الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٧ مساءً

عندما أخطأ في حقنا الحمدي

حمير أحمد السنيدار
الخميس ، ٢٢ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
لا يمكن أن ينسى الشعب اليمني قائداً بحجم إبراهيم الحمدي, بل الغريب في الأمر أن هذا الحب يتم توارثه عبر أجيال لم تعاصر زمن هذا الرجل العظيم الذي قيل عن نزاهته وإبداعاته في بناء اليمن ما يجعل قلوب اليمنيين تبكي دماً على أيام حكمه الرغيده وأيضاً من الواقع المر الذي عاشوه بعد رحيله ظلماً وعدواناً, ولكن بالرغم من كثرة المقالات والأحاديث التي تتكلم عن أمجاد الرئيس الحمدي إلا أنه نادراً ما نجد من يقيم بموضوعية فترة حكم الرجل متناولاً المآخذ والأخطاء والتي بالفعل كانت لها آثار سلبية بل وكارثية أدت إلى إنهاء حياة الرجل بشكل دموي فظيع وكذلك تسليم اليمن إلى من أغرقوه في بحر ظلمات الجهل والفقر والظلم.
لقد عزم الرئيس الحمدي في بداية حكمه على أن يتخلص من جميع مراكز القوى المسيطرة على مفاصل الدولة اليمنية في الشمال والتي عرقلت مشروعه الإصلاحي الذي تقدم به شخصياً قبل وصوله للرئاسة وكذلك كانت عائقاً للتقارب مع حكومة الجنوب الإشتراكية, ولقد كان له ما أراد في التخلص منهم والإنفراد بالحكم عن طريق ترأسه مجلس قيادة الدولة الذي ضم قيادات جديدة تدين بالولاء له, وليست المشكلة هنا في إنفراد الحمدي بالسلطة كونه يريد تنفيذ برنامجه الإصلاحي بحرية, ولكن المشكلة تكمن في نوعية الرجال الذين اختارهم الحمدي ليكونوا في موقع الصف الثاني للحكم والذي لم يمكن لأمثالهم أن يحلموا بمثل هذا الموقع أبداً.

لقد أعتقد الرئيس الراحل أن أقصر الطرق لتنفيذ مخططاته التنموية وكذلك التقارب مع الجنوب لتحقيق الوحدة يكمن في إبعاد جميع الرجال الأقوياء بالدولة أمثال الشيخ عبدالله الأحمر ويحيى المتوكل وأسرة أبو لحوم وإستبدالهم بشخصيات ليس لها وزن قبلي أو شعبي ويستطيع التحكم بها والسيطرة عليها وبالتالي الإستغناء عنها بسهولة في أي وقت خاصة بعد تحقيق الوحدة وإستبدالهم بقيادات من الجنوب, وللأسف الشديد أن هذه الشخصيات كانت من أمثال أحمد الغشمي وعلي عبدالله صالح والتي بدورها أحست بأن الرئيس الحمدي أراد أن يستغلها بشكل مؤقت للتخلص من القيادات القوية بالجيش وشغل الفراغ المؤقت لحين تحقيق الوحدة مع الجنوب فما كان منهما إلا أن غدروا به قبل أن يتخلص منهم (تغدوا به قبل أن يتعشى بهم).

لقد كان الخطأ القاتل الذي ارتكبه الرئيس الحمدي هو أنه خانه ذكائه في إختيار شخصيات هي أقل بكثير من أن تتولى الصف القيادي الثاني الذي يليه مباشرةً واضعاً إياهم على بعد خطوة من الحكم, معتقداً بأن هذا الوضع مؤقت لحين تحقيق الوحدة مع الجنوب ومعرضاً شعبه لخطر كارثي محدق وهو إحتمالية وصول هؤلاء الجهلة الغير مؤهلين للحكم في حالة غياب الرئيس لأي سبب كان, وهذا ما حدث بالفعل, فلقد تم القضاء على الرئيس المغامر بنفسه وشعبه بسهولة عجيبة والذي أعطاهم الفرصة لكي يكونوا خلفائه الرسميين لتبدأ معاناة شعب بأكمله طيلة فترة أربعة وثلاثون سنة ذاق خلالها كافة أصناف الظلم والدجل والقهر والجهل والفقر, كل ذلك بسبب طول أمل الرئيس الحمدي ومغامرته الغير محسوبه.

ولأن في التاريخ عبرة لكل معتبر فإن الخطأ القاتل الذي ارتكبه الرئيس الراحل في حق نفسه وشعبه يجب أن لا يتكرر الآن في عهد الرئيس عبدربه هادي, فليحذر كل الحذر من أن يغره ذكائه في أن يبقي القيادات الفاسدة والموالية لسلفه في مناصبها أو أن يحركها كالشطرنج من منصب لآخر معتقداً بأن هذا الأمر مؤقت غير دائم حتى يسيطر على مجريات الأمور, فما يدريه كم في العمر من بقية ووقتها لن يسامحه الناس أبداً كما سامحوا الحمدي.