الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٥٤ مساءً

أبعاد التواجد الأمريكي في اليمن ..

صالح السندي
الثلاثاء ، ٢٧ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
حينما لا يجد اعداء الوطن ذريعة للفشل السياسي خيرا من خلق مبررات واعذار واهية تؤدي في نهاية المطاف الى التدخل الاجنبي والاستحواذ على ثروات الوطن , والإمعان في خنق الشعب وإذلالة اقتصاديا ومعيشيا , وتفعيل الابواق المهملة بغية ايجاد مناخات مناسبة ومنافذ للفشل السياسي الذي وصلت اليه اليمن , من التمسك بخيارات القوة والعناد وفرض هيمنة الخارج كبديل أساسي , وبسط نفوذ التدخل الاجنبي لسرد الاملاءات في الساحة اليمنية , وخلال الفترة الماضية نشطت بقايا خلايا النظام النائمة لتسهيل مرور المارينز الامريكي بعتادة العسكري , ولكن هذه المره من بوابة العاصمة صنعاء عبر المطار الدولي ومن خلال صالة كبار الضيوف والتشريفات , والاستقبال في ارقى الفنادق في حي شيراتون المطله على السفاره الامريكية وعين صنعاء المحاذيه لنقم من الجهة الشرقية , وللمواقع العسكريه المطلة على مدينة ازال , لتضع صنعاء وقلب اليمن في يد النفوذ الامريكي وبسط السيطره الخارجية الكاملة على مواقعه الحيوية والاستراتيجية .

واخذت الصور المتنامية للتدخل الامريكي منحا آخر مختلفا تماما عما كانت عليه سابقا , فمن التدخل السياسي والدبلوماسي الى التدرج والتدخل العسكري واختراق الاجواء الوطنية , وفرض الهيمنة الامريكية والسيطرة الكاملة بصورة اشرافية و واقعية على البر والجو والبحر من خلال البوارج العسكريه الامريكية المنتشره في طول المياة الاقليمية والساحلية المحاذيه للبحر الاحمر وبحر العرب وجزيرة سقطرى , هنا خلقت الفوضى السياسية اليمنية بيئة مناسبة ومرتعا خصبا للتواجد الامريكي بكثره, ومثلت انتقاصا صارخا للسياسه اليمنية وانتهاكا قويا للسيادة الوطنية .

ان الزيارات المكوكية المعلنة والغير معلنة من صنعاء والى واشنطن خلال فترات زمنية قياسية و حرجة في المرحله السياسية الحاليه التي تمر بها المنطقة ككل , فمن زيارة نائب مستشار الامن القومي ومساعد الرئيس الامريكي لمكافحة الارهاب والامن الداخلي جون برينان فبراير الماضي إبان الانتخابات الرئاسية , وحاليا زيارة السيد جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشؤون الشرق الادني , يضع صوره كليه ومتكاملة عن ماهية وطبيعة الزيارات والغرض منها , ومالغايات المراد تحقيقها مستقبلا, والتي اخذت في المجمل نكهه أمنية عسكريه اكثر من كونها سياسية .

تسويق الفشل السياسي الداخلي للخارج بغرض جلب القوات الامريكية والمارينز , والتدخل في تسيير الامور العسكرية الحساسة والمفصلية في الدولة من الامن القومي وقوات مكافحة الارهاب وتدريب الحرس الجمهوري والخاص , والاشراف المباشر على المواجهات المسلحة و العمليات العسكرية النوعية والعملية على ارض الواقع , بل واصدار الاوامر والتعيينات حسب الرغبات الامريكية الملُحة للحفاظ على مصالحها في الشرق الاوسط , وانتاج سياسات جديدة تتماشي والرغبة الامريكية لفرض الهيمنة والتدخل المباشر في الوضع السياسي اليمني يضع مسألة السيادة الوطنية على المحك , في غياب الوعي السياسي اليمني بكافة اشكاله الى مدى حساسية هذه القضيه وتبعات السكوت عليها , واصبح الحديث عنها – في نظر النظام - محرما , و مجرد الخوض فيها تعديا سافرا للامور السياسية الداخلية للامن القومي الوطني .

تلك التصريحات المقتضبة لوزير الخارجية اليمني لم تأت من فراغ الرجل يحاول الامساك على الزناد من بعد وتوجية ضربه قوية لحكومة الوفاق ولجناح التمرد في المؤتمر وللقوى المطالبه بالتغيير لتقبل الامر الواقع , وتلتها بفترة بسيطة تصريحات السفير الامريكي عن مخاطر حكومة ’’الإخوان’’ والتحفظ على بعض الشخصيات القيادية العامة , وما يمثلة وجود شخصيات محسوبة على القاعدة وداعمه لها ضمن التركيبة الجديدة لحكومة الوفاق من خطر حقيقي للامن الدولي , وقوبلت هذه التصريحات بحملة شرسة ومنظمة من العصبة الدينية المحيطة بتلك القيادات الروحية دفاعا عن رموزها واقطابها العلمية والحركية , وليس ببعيد يمكن استنتاج دلالات التدخل الامريكي العسكري والسياسي :في اليمن

1-بذريعة تنامي خطر القاعدة في شبة الجزيرة العربيه واليمن.

2- حماية لمصالحها الاستثماريه والنفطية في اليمن وفرض سياساتها واملاءاتها في الشؤون الداخلية.

3-حماية لدولة اسرائيل وتشكل مع التوجة و المد السياسي الاسرائيلي الممتد الى جنوب افريقيا واريتريا وجنوب السودان مؤخرا , منطقة آمنة وحيوية ودفاعية لحماية اسرائيل .

