين وكل السائرين في زفة السلطة، الذين ما انفكوا يبررون لها مواقفها ويمررون لها أفعالها تحت لافتة الوطنية والمصالح العليا، نسألهم: من الذي يقرع طبول الحرب السادسة اليوم ويُسوق لها في وسائل الإعلام ويريد من الجميع أن يباركوا خطواته تلك ويهنئوه على مشروع الحرب القادمة وكأنه يحقق انجازاً تاريخياً يذهل العالم كما تفعل إيران في برنامجها النووي؟! ستنشب الحرب- هذا متوقع في ظل الترتيبات الداخلية والخارجية- وسيقال للمواطن اليمني ذي الذاكرة المثقوبة للأسف، المعارضة هي من أشعلت الحرب لتصفية حساباتها السياسية مع السلطة أو مع غيرها، وكأن هذه السلطة مجبرة، ولا حيلة لها فيما تفعله!! وسيأتي أحدهم متقمصاً ثوب التحليل السياسي ليُظهر براعته ومهارته في تفكيك الأحداث وخياطتها ببعضها ليقول لنا وبكل بجاحة بأن المشترك هو الجناح السياسي للحوثيين!! هكذا.. بكل وقاحة وانحطاط أخلاقي ومهني، بل وخروج عن كل مبادئ وقيم المهنية واحترام الكلمة وعقول المتلقين، وسيبرر ذلك برفض المشترك الانسياق وراء رغبات السلطة في إعلانها حرباً جديدة لاستكمال ما تبقى من حلقات مشروعها الوطني الذي تخدم من خلاله المصالح العليا للوطن والتي لا يعرفها سواها!! وحين يقرر اللاعبون وقف الحرب في الزمان والمكان المناسبين وفقاً لأجندة مصالحهم المختلفة، حينها سيطلع علينا نفس المحلل السياسي وبقية رفاقه المطبلين في زفة الحرب، ليتقمصوا روح الوطنية، وليعزفوا من جديد على أوتار مصالحنا العليا التي يذبحونها كل يوم كقرابين تحت أقدام السلطة، ليقولوا مجدداً: انظروا، هذه أحزاب المشترك ترفض وقف نزيف الدم اليمني، والتئام الجرح الوطني، وتُحرّض لاستمرار المعارك حتى آخر حوثي وجندي يمني!! هذا ليس من وحي الخيال، بل هو ما حدث بالفعل في كل الحروب السابقة طيلة خمس سنوات وخمسة حروب متتالية، ولعلكم تذكرون أيضا تلك الرسالة الأخيرة التي بعث بها الرئيس للمشترك وأتهمه فيها صراحة بالوقوف إلى جانب التمرد والحراك الجنوبي، محملاً إياه إنعكاسات ذلك الأمر وتداعياته على المصالح العليا للوطن! وليتهم يخبروننا عن حقيقة تلك المصالح التي سوغت لهم خمسة حروب نحتت من جسد الوطن، وأكلت فوق أشلاء أبنائه، وما برحت تسوغ للمزيد منها؟

أياً يكن الأمر، فلا أحد يتمنى أن تظل الحروب مشتعلة في وطنه، ولماذا؟ والى متى؟ يبدو الأمر مفزعاً ومخيفاً، وكأن ثمة مقاولي حروب يتكسبون من ورائها ويقتاتون على دماء الناس ومصالح البلد، لم يعد يهمهم شيء مادام هنالك من يدفع ويمول، ومن يجيد حشد المقاتلين من هنا وهناك ورميهم للمحرقة!

في الحرب الخامسة- تذكرون- كان ثمة خطوات متسارعة نحو تشكيل جيش شعبي قيل بأنه سيتألف من ثمانية وعشرين ألفاً لحسم المعركة مع الحوثيين، وفي اللحظات الأخير طُرحت الفكرة جانباً وتقرر الاستغناء عن خدماته، وفي غضون أيام قلائل أعلنت السلطات عن وقف عملياتها العسكرية والاحتكام لصوت العقل، واللجؤ إلى الحوار والتفاهم لحل الأزمة، لكن صوت العقل والحكمة توارى مجدداً هذه المرة ليعلوا قرع الطبول من الجانبين، فماذا حصل بالضبط ولماذا تبدلت المواقف؟ ربما كان البعض- آنذاك- يحاول مقاولة الحرب لحسابه الخاص بمعزل عن بقية شركائه، ومن المحتمل أن هؤلاء الشركاء وجدوا أن محاولة أولئك البعض احتكار الصفقة لصالحهم والاستئثار بها دوناً عنها وجني أرباحها في رصيدهم الخاص مستغلين بذلك اختلاط الأوراق واختلاف المصالح وتنازعها، أقول ربما وجدوا أن الأمر سيخرج من أيديهم، وسيصعب التحكم به والسيطرة عليه فيما بعد، وهو ما سيفوت عليهم الفرصة مستقبلاً لضمان حقهم الحصري في مقاولة الحرب بالطريقة التي يقررونها، طبقاً لمنظومة المصالح المتشابكة داخلياً وخارجياً، لذا جرى احتواء الموقف بسرعة، وبالطريقة التي عرفناها جميعاً. ومن المرجح أن مستجدات طرأت على الساحتين المحلية والإقليمية أغرت طرفي الأزمة في الجانبين وشجعتهما على استئناف دورات الصراع بينهما باعتبارهما صارا وكيلين حصريين لممولين من الخارج أبدوا استعدادهم التام لتحمل كافة نفقات الصراع وزيادة. ولا ندري هل صار محرماً أن ينعم أبناء الوطن بالهدوء والراحة لمدة عامين فقط هي الفترة المتبقية للوصول إلى الانتخابات البرلمانية في 2011م؟

أليس الأولى الالتفات إلى معاناة الناس وحل مشكلاتهم المعيشية، والتفرغ لمكافحة الفساد وانجاز مصفوفة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والانتخابية في البلد، وإصلاح ذات البين، عوضاً عن الدخول في متاهات أزمة جديدة ستكلف البلد خسائر فادحة فوق ما تعاني منه من أزمات؟

حتى وإن كان الحوثيون هم من يستفزون السلطة ويحاولون توريطها في حرب جديدة لسبب أو لآخر، فهل يعني ذلك الوقوع في شراكهم؟ هل يتعين أن تذهب صفقة السلاح الروسي الجديدة لاختبارها في جبال صعدة فيما المخاطر تحيط بالبلد من كل جانب؟

لقد حصلنا بالكاد على وسيط عربي نزيه قبل بتحمل أعباء إعادة الإعمار وإصلاح البيت اليمني من الداخل، فهل سيبتسم لنا الحظ في كل مرة لنجد وسيطاً آخر بنفس مواصفات الأول؟