4- حماية لمصالحها في الخليج من تبعات حرب غير معلنه ضد الجمهورية الاسلامية في حال توجية ضربات جوية استباقية للمفاعلات النووية الايرانية .

5-التحكم المباشر في خطر التوسع الافقي للربيع العربي من اليمن وسوريا الى الخليج والجزيرة العربية , خاصه مع بدء ظهور بوادر ربيع عربي خفي وغير معلن في دول الخليج العربي .
6- داخليا حماية النظام السابق من السقوط كليا , فلن تجد الولايات المتحدة طرفا مخلصا ومتعاونا افضل من نظام الرئيس السابق في توفير التسهيلات المثمرة والفعالة , عبر الاستمرار في خطط مدروسة وبرامج معده سابقا وفق جداول زمنية محددة , كلفت الادارة الامريكية وعلى مدى سنوات في حربها الضروس ضد القاعدة الملايين من الدولارات لتأهيل الحرس الجمهوري وقوات مكافحة الارهاب وتوفير الدعم العسكري واللوجستي والبنية القوية لهذه القوات القابعه تحت إمرة النظام القديم , مما يعني التنازل وبسهولة عن هذه القيادات والخطط مزيدا من العناء والكلفه الباهظة الثمن للادارة الامريكية , واعادة فرز ولاءات جديدة قد تفشل لاحقا في ظل حكومات شعبيه منتخبة وانتصار ثورات الربيع العربي .

تزامن اعلان وجود هذه القوات في قلب العاصمة صنعاء متماشيا مع فشل سياسات حكومة الوفاق في تلبية الرغبات الشعبيه واحكام السيطرة على القاعدة وتثبيت الامن والاستقرار في مختلف مناطق الجمهورية , ومتزامنا مع موجة الغضب الشعبي المطالب بتنحي الرئيس السابق وافراد عائلته كليا ومحاكمته وإعادة هيكلة الجيش , وهذا مالاتريدة الادارة الامريكية قبل فلول النظام السابق نفسة , وهذا ما بدا واضحا في تعامل الادارة الامريكية مع ملف اليمن وعلى مدى اكثر من عام من الثورة الشعبية , اذن خريف الانظمة العربية يحتضر في دول الربيع العربي ليبعث للحياة مجددا
في اليمن , وبصورتة القديمة متزينا هذه المره بالحصانه والدعم الاقليمي والدولي , وستكون عودته اكثر قوة من ذي :قبل لعدة اسباب

1- فشل الحكومة الحالية في إحقاق مطالب التغيير وتحسين الاوضاع وادارة شؤون اليمن.
2-تزايد خطر القاعدة وانتشارها في طول اليمن وعرضها اكثر من ذي قبل .
3-قناعات سياسيه داخلية لدى الادارة الامريكية نفسها عبر نصائح موجهه وبرقيات عاجلة للنظام مفادها ان النظام الاسري الحاكم هو خير قائد ومنقذ للمرحلة الحالية .
:ابعاد ونتائج التدخل العسكري الامريكي في اليمن يمكن حصرها في التالي

1- زيادة السخط الجماهيري والشعبي العام ضد التواجد الامريكي والهيمنة الامريكية في المنطقة .
2- فقدان حكومة الوفاق الوطني اية شرعية دستورية وطنية نتيجة الضعف والفشل في المحافظة على مكتسبات الوطن والذود عن كرامته وحدوده البرية والبحرية والجوية , وايقاف التدخلات الاجنبية والنفوذ الامريكي في اليمن
3-زيادة التأييد المطلق للقاعدة من قبل القبائل اليمنية المحتمية في لوآءها و مكوناتها القبلية , وتوفير الغطاء والحماية اللازمة لها .

4-في اسوأ الاحوال وزيادة تفاقم و حدة الاوضاع ستؤدي الى مظاهر مسلحة وربما مواجهات دامية مع العدو القادم , لما تتمتع به خصوصية المجتمع اليمني الحر من رفض هيمنة الآخر على اراضية والانتقاص من سيادته , وسيصور الامر وكأنه غزو واستعمار جديد .

امام العجز الحاصل لحكومة الوفاق في فرض سياسات جديدة ومنقذة اتجهت الى التدويل وطرق ابواب السفارة الامريكية والسعودية , وطار الرئيس هادي الى المملكة ليضع ملف اليمن مجددا بين يدي المملكة بكافة مشاكلة وتعقيداته , وبحثا عن مخارج جديدة في ظل تضارب المصالح , والفشل في ادارة شؤون اليمن بذريعة تواجد الرئيس السابق وافراد اسرته في اليمن , اذن مما سبق لم يعد هناك خيار امام حكومة الوفاق الا الاتجاه الى التدويل والتصعيد معا, التدويل سياسيا والتصعيد ثوريا , التدويل عبر تسويق الملف اليمني للخارج والجوار , و القاء لائمة الفشل وعدم القدرة على التحكم في ادارة البلاد بسبب تواجد الرئيس السابق , والتصعيد عبر الثورة الشعبيه وحشد الانصار واحياء روح الثورة التي ماتت في دهاليز السياسة وخلف رحى المؤامرات , اذن مازالت احزاب اللقاء المشترك تلعب اللعبه القديمة ذاتها في استخدام الورقة الشبابيه وتحسن استغلالها لفرض رؤى وتغييرات جديدة ومنشودة , السفير الامريكي هو الآخر اتقن لعب دور حامي حمي الامن والسلم العالمي بتدخلاته المستمره في السياسه اليمنية , وتوجيهها حسب المصلحة الامريكية الخليجية , ويبقى اليمن حاليا هو الخاسر الاكبر منزوع السيادة والقرار , حتى إشعار آخر وربما ثورة أخرى ..